الوقت- دخلت قضية المفاوضات البحرية بين لبنان والنظام الصهيوني في الأيام الأخيرة مرحلة جديدة. حيث أعلنت مصادر لبنانية، عقب زيارة الوسيط الأمريكي عاموس هوكستين إلى بيروت، مقترحات جديدة للبنان. وفي الوقت نفسه، أُعلن أن الوسيط الأمريكي اقترح على الجانب اللبناني أن يكون حقل قانا للغاز تحت السيطرة اللبنانية بالكامل، فيما طالب النظام الصهيوني بمنطقة شمال الخط 23 (الخط الحدودي المتنازع عليه بين لبنان والنظام الصهيوني). وحسب الخطة التي اقترحها الوسيط الأمريكي، سيتم رسم خط حدودي جديد من داخل الخط الحدودي البحري 23 وسيسلم جزء منه إلى لبنان والجزء الآخر للنظام الصهيوني.
ورافق هذا الاقتراح، كما بدا منذ البداية، موافقة الحكومة اللبنانية، وبعد ذلك عقد رئيس الجمهورية ميشال عون اجتماعا مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وقالت مصادر لبنانية أيضا إنه بهذا الاقتراح يبدو أنه في الأسابيع المقبلة ستخرج مسألة ترسيم الحدود البحرية للبنان والنظام الصهيوني من الوضع الراهن وسيظهر أفق حلها النهائي.
طبعا الموضوع الذي أهمل في لقاء الوسيط الامريكي والسلطات اللبنانية كان موضوع خط الحدود 29 الذي فضل الجانب الامريكي السكوت عنه. هذا على الرغم من أن زيارة الوسيط الأمريكي إلى لبنان تمت بينما حذرت حركة المقاومة الإسلامية حزب الله اللبنانية الصهاينة قبل يوم من هذه الزيارة بنشر صور للإحداثيات الدقيقة لسفن ومنصات الغاز التابعة للنظام الصهيوني. في البحر الأبيض المتوسط، وقالت إن "هذه المعدات في مرمى النيران واللعب مع الوقت لا يفيدهم".
وقبل نشر هذه الصور، حذر السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، الصهاينة من عرقلة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والنظام الصهيوني، وقال إنه إذا لم يستطع لبنان استخدام موارد الغاز والنفط في البحر الأبيض المتوسط، لن يكون للنظام الصهيوني الحق في استخراج النفط والغاز من أي حقل غاز في البحر.
وفي هذا الوضع ومع انتهاء زيارة المسؤول الأمريكي لبيروت توجه إلى الأراضي المحتلة لبحث هذا الأمر مع السلطات الصهيونية. وفي هذا الصدد، أعلنت مصادر لبنانية فشل رحلة عاموس هوشستين إلى الأراضي المحتلة، وقالت إن النظام الصهيوني عارض خطة لبنان المقترحة لترسيم الحدود البحرية. وفي هذا الصدد، أكد إلياس بوساب، نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، أن المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية مع النظام الصهيوني لن تستمر إلى الأبد، وأن المهمة يجب تحديدها قبل أيلول المقبل.
كما كتبت جريدة الأخبار في تقرير عن ذلك: "في الوضع الراهن في بيروت، هناك رأيان مختلفان حول رد النظام الصهيوني على مقترحات لبنان. ويعتقد المراقبون السياسيون أن رد تل أبيب يمكن أن يحدد بشكل كامل الظروف المستقبلية، بحيث تنتهي المفاوضات إما باتفاق، أو إذا لم يكن هناك اتفاق، ستبدأ حرب بحرية (بين حزب الله والنظام الصهيوني). لذلك، إذا لم يتلق الجانب اللبناني استجابة مناسبة لمطالبه في التفاوض على الحدود البحرية، فقد يتجه الوضع في المستقبل إلى حرب شاملة".
النظام الصهيوني يحاول تأجيل قبول الهزيمة ومنع الانسحاب التعسفي من المفاوضات
مر أسبوع تقريبا على إعلان معارضة الكيان الصهيوني لمقترحات لبنان. وسبق أن أعلن أن الموعد النهائي الذي حدده الجانبان للمفاوضات البحرية هو أوائل سبتمبر 2022. وكان النظام الصهيوني قد أعلن في وقت سابق أنه يخطط لبدء استخراج الغاز من حقله منتصف سبتمبر المقبل. ومن جهة أخرى، وضع السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، معادلة جديدة بعد عملية الطائرات دون طيار فوق حقل غاز كاريش، وأكد أنه إذا لم يستفد لبنان من حقول الغاز، فلن يكون من حق النظام الصهيوني أيضًا استخراج الغاز من أي نقطة في البحر الأبيض المتوسط. وفي هذه الحالة يتبقى أمام النظام الصهيوني خياران، بناءً على ما ذكر أعلاه، أولاً، الموافقة على مقترحات لبنان بخصوص مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، أو الدخول في حرب مع حزب الله.
لذلك، يبدو أن صانعي القرار الصهاينة قد توصلوا إلى نتيجة مفادها بأنه بالنظر إلى الظروف الصعبة الحالية داخل الأراضي المحتلة، فإنهم غير قادرين على الدخول في حرب جديدة ضد حزب الله في لبنان، وخاصة أنهم لم يتمكنوا مؤخرًا من مواجهة الهجمات الصاروخية للحركة، حيث كانت حركة الجهاد الإسلامي صامدة وأجبرت النظام الصهيوني على طلب وقف إطلاق النار من الوسيط المصري. وإذا وضعنا العجز الأمني والعسكري للنظام الصهيوني بجانب مشاكله السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الأخرى، فلن يتمكن الصهاينة من التوصل إلا إلى نتيجة واحدة، وهي أن قادة النظام الصهيوني قرروا تأخير مقترحات لبنان في مجال المفاوضات والقبول بترسيم الحدود البحرية تجنباً لخروجهم المشين من المفاوضات مع تأجيل قبول الهزيمة. لذلك فالأيام القادمة حتى منتصف سبتمبر ستكون أيامًا مهمة يسجل فيها فشل آخر من خلال إخفاقات متتالية للنظام الصهيوني ضد محور المقاومة.
ويعود تاريخ النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان إلى أكثر من 10 أعوام، شهدت كثيرا من التوترات وتبادل التهديدات وكذلك الوساطات، وخاصة الأميركية منها. وفي موازاة ما يراه لبنان تباطؤا متعمدا من تل أبيب في الرد على المقترح اللبناني لتسوية النزاع، هدد حزب الله بأنه لن يسمح لها باستخراج الغاز في سبتمبر/أيلول المقبل من حقل "كاريش" وما بعد هذا الحقل. في المقابل، تصر إسرائيل على أن هذا الحقل يقع ضمن مياهها الاقتصادية الخالصة، وأنها ستعتبر أي تحرك ضده اعتداءً على أمنها القومي يستوجب الرد. والشهر الماضي، أعلنت الرئاسة اللبنانية أن عون قدّم للوسيط الأمريكي ردا على مقترح واشنطن الذي قدمّته قبل أشهر بشأن ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل".