الوقت - باتت كل مناسبة يزور فيها رئيس دولة ما الجزائر، هي بمثابة مشروع لوساطة لا تنتهي فصولها بين الجزائر والمغرب، في مشهد يؤكد حجم الضغوط التي تتعرض لها المملكة من جراء العقوبات متعددة الأبعاد التي فرضتها عليها الجزائر في خضم الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين قبل أزيد من عام، بسبب الاستفزازات المغربية المتكررة وتواطؤ المغرب مع الكيان الصهيوني في التطاول على الجزائر من الرباط.
ورغم تأكيد السلطات الجزائرية، على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، بحضور وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الذي زار يومها الجزائر، أن “لا وساطة لا الأمس ولا اليوم ولا غدا”، إلا أن المغرب لا يزال يتعلق بأي قشة كحال الغريق، كلما سمع بزيارة رئيس دولة ما إلى الجزائر.
هذه المرة، خرجت مجلة “مغرب إنتلجنس” الاستخبارتية الفرنسية، لتعيد السيناريو نفسه مع استبدال المملكة السعودية بالمملكة الأردنية الهاشمية، واسم الأمير فيصل بن فرحان بالعاهل عبد الله آل الثاني، حيث يقود العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني بن الحسين"، جهود وساطة جديدة بين الجزائر والمغرب، لحل الأزمة المندلعة بين البلدين، والتي وصلت إلى حد سحب السفير الجزائري من الرباط في يوليو/حزيران 2021.
ووفق مجلة "مغرب إنتليجنس"، فإن الملك "عبدالله الثاني"، استغل زيارة الدولة التي قام بها إلى الجزائر يومي 3 و4 ديسمبر/كانون الأول، في محاولة لإقناع القادة الجزائريين بقبول مهمة وساطة مع المغرب بقيادة الأردن.
وأكدت المجلة عن طريق مصادرها أن العاهل الأردني حاول إقناع الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" بقبول عرض إعادة إطلاق الحوار مع الجار المغربي من أجل إنهاء حرب دبلوماسية وسياسية.
ولفتت المصادر، إلى أنه بعد جامعة الدول العربية والسعودية وقطر، عرض الأردن خدماته كوسيط لمحاولة المصالحة بين الشقيقين العدوين في المغرب العربي، وهما الجزائر والمغرب.
ولكن على عكس مهام الوساطة السابقة، اقترح الملك "عبدالله الثاني" خارطة طريق تتكشف عبر عدة مراحل، حيث قالت المصادر إن الأردن يفضل الجانب الاقتصادي للحصول على استرخاء للعلاقات الجزائرية المغربية.
وحسب المصادر، فقد أصر العاهل الأردني على ضرورة إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز المغربي الأوروبي الذي دفنه الجزائر نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ولفتت المصادر إلى أن الأردن يهدف إلى إقناع الجزائر برفع الحظر عن صادرات الغاز الطبيعي إلى إسبانيا عبر المغرب، في حين أنه على المغرب استئناف مسيرة التعاون الاقتصادي مع الجزائر مع الاستفادة من بعض الامتيازات مثل الأسعار التفضيلية المرتبطة بمرور الغاز الطبيعي عبر التراب المغربي.
ووفقا للمقترح الأردني، فإنه في المقابل، يمكن للجزائر أن تستعيد زيادتها في سوق الغاز في شبه الجزيرة الأيبيرية وفي سوق جنوب أوروبا، حيث تعمل قطر والولايات المتحدة على استبدالها بصادراتها من الغاز الطبيعي المسال.
وكشفت المصادر أيضا، أن الملك "عبدالله الثاني" اقترح إجراء محادثات صريحة ومباشرة بين الجزائر والمغرب وإسبانيا بشأن الخلافات المتعلقة بنزاع الصحراء الغربية.
وقالت المصادر، إنه على الرغم من امتداح "تبون" حسن نية "عبدالله الثاني"، تبقى الحقيقة أن هذه الوساطة الأردنية لم تثر في الواقع حماسة الجزائر، التي وضعت مطالب صارمة للغاية لمناقشة أي استئناف للعلاقات الثنائية.
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية، استدعت سفيرها لدى المملكة المغربية في يوليو/حزيران 2021، ردا على تصريحات أدلى بها السفير المغربي لدى الأمم المتحدة حول منطقة القبائل.
وكان السفير المغربي لدى الأمم المتحدة "عمر هلال" قد دعا خلال اجتماع لحركة عدم الانحياز إلى "حق تقرير المصير للشعب القبائلي"، وأشار إلى أن الجزائر ينبغي ألا تنكر ذلك بينما تدعم حق تقرير المصير في الصحراء المغربية.
ولاحقا، أعلن وزير خارجية الجزائر "رمطان لعمامرة"، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، متهما الرباط بالقيام بـ"أعمال عدائية".
و منذ عقود، تشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا بسبب قضية الصحراء الغربية على وجه الخصوص، كما أن الحدود بين الجارتين مغلقة منذ عام 1994.
على ما يبدو أن العقوبات الجزائرية على المغرب قد فعلت فعلتها في المملكة وأذرعها الإعلامية، إلى درجة تحول زيارات المسؤولين الأجانب إلى الجزائر، في مناسبات فوق العادة لوساطة وهمية لا توجد إلا في مخيلة الساسة والإعلاميين المغربيين. والغريب في الأمر، هو أن هاجس الوساطة انتقل حتى إلى إعلام الكيان الصهيوني، الذي يبدو أنه ركب بدوره الموجة، لمواساة حلفائه المغربيين.