الوقت - بعد مرور عام على وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، استمرت حالة انعدام الأمن والأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي في هذا البلد، وتحاول دول الجوار إيجاد حل للخروج من هذا الوضع من خلال التعاون الإقليمي. في غضون ذلك، تواصل طهران، التي بذلت الكثير من الجهود في اتجاه الدبلوماسية الإقليمية للمساعدة في حل مشاكل أفغانستان، التشاور مع سلطات الدول الأخرى. وفي هذا الصدد، نشر حسن كاظمي قمي، الممثل الخاص للرئيس الإيراني لشؤون أفغانستان، الذي سافر إلى إسلام أباد يوم الجمعة للتشاور مع المسؤولين الباكستانيين، تقريرًا عن لقاءاته. وحسب قمي، فقد تركزت المحادثات بين الجانبين في هذه اللقاءات على محاربة الإرهاب، وتشكيل حكومة شاملة، وعلى الأمن والتنمية في أفغانستان، وخلق بيئة مستقرة وبناءة في المنطقة تتمحور حول أفغانستان، وفتح مجال للتعاون الثنائي في أفغانستان. كما أعلن كلا الجانبين عن مشاركة جميع المجموعات العرقية الأفغانية في هيكل الحكومة كإحدى الطرق الرئيسية للخروج من الوضع الحالي، وكذلك مناقشة وتبادل الآراء حول قمة طشقند والأمن والتنمية المستدامة للجيران والمنطقة، كسياسة لإيران، كان أيضًا جزء من المشاورات بين ممثلي طهران وإسلام أباد.
تشعر إيران وباكستان، اللتان تشتركان في حدود واسعة مع أفغانستان، بالقلق من انتشار انعدام الأمن من هذا البلد إلى حدودهما وتحاولان إيجاد حل لتحقيق الاستقرار في أفغانستان من خلال التعاون الإقليمي الثنائي والمتعدد الأطراف. استضافت طهران وإسلام أباد اجتماعات حول الأزمة الأفغانية في العام الماضي، وهذه المرة تحاولان تنسيق مواقفهما قبل اجتماع أوزبكستان.
تشهد باكستان نزاعات حدودية مع أفغانستان منذ سنوات، ومنذ وصول طالبان إلى السلطة، ازدادت هذه الخلافات بشكل أكبر، وتحاول سلطات إسلام أباد حل هذه الخلافات ومنع تصعيد التوترات الحدودية بين البلدين. إيران التي تستضيف ملايين المهاجرين الأفغان، منذ وصول طالبان إلى السلطة، ازدادت موجة الهجرة نحو حدود إيران، وتحاول سلطات طهران إرساء الاستقرار والأمن في أفغانستان بمساعدة دول المنطقة ومنع هجرة الأفغان للخارج. لأن زيادة المهاجرين داخل حدود إيران ستضع الكثير من التكاليف على عاتق طهران ويمكن أن يكون لها عواقب سلبية في المستقبل. هذا بينما اعتادت إيران على نقل آلاف المهاجرين الأفغان غير الشرعيين إلى أفغانستان كل عام، بناءً على الاتفاقات المبرمة مع حكومة كابول، قبل وصول طالبان إلى السلطة.
تشكل قضية تنامي الأنشطة الإرهابية مصدر قلق رئيسي آخر لإيران وباكستان، وتعتبر أفغانستان حاليًا الخيار الأفضل لنمو وتطور الجماعات الإرهابية مثل داعش بسبب أزماتها الداخلية وانعدام الأمن. ووفقًا لبعض الخبراء أيضًا، فإن تأكيد إيران المتكرر على مشاركة جميع المجموعات العرقية في الهيكل السياسي لأفغانستان يظهر أن طهران مهتمة أكثر بمنع الصراعات العرقية والطائفية، وهو ما يعد أحد العوائق الرئيسية أمام تنفيذ الخطة الأمريكية بزعزعة استقرار أفغانستان بعد الانسحاب العسكري من البلاد. ولذلك تحاول جعل هذه القضية محور تشاور وتبادل الآراء مع الحكومة الباكستانية، وخاصة وكالة المخابرات الباكستانية التي لعبت دورًا مهمًا منذ فترة طويلة في دعم طالبان والبشتون والتواصل معهم.
