الوقت- أظهرت الأسابيع الأخيرة توترًا كبيرًا في العلاقات السعودية الأمريكية، تجلى ذلك في رفض الرياض دعوات واشنطن رفع إنتاج النفط في منظمة أوبك للسيطرة على الأسعار، فضلًا عن سعي القيادة السعودية إلى تنويع شركائها الدوليين ما أغضب أمريكا بشكل كبير.
هذا التوتر ليس جديدًا، فقد بدأ مع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ورفضه التواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسبق أن وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بمعاملة المملكة كدولة منبوذة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وجاءت آخر محطة في هذا التسلسل الزمني للعلاقات السعودية الامريكية المتوترة و تحت ذريعة عدم الرغبة في تحويل مؤتمر "دافوس في الصحراء" الاستثماري إلى منصة سياسية عدم توجيه دعوات إلى مسؤولين حكوميين أمريكيين، لحضور المؤتمر الذي من المزمع عقده في نهاية الشهر الجاري
جاء ذلك حسب ما أفاد به مدير الجهة المنظمة ريتشارد آتياس، الإثنين 17 أكتوبر/تشرين الأول فيما أشار أتياس أيضاً في وقت سابق في مؤتمر صحفي إلى أن "أكثر من 12 وزيراً للاقتصاد والمالية" سيحضرون نسخة العام الجاري. من الجدير بالذكر أن معهد " مبادرة مستقبل الاستثمار الذي يترأسه أتياس مرتبء بشكل وثيق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
من جانب آخر ترك أتياس الباب مفتوحاً أمام احتمال حضور رؤساء دول، قائلاً: "سنعرف في غضون أيام قليلة من هم رؤساء الدول المؤكد حضورهم بنسبة 100%"
من الجدير بالذكر أن السبب في غضب إدارة بايدن هو أن قرار السعودية يظهر فشلا ذريعا له شخصيا، فبعد أن قام بالالتفاف على تصريحاته السابقة ضد ولي العهد السعودي، ووعده بجعل المملكة «دولة منبوذة»، وسافر بشخصه إلى الرياض للقاء محمد بن سلمان، ينتهي الأمر بالنسبة لبايدن وإدارته، باستدارة دائرية للرياض لا تقوم فيها بخفض إنتاج النفط فحسب، بل بإقرار ذلك قبل انتخابات الكونغرس المقبلة، وفي أثناء العقوبات الأمريكية والغربية على النفط والغاز الروسيين، حيث يبدو الأمر انحيازا لفلاديمير بوتين، وحربه في أوكرانيا، ضد واشنطن وحلفائها.
فيما كانت السعودية قد رفضت في الأيام الأخيرة اتهامات أمريكية بأنها انحازت إلى روسيا في حرب أوكرانيا، من خلال تخفيض إنتاج النفط ورفع أسعاره، وأصرت على أن القرار اقتصادي بحت. السعودية اتهمت الولايات المتحدة بممارستها "طمس الحقائق" فيما يتعلق بموقف المملكة من الأزمة الأوكرانية، مذكرة بتصويتها الذي أيدت فيه القرارات المتخذة في الأمم المتحدة تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية.
وواصلت الرياض في رسالتها الموجهة بلغة تتقدمها الحدة، مشددة على أنها "لا تقبل الإملاءات وترفض أي تصرفات أو مساعٍ تهدف لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية".
تخفيض انتاج النفط... أخذ و رد
بعد خطوة من قبل تحالف "أوبك بلس" النفطي الذي تقوده السعودية لخفض إنتاج النفط، قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة قبل أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، قال الرئيس جو بايدن لوكالة أنباء CNN إن الوقت قد حان للولايات المتحدة لإعادة التفكير في علاقتها مع السعودية!!
