الوقت- التوترات بين الأردن والأحزاب "اليمينية" في الكيان الصهيوني لها تاريخ طويل خلال حكومات الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. لطالما كان حزب "الليكود"، الحزب اليميني الأهم في الكيان الصهيوني، ملتقى للصهاينة الذين يعتبرون الأردن أرضًا مناسبة لاستيعاب الفلسطينيين وأخذ الأرض الفلسطينية ملكًا لهم، حيث تتضمن خطتهم أن يكون الأردن "الوطن البديل" للفلسطينيين.
وحسب الأقوال، فإن من أهم أسباب معارضة الحكومة الأردنية لخطة دونالد ترامب المسماة بـ "صفقة القرن"، هو وجود عناصر من نفس خطة الليكود في هذا البرنامج الأمريكي. ولم تكن هذه المعارضة بلا عواقب بناء على مزاعم السلطات الأردنية والتي تعتبر قصة "الفتنة" أو "الانقلاب الفاشل" لحمزة بن الحسين (شقيق الملك) في نيسان / أبريل 2021 تتماشى مع نفس الضغوط على الأردن.
خلال الفترة السابقة لحكم نتنياهو، كانت هناك توترات أخرى بين الكيان الصهيوني والأردن. وكان إصرار الأردن على استعادة منطقتي "الباقورة" و "غمر" في غور الأردن على أساس معاهدة "وادي عربة" للسلام، إضافة إلى سعي الأردن الجاد في قضايا المسجد الأقصى، من العوامل الأخرى التي زادت من حدة الأزمة. حيث تسببت هذه العوامل في قطع الاتصال المباشر بين ملك الأردن ورئيس وزراء الكيان الصهيوني حتى تولى نفتالي بينيت منصبه.
تشير الأخبار حالياً إلى أن حكومة نتنياهو الجديدة، بوجود الصهاينة الأكثر تطرفاً مثل إيتمار بن غفير (زعيم حزب "القوة اليهودية") وبتسلإيل سموتريتش (زعيم حزب "الصهيونية الدينية")، لديها خطة جديدة لزيادة الاستيطان في الضفة الغربية. من ناحية أخرى، فإن هذه التيارات المتطرفة تولي اهتماما كبيرا لمسألة المسجد الأقصى، وانتهكت أراضي المسجد الأقصى مرات عديدة في الأشهر الماضية.
أجرى الجيش الصهيوني مؤخرا تدريبات عسكرية في منطقة "غور الأردن" في 4 و8 كانون الأول / ديسمبر الجاري، لإظهار استعداده للتعامل مع مجاهدي الضفة الغربية ومواجهة الفلسطينيين في قضية القدس. كثفت المقاومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة مواجهاتها مع الكيان الصهيوني في الضفة الغربية بقيادة جماعتي "لواء جنين" و "عرين الأسود".
ولعل هذا التمرين يحمل رسالة إلى الأردن، حتى لا يتفاعل هذا البلد مع توسع المستوطنات، وزيادة الاعتداءات على المسجد الأقصى، وزيادة الصراعات مع الجماعات الفلسطينية في الضفة الغربية.
من العوامل الأُخرى للتوتر بين الأردن والكيان الصهيوني هي قضية مطار رامون. تم افتتاح هذا المطار في عام 2019 بالقرب من مدينة إيلات المحتلة؛ وفي السنوات القليلة الماضية، حاول الكيان الصهيوني تشجيع الفلسطينيين في الضفة الغربية على استخدام هذا المطار.
وقد أثار هذا الموضوع قلق الأردن، لأن المطارات الأردنية، وخاصة مطار الملكة علياء في عمان، كانت دائمًا نقطة الانطلاق الرئيسية للرحلات الفلسطينية في الضفة الغربية في العقود القليلة الماضية، ومع تطوير مطار رامون، فإن مركزية المطارات الأردنية هذه معرضة للخطر؛ كما أدى افتتاح مطار رامون في ميناء إيلات إلى انخفاض أهمية مطار الملك حسين في العقبة بشكل كبير. ويعتبر الأردنيون هذا العمل الذي قام به الكيان الصهيوني مخالفًا للاتفاقيات الاقتصادية بعد اتفاقية وادي عربة للتعاون المشترك في تنمية منطقة العقبة في إيلات.
بالطبع، إلى جانب هذه العوامل التي تضغط على الاردن، هناك أيضًا عناصر في هذه العلاقة تقلل من حدة التوتر؛ وكلها عوامل اقتصادية وكلها متجذرة في احتياجات الأردن. يتضمن هذا القسم عقود شراء الغاز من الكيان الصهيوني وكذلك البرنامج المشترك بين الكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة لإنتاج الكهرباء الشمسية في الأردن.
