الوقت - توقعت صحيفة ‘‘لوموند’’ الفرنسية استمرار الأزمة الدبلوماسية الحالية بين تونس والمغرب، والبرودة في العلاقات بين البلدينَ.
وكشفت الصحيفة الفرنسية، أن المؤرخة صوفي بسيس، أكدت أن رفض المغرب المشاركة في التيكاد، في إشارة إلى القمة الثامنة للمنتدى الاقتصادي الياباني الإفريقي المنعقدة نهاية الشهر الفائت بتونس، “كان أكثر وضوحا لأن البلاد لديها دبلوماسية إفريقية نشطة للغاية، على عكس تونس’’.
وأضافت بسيس، “إن الترحيب بإبراهيم غالي بالطريقة التي توحي بأنه ‘‘رئيس دولة’’ هو ما أثار حفيظة الرباط. في الواقع، ذهب الرئيس التونسي شخصيا إلى المطار للترحيب ب “إبراهيم غالي”.
وحسب بسيس، فلو “كان قيس سعيد قد اكتفى، بإرسال ممثل عن وزارة الخارجية للترحيب بزعيم جبهة البوليساريو، لكان رد الفعل المغربي أقل حدة، لكن هذا الترحيب هو أكثر إثارة للدهشة، لأن تونس لم تعترف أبدا بالجمهورية الصحراوية الوهمية”.
وتابعت صوفي، ‘‘منذ استقلال تونس وخاصة منذ عام 1962، تاريخ استقلال الجزائر، واجهت تونس على الدوام محاولة من الجزائر لإدخالها إلى منطقة نفوذها’’.
في السياق نفسه، نقلت ‘‘لوموند’’ عن الباحث يوسف الشريف، مدير مركز جامعة كولومبيا في تونس، قوله إن المصالح الاستراتيجية لتونس أقرب إلى الجانب الجزائري منها إلى الجانب المغربي. “يلاحظ أن إشارات التقارب بين تونس والجزائر العاصمة تضاعفت مؤخرأ، حيث كانت نظرة الجزائر قاتمة للغاية لتقارب قيس سعيد مع مصر، منافستها الإقليمية القديمة. هل هذا يفسر تحسن العلاقات بين الجارتين؟ عموما وافقت الجزائر في 15 يوليو / تموز، على إعادة فتح حدودها المشتركة. حيث إن إغلاقها منذ وباء كوفيد شكل نقصا كبيرا في تونس، التي استقبلت بعد ذلك ما يقرب من 3 ملايين سائح جزائري في عام 2019. كما ساعدت الجزائر جارتها أثناء الوباء من خلال تزويدها بالأكسجين ودعمتها مؤخرا في مكافحتها للحرائق.
وتساءلت ‘‘لوموند’’ إن كانت الجزائر أيضا لعبت دور الوسيط بين السلطات التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد النقابي القوي، الذي دعا إلى إضراب عام في 16 يونيو الماضي، وهذا ما ذهب إليه الكثير من المراقبين بعد المصافحة التي لوحظت بين الرئيس قيس سعيد والأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بمناسبة الاحتفال بمرور 60 عاما على استقلال الجزائر.
وتوقعت ‘‘لوموند’’ أن تستمر البرودة في العلاقات بين تونس والمغرب، قائلة إنه وحتى إن لم تؤثر الحادثة على السير الحسن لفعاليات ‘‘تيكاد’’، فإن غياب المغرب أثار اهتمام المجموعة. فقد أعرب رئيس الدولة السنغالي، ماكي سال، وهو أيضا الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، عن أسفه لانسحاب المغرب وقال إنه يأمل في إيجاد حل بين الجزائر والرباط لمسألة الصحراء الغربية.
ويرى محللون ان طريقة تعامل المملكة المغربية مع جيرانها كانت سلبية ومبنية على سوء نية مبيتة ضد القيم ولا تتماشى والأعراف المعمول بها، إذ تعمّدت الخارجية المغربية خلق أزمة دبلوماسية مع تونس.
والسؤال، هل قاطع المغرب القمم السابقة التي شاركت فيها الصحراء الغربية، والجواب ببساطة لا، بل شارك المغرب، وكان حاضراً ولم يحتجّ ولم يستدعِ سفيره لدى الدول التي سبق أن نظّمت قمماً كهذه، فقد سبق أن شاركت الصحراء الغربية في الدورة السادسة لـ"التيكاد" المنعقدة في نيروبي بكينيا عام 2016، وفي الدورة السابعة المنعقدة بيوكوهاما باليابان عام 2019، وشاركت كذلك في اجتماعات إقليمية أخرى على غرار القمة الأفريقية-الأوروبية المنعقدة في فيفري عام 2022 ببروكسيل والمغرب شارك في جميع هذه القمم، فما الذي اختلف؟ وما الذي استجد؟
الظاهر أن الأمر الوحيد المستجد في السياسة المغربية هو السقوط في مستنقع الرهانات الفاشلة بالتطبيع ليحجز لنفسه بذلك موقعاً معادياً لكل دول شمالي أفريقيا، وليبعث بأفكار مسمومة موجّهة داخلياً إلى الشعب المغربي للتغطية على سياسة بلاده المتعثّرة داخلياً وخارجياً، ولإظهار عداوات وهمية، غرضها الإلهاء المقصود لتوجيه أنظار الشعب المغربي عن عدوه الحقيقي، وما جرى إبرامه من اتفاقيات خطرة مع الكيان المحتل، عنوانها العدائية الممنهجة والموجهة بنية مبيتة ضد الجيران، فبعد الجزائر وموريتانيا جاء دور التكالب المغربي على تونس.
كل ما تبع ذلك من سقطات مغربية بيّنته الأحداث والتطورات الإقليمية في المنطقة، حيث أوقعت السياسة العدائية المغربية هذا البلد في مآزق دبلوماسية، وصلت حد قطع الجزائر علاقاتها بجارتها المغرب بسبب سوء نيتها وأفعالها الشائنة المسجلة والمؤكدة على مدار السنين والعقود. فهل تتجه العلاقات التونسية والموريتانية مع المغرب إلى الخيار الحتمي نفسه، لأن السلوك المغربي العدائي لا يمكن إصلاحه بخطابات أو وساطات لحظية وظرفية، مع تزايد التراكمات السلبية، ما سيفرض وضعية عصية تتحمّل تبعاتها الإدارة المغربية.
وخلاف ذلك ما من خيار للمغرب سوى احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وترك القضية الصحراوية تأخذ مسارها القانوني والطبيعي حسب القرارات الأممية، والابتعاد عن العلاقات المشتبه فيها، وإعلان توبة نصوح بترك التخابر والتآمر على الجيران، وخصوصاً تعاونه المخزي مع الكيان المحتل ضد استقرار المنطقة وحق الشعب الفلسطيني.