من جانبها ردت السعودية، قائلة إن طلب الولايات المتحدة بتأجيل قرار خفض الإنتاج "لمدة شهر" سيكون له تأثير اقتصادي سلبي. فكرة مطالبة الإدارة الأمريكية للسعوديين بتأجيل الخفض إلى ما بعد الانتخابات أثارت غضب منتقدي بايدن. وفي الوقت الذي أكدت السعودية أن الدافع وراء هذه الخطوة كان المصالح الاقتصادية فقط، إلا أن البيت الأبيض مع عدد من كبار الديمقراطيين اعتبروا أن السعوديين يسعون لاصطفاف حاد مع روسيا.
وقال كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي: "يمكن لوزارة الخارجية السعودية أن تحاول الدوران أو الانحراف، لكن الحقائق بسيطة"، زاعماً أنهم "كانوا يعرفون" أن خفض إنتاج النفط "سيزيد في الإيرادات الروسية ويضعف فاعلية العقوبات" ضد روسيا وسط حربها مع أوكرانيا.
فيما رد البيت الأبيض ، بالقول إن الرياض تحاول "الالتفاف" على الحقائق. وأكد جون كيربي أن الولايات المتحدة "تعيد تقييم علاقتها مع السعودية في ضوء هذه الأفعال".
البيت الأبيض والحزب الديمقراطي في مهمة لمعاقبة المملكة. تم اقتراح مجموعة من الإجراءات، وجميعها تحركات جذرية، يقول المحللون إنها يمكن أن تؤثر بشكل خطير على شراكة الولايات المتحدة التي استمرت 8 عقود مع المملكة، إذا تم تنفيذها. من جانبها أشارت الرياض إلى أن هذه التهديدات هي مواقف ما قبل الانتخابات من جانب الديمقراطيين.
و من جانبه وعلى أمل أن تكون التهديدات الأمريكية مجرد كلام لا معنى له أشار عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية في مقابلة مع CNN، إنه "عندما تكون في موسم الانتخابات، ما يسميه البعض (الموسم الهزلي)، يُقال الكثير من الأشياء ويتم القيام بالكثير من الأشياء التي قد يكون لا معنى لها في وقت آخر"، مضيفا: "آمل أن يكون هذا ما نتعامل معه هنا.
و السياق ذاته، هاجم أمير سعودي، دعوة السيناتور الأمريكي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، بيرني ساندرز، واشنطن إلى التخلي عن حماية الرياض أمنيا.
وقال الأمير وليد بن بدر بن سعود، ردا على ساندرز: "هل سمعت بمصطلح البترودولار؟ هل تعلم من يمكن أن يغير ذلك؟ وأي اقتصاد سيتأثر؟".
وتابع: "إذا كنت لا تعلم سيدي السيناتور الأمريكي، فلا يجب عليك أن ترسل تهديدات لمن يساعدك على البقاء في القمة"، حسب قوله.
واحتفى الأمير السعودي بتصريحات للسيناتور الجمهوري تيد كروز، التي هاجم فيها ساندرز، وطالبه باحترام الدول الصديقة للولايات المتحدة.
ومن أهم القرارات التي تقوم إدارة بايدن بدراسة تطبيقها و التي من شأنها أن تعزز التهديدات الأمريكية :
تخلي امريكا عن حليفتها عسكرياً- تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية
من أهم ردود الفعل الأمريكية على تخفيض السعودية لانتاج النفط ما جاء على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور بوب مينينديز هذا الأسبوع إلى تجميد فوري للعلاقات الأمريكية السعودية، بما في ذلك وضع حد لمبيعات الأسلحة بما لا يتجاوز ما هو مطلوب للدفاع عن الأفراد الأمريكيين.
وبينما أظهر عدد من السياسيين دعمهم، أعرب آخرون عن قلقهم، قائلين إن ذلك لن يؤدي إلا إلى دفع المملكة العربية السعودية إلى أحضان روسيا.
الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للأسلحة في العالم، إذ بلغ متوسط مبيعاتها العسكرية الأجنبية حوالي 47 مليار دولار في السنة المالية 2021. السعودية عميل رئيسي، حيث تمثل 24 ٪ من جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية، وفقًا لتقرير عام 2021 الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
سحب القوات الأمريكية من السعودية والإمارات
حسب بيان للمشرعين الديمقراطيين: "اعتمدت الدولتان على الوجود العسكري الأمريكي في الخليج لحماية أمنهما وحقولهما النفطية"، وأضافوا إنه لا يوجد سبب يدعو القوات والمتعاقدين العسكريين الأمريكيين إلى مواصلة حماية "البلدان التي تعمل بنشاط ضدنا". حيث تستضيف الإمارات ما يقرب من 3500 جندي أمريكي، وبينما سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من المملكة العربية السعودية في عام 2003، فإنها لا تزال تقدم دعمًا كبيرًا بالأسلحة.
فيما قدم ثلاثة مشرعين ديمقراطيين بالكونغرس الأسبوع الماضي مشروع قانون "لإنهاء الحماية الأمريكية لشركاء الخليج" من خلال سحب القوات من السعودية والإمارات، وهي عضو آخر في أوبك بلس.
تمرير مشروع قانون NOPEC
والذى يسمح لوزارة العدل الأمريكية بمقاضاة أعضاء فى «أوبك +» بتهمة تحديد الأسعار بشكل غير قانوني. يرمي مشروع القانون إلى إخراج التحكم في أسعار النفط من قبضة دول قليلة من خلال تعريض دول أوبك لقوانين مكافحة الاحتكار. وفي حالة إقراره، سيرفع القانون الحصانة عن أعضاء أوبك وشركاتهم النفطية ويسمح بمقاضاتهم للتواطؤ في رفع الأسعار. و كانت لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي قد أقرت مشروع القانون في مايو/أيار الماضي. ولكن لكي يصبح قانونًا ساريًا، فإنه لا يزال بحاجة إلى الموافقة عليه من مجلسي الشيوخ والنواب بكامل هيئتهما والتوقيع عليه من قبل الرئيس بايدن.
بعد قرار خفض إنتاج النفط مباشرة تقريبًا، قال البيت الأبيض إن الرئيس بايدن "سيتشاور مع الكونغرس بشأن أدوات وسلطات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة"، وهو ما فُسر على نطاق واسع على أنه تهديد بدعم مشروع قانون NOPEC المقدم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
تبادل الرسائل المتشنجة بين الرياض وواشنطن لم تشكل صورة لتراجع العلاقة القوية المعروفة بين الولايات المتحدة والسعودية فحسب، بل هي أشبه بكرة قش مشتعلة تتدحرج من مرتفع ماضية في حقل الشراكة المتينة مهددة إياه بتحويله إلى رماد.
بعد هذا السرد للتوتر الكبير بين الحليفتين السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل معنى ذلك أن زيارة بايدن فى منتصف يوليو الماضى، فشلت، وهل انتهى فعلا التفاهم الاستراتيجى بين البلدين؟.
ختام القول، تُبيِّنُ الوقائع الراهنة أن الرياض ارتكبت أخطاء كارثية حين غطّت وساهمت في غزو العراق واحتلاله وتدميره، وتحويله إلى دولة فاشلة، وأعادت السعودية اتخاذ نفس القرارات التدميرية في كل من ليبيا وسوريا واليمن، لنتصور للحظة أن العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، كانت لا تزال دولا آمنة ومستقرة، وترفع نفس الشعارات المتمثلة في مناهضة السياسة الأمريكية بمنطقتنا والتحريض على مقاومة الكيان الصهيوني، هل كانت أمريكا ستجرؤ على توتير علاقاتها بالسعودية، إلى هذا المستوى؟ ألم تكن واشنطن تجد نفسها مضطرة لمحاباة الرياض ومجاملتها، ولو من باب الحاجة إليها، في المواجهة الحاصلة مع الدول العربية التي كانت تصفها أمريكا بالمتطرفة والمارقة؟
بالمساهمة في تدمير الدول العربية التي كانت في علاقات متوترة مع أمريكا، خلقت الرياض الفراغ من حولها، ولم تعد الحاجة إليها كما كانت سابقا من طرف الغرب، وتقترف السعودية ذات الخطأ الكارثي في تحريضها حاليا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليصبح الفراغ من حولها أكبر فهي تطمح لتدمير الدول الإسلامية.