الوقت- مصادر أمنية سعودية تكشف عن تمرد سري لزعماء قبائل يهدد بفضح القمع الممارس من ولي العهد محمد بن سلمان. و يقود حركة التمرد رجال القبائل السعوديون، الرافضون لاعتقال العلماء والدعاة البارزين في المملكة. وأوضحت المصادر أن رجال القبائل يعملون على تحفيز أبناء معتقلي الرأي على الانتفاض و الظهور علنا وفضح القمع الحاصل في المملكة.
وحسب المصادر، فإن زعماء القبائل وجهوا أبناءهم من العاملين في السلك الأمني والمطارات لتسهيل خروج أبناء معتقلي الرأي من المملكة لفضح القمع الحاصل في الداخل.
ونبهت المصادر ذاتها إلى أن خروج ناصر بن عوض القرني من المملكة مؤخرًا جرى بترتيبٍ وتنسيق مع مجموعة من الضباط الرافضين لسياسات الحكومة تجاه المعتقلين والعلماء، حيث إن هؤلاء الضباط نسقوا فيما بينهم (كلٌّ حسب موقعه)، وسهلوا خروج الرجل. وبعد مغادرته المملكة، كشف ناصر القرني نجل الداعية الشهير عوض القرني تلقيه تهديدات من السلطات السعودية بالسجن والاستهداف الشخصي حال مطالبته بحرية والده المعتقل منذ أكثر من أربعة أعوام.
ونشرت وكالة Bloomberg تقريرا جاء فيه أن ناصر القرني يؤكد بأن حياته مهددة بالخطر، وأنه قد طلب اللجوء في بريطانيا بعد قراره مؤخرا من المملكة.
ونقلت الوكالة عن ناصر القرني قوله إن مسؤولي جهاز أمن الدولة السعودي حذروه من سجنه أو إعدامه إذا انتقد معاملة السلطات لوالده المعتقل عوض القرني.
وحسب دراسة دولية فإنه منذ عام 2005، تطالب القبائل بلعب دور في المجتمع والسياسة السعودية، وسمحت ثورة الاتصالات لأعضاء القبائل بالتعبير عن آرائهم واهتماماتهم عبر “تويتر” و”فيسبوك”، وأنشؤوا منتديات عبر الإنترنت لتبادل أفكارهم الاجتماعية والسياسية.
دعوات قبائلية للإطاحة بالنظام السعودي
و في هذا السياق و بعد حادثة اقتحام دار أيتام خميس مشيط و في سابقة هي الأولى من نوعها، دعت قبائل للإطاحة بالنظام السعودي ممثلا بالملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد محمد على خلفية جرائمهم في المملكة. وطالب أحد أبناء قبيلة شـمر السعودية الناشط نادر مطلق الشمري القبائل السعودية للنكف القبلي ضد النظام الذي وصفه بـ”نظام المحششين”. وأطلق وصف “آل سلول” على النظام، متسائلا “كيف لدولة تعتدي على الأيتام من النساء.. وكيف يقبل ابن سعود ذلك”، متهما النظام في السعودية بالعمالة والتطبيع، وادمان الحشيش والمخدرات.
واستغرب الشمري سكوت وصمت الشعب السعودي “المنبطح”، مطالبا القبائل بالتدخل في إنقاذ شرف النساء، وإعلان النكف القبلي ضد النظام.
تهميش آل سعود للقبائل
استعرضت دراسة دولية تفاقم أزمة ثقة بين النظام السعودي وكبرى القبائل في المملكة قد تقود إلى تمرد شامل يهدد بإنهاء حكم آل سعود. و حسب الدراسة الصادرة عن مركز Geopolitical Futures الأمريكي للدراسات، إن العديد من السعوديين من القبائل المعروفة، مثل “المالكي” و”الدواسر” و”الشمري” يشعرون بالتهميش، لأن الحكومة لا تعاملهم كمواطنين. وذكرت الدراسة أن هؤلاء يتهمون “آل سعود” بسرقة ثروات البلاد والسيطرة على 60% من أراضيها و30% من إيرادات النفط الهائلة.