اجتماع أوزبكستان
استمرارًا للتحركات الإقليمية لإنهاء حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في أفغانستان، تجتمع هذه المرة 20 دولة في أوزبكستان يومي الاثنين والثلاثاء لمناقشة الحلول للتغلب على هذه الأزمة. نظرًا لحقيقة أن الوضع السياسي والاقتصادي في أفغانستان يقترب من الكارثة يومًا بعد يوم وأن ملايين الأفغان يعانون من مشاكل معيشية، تحاول الدول المجاورة مساعدة هذا البلد من خلال التعاون الإقليمي. منذ أن شكلت طالبان حكومة بأكثرية بشتونية وسط اعتراضات الأقليات العرقية والدينية الأخرى داخل أفغانستان والمجتمع الدولي، تحاول الدول المجاورة مساعدة طالبان على تشكيل حكومة شاملة تضم جميع المجموعات العرقية. لأن تشكيل حكومة شاملة سيقضي على أعذار الولايات المتحدة والغرب لقطع المساعدات الاقتصادية وعرقلة حياة الشعب الأفغاني. إن أمريكا وأوروبا، اللتين منعتا أكثر من 7 مليارات دولار من أصول أفغانستان، جعلت تحويل هذه الموارد من العملات مشروطا بتشكيل حكومة شاملة، وبضخ هذه الأصول، سيتم حل جزء كبير من مشاكل أفغانستان الاقتصادية.
من ناحية أخرى، ربما تحاول دول المنطقة زيادة حجم مساعداتها لأفغانستان في اجتماع أوزبكستان بهدف دمج هذا البلد في إطار التعاون الإقليمي. بالنظر إلى أن أفغانستان عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، فكلما زاد الأمن والاستقرار في هذا البلد، زادت فائدة الدول الأعضاء الأخرى. حاليًا، الدول الغربية التي هي نفسها سبب الوضع الحالي في أفغانستان، ومسببة الأزمة في هذا البلد منذ عشرين عامًا، يركزون كل اهتمامهم على الأزمة في أوكرانيا ومواجهة روسيا بدلاً من إيجاد حل لتحقيق الاستقرار في هذا البلد. لذلك، فإن دول المنطقة، وخاصة إيران التي ستعاني أكثر من غيرها من الأزمة السياسية والاقتصادية في أفغانستان، تحاول الحد من عدم الاستقرار الحالي إلى حد ما بالتعاون مع شركائها. لأن استمرار الوضع الحالي في أفغانستان سيؤدي إلى موجة جديدة من الهجرة من هذا البلد إلى جيرانه.
من ناحية أخرى، فإن مناقشة الإرهاب وانتشاره إلى دول المنطقة في الوضع الحالي يمكن أن يجعل الوضع أسوأ من ذي قبل، لأن أفغانستان أكثر عرضة لاستيلاء الإرهابيين على السلطة أكثر من أي وقت مضى، وإذا تم إحياء مجموعات مثل داعش، يمكن أن تواجه المنطقة تحديات خطيرة وبما أن أمريكا تحاول زعزعة استقرار حدود روسيا وإيران والصين في ظل الوضع الراهن، فإن هذا هو سبب فتح مجالات جديدة للجماعات الإرهابية وتعزيزها، وخاصة في أفغانستان. لذلك، تحاول دول المنطقة، وتحديداً روسيا وإيران والصين، عدم السماح للولايات المتحدة باستخدام الأزمة الأفغانية لضرب منافسيها. نقطة أخرى مهمة هي أن الدول المجاورة ستحاول إقناع طالبان بتقليل تشددها تجاه المجموعات العرقية الأخرى، لأن هذه الضغوط قد تؤدي إلى صراعات عرقية، وإلى جانب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، تخلق تحديات جديدة للأفغان، قد تشعل شرارة حرب أهلية، و يمكن أن تؤدي زيارة ممثل إيران إلى باكستان والاجتماع اللاحق في أوزبكستان إلى تغييرات كثيرة في دور دول الجوار في قضية أفغانستان ويمكن أن تحسن دور إيران ومكانتها في حل القضايا الإقليمية.