الوقت- يبدو أن محاولة السلطات الأردنية قمع شارعها وإسكاته قد اسمعت المؤسسات الحقوقية الدولية. منظمة هيومن رايتس ووتش، أكدت أن عمّان كثّفت في السنوات الأربع الماضية ممارسات اضطهاد ومضايقة للمعارضين السياسيين والمواطنين العاديين عبر سلسلة من القوانين لإسكات الأصوات المنتقدة لها. وأضافت إن السلطات استخدمت قوانين فضفاضة لإحتجاز واستجواب ومضايقة الصحفيين والنشطاء السياسيين وأعضاء الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية المستقلة وأفراد أسرهم، وفرضت قيودًا على الحقوق الأساسية لقمع المعارضة السياسية. وشددت المنظمة على أن هناك حاجة ملحة لمعالجة التدهور في الحقوق الذي تشهده الأردن اليوم. لافتة إلى أن الحفاظ على الاستقرار لا يمكن أن يكون أبدًا مبررا لانتهاك حقوق المواطنين وإغلاق المجال الذي يحتاجه كل مجتمع.
هذا التقرير جاء بعد أن اتهم نشطاء حقوقيون أردنيون الحكومة باستخدام إجراءات مشددة بموجب قانون الطوارئ الذي تم فرضه لمكافحة فيروس كورونا، كذريعة لتقييد الحقوق المدنية والسياسية. لكن الحكومة دافعت عن نفسها وقالت إن قانون الأحزاب السياسية الذي صدر هذا العام رفع القيود المفروضة على النشاط السلمي للمعارضة، وإنه يمثل خطوة نحو مزيد من الديمقراطية.
الحركة المعارضة في الأردن هي قديمة جدًا وربما تكون منذ بداية نشأت البلاد بشكلها الحالي، ومع بداية ما سمي الربيع العربي عام 2011 تم تأسيس ما عرف وقتها بلجنة التنسيق العليا للمعارضة الأردنية، وتضم حزب الوحدة الشعبية، وجبهة العمل الإسلامي أي فرع جماعة الأخوان المسلمين في الأردن، والحزب والشيوعي الأردني، وحزب الشعب الديمقراطي، وحزبًا البعث الاشتراكي والبعث التقدمي، والحركة القومية للديمقراطية المباشرة. وكان اللافت في هذه اللجنة أنها ذات توجه يساري قومي إسلامي، ما يجعل المراقب العام للوضع السياسي في البلاد يعي تمامًا أن الحكومة تضطهد الجميع، وأن الحكومة قد عادت جميع اطياف العمل السياسي في البلاد وتجاهلت أفكارهم ومطالبهم وأنها من خارج هذه المشارب السياسية.
حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر أحزاب المعارضة في الأردن، أكد أن المعايير الخاصة باختيار رؤساء الحكومات في البلاد، لا تزال غائبة وغير واضحة، الأمر الذي ينعكس على الأداء الحكومي المتسم بالتخبط والارتباك. وأضاف إن الشعب الأردني، لم يعد يعلم سبب خروج وزير أو دخول آخر للحكومة وأن هناك تخبطاً في التعامل مع مختلف الملفات الداخلية إضافة إلى الملف الاقتصادي ومعالجة ما تمر به الحياة السياسية من تعطل في ظل غياب إرادة حقيقية للإصلاح السياسي الذي يمثل حجر الأساس لمعالجة ما يمر به الوطن من حالة احتقان شعبي وأزمات داخلية متفاقمة.
هذا البيان وما تبعه من أحداث وعلى رأسها ملف الأمير حمزة أخ الملك الأردني عبد اللّٰه، أكد أن البلاد تعيش على فوهة بركان وأن الوضع فيها نار تحت الرماد، وان التوترات انتقلت من الشارع والأحزاب السياسية المعارضة، إلى داخل القصر الملكي وإلى أخ الملك شخصيًا، الذي خرج في مقطع فيديو ليقول إنه تحت الإقامة الجبرية وإن الوضع في البلاد يذهب نحو السوء وإن هذا الأمر تتحمله الحكومة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه من فساد وإهمال حكومي متعمد ونهب للمال العام ومحسوبيات واضطهاد للتيارات السياسية وقمع أي صوت معارض.
الأردن مثلها مثل معظم الدول العربية التي يحكمها العسكر وتتحكم اجهزة الأمن بمعظم مفاصل البلاد فترفع هذا وتسكت ذاك، وتستغل القوانين الفضفاضة وغير الواضحة لتمرير قمعها، مثلما حدث أثناء جائحة كورونا فبعد أن تم فرض قانون منع التجمعات وسجن من يقوم بها حتى لا يكون هناك مخالطة أثناء انتشار الوباء بصورة كبيرة في العالم، قامت السلطات الأردنية باستغلال هذا الأمر بمنع التجمعات السياسية وأي تجمع يحصل تعتقل من قام به بحجة منع انتشار كورونا لكن في الحقيقة السبب أمر آخر.
يبدو أن السلطات الأردنية لا تزال لم تتعلم من الدرس الذي حدث في عام 2011 في الربيع العربي، ولا تزال تحاول فرض حلول الثمانينيات والتسعينيات على المجتمع الآن، وهذه الطريقة من الصعب بل من المستحيل أن تنفع في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع هامش الحرية، ولو استمرت الحكومة والدولة في تجاهل الصوت المعارض قد تشهد البلاد تظاهرات كالتي حصلت بين أعوام 2011 و2012 و2019، وربما تتصاعد الحدة أكثر وأكثر، وخصوصًا أن معظم الأحزاب المعارضة لديها توسع كبير داخل المجتمع الأردني، والحكومة الآن تبدو وكأنها تعادي الجميع.