كما أبرزت أن الانتفاضات العربية في العقد الماضي حفزت احترام الهوية القبلية في السعودية، لكن السلطات واجهتها بقوة، ومنعت ظهور منظمات مجتمع مدني عابرة للقبائل، ورفضت أي فكرة للإصلاح السياسي.
ولفتت الدراسة إلى أن الحكومة السعودية كانت تشعر بالقلق من بروز زعيم المعارضة “سعد الفقيه”، الذي قاد حركة الإصلاح الإسلامي في شبه الجزيرة العربية، وغيره من المفكرين البارزين، وخصوصاً “سلمان العودة”، خشية أن يتمكنوا من توحيد القبائل ضد النظام.
ونوهت الدراسة إلى أنه في نيسان/ أبريل 2022 صرح ابن سلمان لمجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية بأن عدد المواطنين يبلغ 14 مليوناً فقط. وذلك بينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد السكان حوالي 34 مليون شخص، ويعني ذلك؛ أن هناك عدداً كبيراً من القبائل تعاني التهميش الاقتصادي والاجتماعي.
من جهة اخرى قالت “هيومن رايتس ووتش” الدولية إن النيابة العامة السعودية هي أداة رئيسية للقمع في المملكة، وتُستخدم لترويع المعارضين السعوديين السلميين بطرق مختلفة.
وذكرت المنظمة أن من تلك الطرق المضايقات، والاستدعاءات التي لا نهاية لها للاستجواب، والاحتجاز التعسفي، والمحاكمات الجائرة بتُهم ملفقة. علما أن رئيس النيابة العامة يتبع الديوان الملكي مباشرة.
زج قبائل المملكة عنوة في حرب اليمن
تخوض المملكة العربية السعودية منذ أعوام حرباً فرضتها على الشعب اليمني وحملت اعباءها لأهالي المملكة. الحرب التي لم تحقق للمملكة إلا صيتاً سيء السمعة, لم تمنعها من فتح معارك أخرى, كان آخرها معركة ضمن الحدود وجهت ضد القبائل الحدودية, حرب تهجير لقبائل عمل معظم أبنائها كضباط وأفراد بالجيش السعودي, دون أن يحظى هؤلاء بالاعتراف بمواطنتهم.
عملت السلطات السعودية خلال هذه السنوات على إصدار قرارات بإخلاء لمناطق واسعة من القبائل و في حال عدم استجابة القبائل لقرارات الاخلاء التعسفية تقوم السلطات السعودية بفرض حصار عليهم و منع الماء و إدخال الطعام لهم و استفزاز شبابهم و اعتقالهم لمساومة أهاليهم على الرحيل و إخلاء المناطق و حسب ما جاء في رسالة لهذه القبائل “لا تكف السلطات السعودية عن إرهابنا و ابتزازنا, فكل اسبوع تقوم بإشعارهم بأن لهم مهلة اسبوع لترك ديارهم أو سيتم استخدام القوة الجبرية لطردهم من ديارهم وأرضهم”.
وتعاني قبائل جنوب المملكة من التهميش من قبل السلطات السعودية، حيث يسعى النظام السعودي إلى فرض الوهابية المتشددة دينياً على كل مواطني السعودي رغم اختلاف وتباين تلك القبائل في ديمغرافيتها ومذاهبها، ومنذ نشأة النظام السعودي يتلقى قبائل شمال المملكة وجنوبها لمعاملات سيئة من الأجهزة الأمنية والسلطة المذهبية الوَهَّـابية التي دفعت برجال الدين من الوهابيين المقربين من السلطة بالإفتاء بتكفيرهم ومحاربتهم علناً، فضلاً عن معاملتها لمواطني جنوب المملكة وشمالها الشرقي كمواطنين من الدرجة الثالثة وإهانتهم في أقسام الشرطة ونقاط المرور والمُؤسّسات الخدمية الحكومية.