النقاط المذكورة هي علامة على انتهاء فترة الهدوء النسبي للعلاقات بين الأردن والكيان الصهيوني خلال فترة حكم لبيد وبداية فترة جديدة من التوترات بين الأردن والكيان الصهيوني. لكن السؤال ما هي السياسات التي سيتخذها الأردن في هذا العصر الجديد؟
من الواضح أن مستوى تشابك الحكومة الأردنية الحالية مع الحكومة الأمريكية كبير لدرجة أنه لا ينبغي توقع حدوث تحول استراتيجي عميق في سياسة الأردن ضد الكيان الصهيوني على المدى القصير بافتراض أن الحكومة الأردنية الحالية لا تزال في مكانها. ومن المتوقع أن يسعى الأردن للحصول على مساعدة من حلفائه الإقليميين والعالميين لكبح الكيان خلال أيام حكم الليكود
يمكن فهم زيارة الملك عبد الله الأخيرة إلى إنجلترا والاجتماع بالملك الجديد لهذا البلد بانها تأتي في هذا السياق، بالإضافة إلى تجديد الاتفاق القوي بين العائلة الهاشمية والعائلة المالكة البريطانية.
من ناحية أخرى، حتى لو أراد الأردن إجراء تغيير جذري في سياساته تجاه الكيان الصهيوني، فإنه لا يستطيع القيام بذلك. حيث يعاني هذا البلد من صعوبات مثل التبعيات الاقتصادية والتجارية الواسعة في الخارج، والأزمة المائية الشديدة والاقتصاد غير الصناعي، بالإضافة إلى أن جيش هذا البلد غير قادر على مواجهة الجيش الصهيوني.
بالطبع، من المهم ذكر نقطة قيمة هنا؛ فخلال الفترة السابقة لحكم نتنياهو وفي خضم أزمة حمزة بن الحسين، اشتكى فيصل الفايز (رئيس البرلمان الأردني) رسميًا من ضغوط سعودية في مقابلتين تليفزيونية مع "روسيا إليوم" و "فرانس 24"..
ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي اشتكى فيها مسؤول رفيع المستوى ناطق أردني من السعودية. حيث كان يقصد أن جهود السعودية لـ "لحام" صفقة القرن وضعت الأردن تحت الضغط.
حتى اليوم لم يتم حل القضية الفلسطينية بعد، وربما يكون للكيان الصهيوني بقيادة نتنياهو سياسات تتماشى مع صفقة القرن فيما يتعلق بفلسطينيي الأردن والضفة الغربية. المملكة العربية السعودية، التي تقود عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في المنطقة منذ عدة سنوات، من المحتمل أن تكون متآزرة مع نتنياهو مرة أخرى في أيام حكمه، وسيبدأ الضغط على الأردن من جديد.
لذلك يبدو أن العلاقة طويلة الأمد بين الأردن والمملكة العربية السعودية، والتي تشكلت في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لكبح الاتجاه القومي العربي في المنطقة قد انهارت، وفي هذا العصر الجديد، يحتاج الأردن إلى مساعدة قوة إقليمية أخرى؛ ومن بين دول منطقة غرب آسيا، فقط إيران وتركيا وقطر هي القادرة على التعاون بهذه الطريقة.
ويتطلب اختيار تعاون الأردن المحتمل مع محور المقاومة بقيادة إيران ومحور الإخوان بقيادة تركيا وقطر، أن يتخذ خيارات صعبة لاختيار أي من هاتين الطريقتين. فمن ناحية، فإن تاريخ مواجهات الأردن الجادة مع محور المقاومة في المنطقة أمام أعيننا، ونعلم أن مثل هذا الخيار سيخلق توترات شديدة بين هذا البلد ودول مثل السعودية والإمارات.
من جهة أخرى، فإن الاقتراب من محور تركيا وقطر سيرسل موجة ضغط من الدول المعادية للإخوان تجاه الأردن. كما أن تصرفات الحكومة الأردنية في السنوات التي أعقبت انتفاضات 2011 لكبح جماح الإخوان وأحيانًا المواجهات القضائية مع هذا التيار الإسلامي الأردني يمكن أن تكون عقبة خطيرة في طريق تحسين العلاقات مع تركيا وقطر.
بالطبع، اختلف نمط تعامل الأردن مع الحركة الإسلامية الإخوانية عن الأنماط السعودية والإماراتية والمصرية، ويمكن أن يكون هذا نقطة أمل للأردن لبدء عملية تحسين العلاقات مع محور الإخوان في غرب آسيا.