الوقت - إن الوهابية مع نهجها الكلاسيكي (التقليدي)، المحافظ، ومعارضة الإصلاح والحداثة الاجتماعية والسياسية، معارضة الحقوق السياسية للشعب أمام الحكومة ورفض الانتقاد والاحتجاج ضد الحكومة، والذي جميعها یشکل عناصر توجّهات الجماعات التكفيرية، تعمل من أجل مواصلة وتدعيم قوة الحكومة السعودية.
مع ذلك فإن التیار السلفي التقليدي مع ميزات مثل كراهية کل ما هو غير وهابي، وصمت وتأیید التعامل مع الغرب والصهيونية، ورفض الاحتجاج والنضال ضد الغرب والکیان الإسرائيلي، یرفض أي توجه استراتيجي ضد الغرب والکیان الإسرائيلي.
ونتيجة لذلك، فإن الوهابية الحكومية التي تحمل الصبغة الدينية، وتحاول الحصول علی موقف ديني بارز لها بين المسلمين، تمثّل في الواقع تیاراً سياسياً ذا مزاعم دينية، والذي على الرغم من النزعة التقليدية ومعارضة الإصلاح والحداثة في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية في السعودية، له فيما یتصل بالقضايا الاستراتيجية نهجٌ وأساليب تتوافق مع السياسات والمصالح الاستراتيجية للحكومة السعودیة، والمصالحة أو تأیید المصالح الاستراتيجية للغرب والصهاينة.
فالجماعات التكفيرية والمتطرفين، وخاصةً السلفيين التقليديین أو الوهابية السياسية والحكومية، باعتبارها أحد رکني الحکومة السعودية، تبحث عن حمل اللواء والدعایة والحراسة التاريخية للتيارات السلفية في المنطقة من الناحیة النظریة؛ بینما أدی ذلك من الناحية العملية، إلی توسيع الحدود الثقافية - الدينية والسياسية للسلفية التکفیریة والوهابية في العالم الإسلامي.
هذا النوع من الدور یتم في ظل دعم الغرب والولايات المتحدة والکیان الإسرائيلي، ويمثل في الواقع دوراً مزدوجاً ومتناقضاً للجماعات التکفیریة وخصوصاً السعوديين في العمل والنظر. وللكشف عن طبيعة هذه الجماعات، نشیر فیما يلي إلی بعض المصادیق والسلوك السياسي لهذه الجماعات.
1. نظرة السلفیین التقلیدیین إلی التوجهات الاستراتيجية للغرب والولايات المتحدة: إن التیار السلفي التقليدي وبغض النظر عن وجهة نظره حول القضايا الثقافية والاجتماعية والنظام السياسي الداخلي، التي تُعتبر موقفاً رافضاً، له مقاربة مختلفة تماماً في مجال القضايا والسياسات الاستراتيجية الغربية. بمعنی أن الوهابيين إما صمتوا حیال السياسات الغربیة العدوانية والمعادية للإسلام أو حاولوا تبني نوع من التفاعل مع الغرب بشأن القضايا الاستراتيجية.
وهذا النوع من النهج يعني أن السلفيين التقليديين إلی جانب معارضتهم للقیم الثقافية والسياسية، التي یمکن أن تغیّر المجتمعات الداخلیة وهيكل السلطة، لا تبدي معارضةً للسياسات الإستراتيجية الغربية وخاصةً أمريكا، بما في ذلك تجاه العالم الإسلامي والشرق الأوسط.
على هذا الأساس فلا یمکن أن نری تصريحات أو أفعال من قبل الوهابية الحکومیة، تقوم علی مكافحة الغرب من أجل حماية مصالح الدول الإسلامية. وبشكل عام، يمكن تلخيص نهج السلفيین التقليديین حیال القضايا الإستراتيجية الغربية، في المجالات التالية:
ألف: عدم اتخاذ موقف تجاه الغرب والصمت التاريخي؛
ب: تأیید التفاعل الاقتصادي والسياسي مع الغرب؛
ج: رفض الاحتجاج الشعبي ضد الغرب؛
د: المرافقة النسبية مع سياسة مکافحة الإرهاب الغربي.
2. الصمت التاريخي والتفاعل مع الكيان الإسرائیلي: المسألة الهامة الأخرى بشأن الوهابية التقليدية، هي الصمت وبطريقة ما التأیید التاريخي للكيان الإسرائیلي. هذا في حین أن القضية الفلسطينية والسياسات الصهيونية هي من أهمّ وأكثر القضايا إثارةً للجدل في العالم الإسلامي، وقد خلقت أكبر التحديات والتكاليف للبلدان والشعوب المسلمة.
هذا الموضوع بالإضافة إلى تأیید المسار العام المبني على الصمت وتأیید الغرب من قبل الوهابية الحکومیة، له علاقة خطیرة أيضاً مع العلاقات والشراكة التاريخية والجديدة بین الحكومة السعودية والکیان الإسرائيلي، ولا يجب أن یبقى بعيداً عن الأذهان.
وتشير دراسة الأدلة إلی أن النهج المتسامح للسلفيين التقليديين تجاه الکیان الإسرائيلي مازال مستمراً، بل إن التفاعلات السرية المحدودة تُظهر جزءاً من نهج الوهابية الحكومية تجاه الکیان الإسرائيلي.
خاصةً أن الوهابيين وفي المواقع الحساسة للمواجهة بين اللاعبين الإقليميين والکیان الإسرائيلي، ليس فقط لا یؤدون دوراً إيجابياً في دعم التیارات والجهات المعادية لهذا الکیان، بل یمنعون بالفعل الدعم الإسلامي للجهات المعادية للکیان الإسرائيلي.
وبالإضافة إلى الصمت والتأیید والتفاعل مع الکیان الإسرائيلي، فإن الوهابية الحکومیة تُظهر موقفاً سلبياً ومعارضات خطيرة تجاه لاعبي محور المقاومة، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية وسوريا وحزب الله اللبناني، ولا تدّخر أي جهد للمساس بهذا المحور.