ورفض القبائل الانصياع لدعوات التهجير وأبدوا استعدادهم للتصدي لمحاولات اغتصاب أراضيهم, “التي تعتقدون أنها قد تحول لمشاريع سياحية او تؤول لشركات, لمصلحة أمراء آل سعود بحجة الحرب.”
ومثّلت الاعتقالات المتكررة التي يشنّها جهاز أمن الدولة التابع بشكل مباشر لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضدّ شيوخ القبائل في المملكة، دلالة على سياسة جديدة للتعامل مع القبائل التي تشكّل غالبية سكان المملكة العربية السعودية، وكان لها الدور الأبرز في حملة توحيد البلاد مطلع القرن الماضي، ما قد يؤدي إلى اختلال سياسي جديد في البلاد التي تعاني من صعوبات سياسية وعسكرية واقتصادية. وضمن حملات الاعتقال التي شنّتها السلطات السعودية ضدّ “تيار الصحوة” أولاً في “حملة سبتمبر”، ومن ثمّ الأمراء ورجال الأعمال في “حملة ريتز كارلتون”، ولاحقاً الناشطين الحقوقيين والناشطات النسويات في “حملة رمضان”، اعتقلت السلطات السعودية أيضاً عدداً من شيوخ القبائل وأمرائها، وطاردت آخرين يعيشون في دول الخليج المجاورة.
عقوبة الاعدام لمن يرفض التهجير القسري
نددت أوساط حقوقية بإصدار السلطات السعودية أحكاما تصل إلى عقوبة الإعدام لمن يرفض التهجير القسري في المملكة في سابقة تعبر عن حدة القمع الحاصل في البلاد.
حيث كانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت يوم الأحد، 2 أكتوبر 2022، أحكامًا بالإعدام بحقّ شادلي الحويطي، وإبراهيم الحويطي، وعطالله الحويطي، من قبيلة الحويطات المتضررة من مشروع “نيوم”، الذي انتهجت السلطات السعودية في سير تنفيذه ممارسة التهجير القسري بحقّ العديد من العوائل، بما فيها أعضاء قبيلة الحويطات.
وقد أصدرت الجزائية المتخصصة، التي أسست في 2008 بزعم التصدي لقضايا الإرهاب، حكمها بالقتل على شادلي الحويطي بعد أنْ قتلت قوات الأمن السعودية أخاه عبدالرحيم الحويطي في أبريل 2020، في منزله في “الخريبة” في منطقة تبوك، الواقع ضمن الأراضي التي خصصتها السلطات لمشروع “نيوم”.
وذلك بعد أنْ نشر عبدالرحيم مقطع فيديو له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن فيه رفضه التهجير القسري الذي تمارسه السلطات بحقّ أهالي المنطقة في سبيل تنفيذ المشروع. وقد وصف رئيس الفعاليات في منظمة القسط لحقوق الإنسان، عبد الله الجريوي الأحكام الصادرة بحقّهم بأنها “صادمة”.
وقال إنها “تظهر مرة أخرى استخفاف السلطات السعودية الصارخ بحقوق الإنسان، فها هي تستعد لاتخاذ إجراءات قاسية لمعاقبة أفراد قبيلة الحويطي على احتجاجهم ضد المشروع وما تسبب به من إخلاء قسري من منازلهم”.
ونشرت القسط في يونيو 2020 دعوة عامة طالبت فيها الشركات الاستشارية في مشروع “نيوم” بالتنديد بالانتهاكات الحقوقية التي يشهدها المشروع.
كل ذلك، يدلّ على نهجٍ تعسّفي تتبناه السلطات السعودية في تنفيذ مشاريعها، دون احترامٍ لحقوق الناس في السكن الكريم ودون توفير سبلٍ للانتصاف لمن يقدمون الشكاوى، بل تواصل الآن هذا النهج وتوغل فيه بإصدار أحكام الإعدام بحّق من رفضوا هذه القرارات المجحفة أو تشكّوا من نتائجها.