الوقت – ((لم يوقع رئيس العراق قانون تجريم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني الذي أقره مجلس النواب منذ وقت ليس ببعيد وهو شخصية غير وطنية ومؤيد لتطبيع العلاقات مع الصهاينة)). جاء ذلك في إطار مواقف حركة مقتدى وهجماتها تجاه الرئيس العراقي برهم صالح مؤخرًا، والتي أحدثت ضجة كبيرة في هذا البلد. من جهة أخرى أعلن مكتب رئيس الجمهورية أن قانون تجريم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قد أقره رئيس الجمهورية ونشر في الجريدة الرسمية، وهذا يعني أن القانون ساري المفعول، وهجمات حركة مقتدى تشبه خصومة سياسية صبيانية.
كانت العلاقات بين مقتدى وبرهم صالح باردة ومريرة بينما كان الطرفان حليفين في السنوات الماضية، وحتى مقتدى أعلن في وقت ما أن برهم صالح هو حامي سيادة العراق وحتى وقت قريب كانت تربطهما علاقة وثيقة بشأن تشكيل الحكومة. ويظهر تحليل التطورات أن حركة مقتدى بالاستقالة من مجلس النواب العراقي نتجت عنها صدمة لاعتقادهم أن حلفاءها (الحلبوسي، والخنجر، والمجموعات الكردية، إلخ) سيقررون الانسحاب وستستمر الأمور حتى إعادة الانتخابات؛ لكن لم يحدث هذا، وبسبب هذا غضب مقتدى واتخذ موقفا عدوانيا، وفي الخطوة الأولى ركض إلى تشويه فصيل من الأحزاب الكردية. ومن القضايا الأخرى التي زادت حدة غضب مقتدى في الآونة الأخيرة، الاجتماع المشترك لإطار التنسيق الشيعي مع بعض الأحزاب السياسية (الجماعات الكردية والسنية)، الأمر الذي جعل العراق أقرب إلى تشكيل الحكومة.
وفي هذا الموقف قرر تيار مقتدى عدم خسارة المعركة وتستخدم الآن كل وسيلة لذلك، بما في ذلك ادعاء عدم التوقيع على قانون تجريم تطبيع العلاقات مع الصهاينة، لإسقاط الطرف المقابل. طبعا في موضوع قانون التجريم هناك العديد من التناقضات والتساؤلات التي بقيت بلا إجابة، مثل عدم تصويت حلفائه (مسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر) لقانون تجريم التطبيع. في الآونة الأخيرة، هاجمت حركة مقتدي برهم صالح، بينما في وقت سابق قدم التحالف الثلاثي (المكون الصدري - الحلبوسي - بارزاني) علنا "ريبر أحمد"، المرتزق الكردي الموالي للصهيونية، كمرشح لرئاسة العراق، وهذا تناقض سخيف آخر. كما لم يرحب مصطفى الكاظمي (صديق مقرب لمقتدى) بالموافقة على قانون التجريم في البرلمان، ومن ناحية أخرى، رغبته في المشاركة في قمة الرياض التي أعلن بايدن أنها مخصصة لأمن وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، هذه أيضاً قوبلت بصمت مقتدى من جديد.
كل هذا الصمت والتناقضات (الهجوم على برهم صالح) يقود الجمهور إلى استنتاج أنه ليس مهماً لمقتدى أن يرتبط حلفاؤه بعلاقات مع الصهاينة، وهذه المجموعة أكثر اهتماما بمصالحها السياسية، وفي الوقت الذي كانت فيه مصلحة فصيل مقتدى هي إعادة تنصيب برهم صالح أعاد تنصيبه، ولكن عندما حاول تشتيت صفوف الشيعة، رأى أنه لم ينجح في مسعاه، وضع الهجوم على صالح على جدول الأعمال. ويأتي هذا السلوك المزدوج فيما أعلنت فصائل المقاومة الشعبية العراقية موقفها من برهم صالح بعد لقائه بترامب (بعد استشهاد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس) وما زالوا متمسكين بوجهة النظر هذه ولم يتراجعوا. وكان من مصلحة هذا التيار التزام الصمت إزاء عدم تصويت حلفائه لقانون التجريم، وسبب هجوم اليوم على برهم صالح محاولة لتشويه إطار التنسيق الشيعي، خاصة وأن العراق خرج من المأزق السياسي بعد اللقاء المشترك للأحزاب والقيادات الكردية أصبح الإطار أكثر قرباً من تشكيل الحكومة وفي هذه الحالة الخاسر الرئيسي هو تيار مقتدى.
بشكل عام، تجدر الإشارة إلى أنه بعد استقالة مقتدى من البرلمان، اعتقد أن حلفاءه (الأحزاب السنية والكردية) سيواصلون المسار نفسه لكن هذا لم يحدث. ومن جهة أخرى، انتشرت أنباء عن اتفاق بين إطار التنسيق الشيعي والمجموعات الكردية والسنية على تشكيل الحكومة. لذا فقد اتبعت هذه القضية مسار الغضب والغطرسة، وجعلته يدعي أن برهم صالح لم يوقع على قانون التجريم لتخريب مسار إطار التنسيق الشيعي (متهماً برهم صالح بدعم الإطار)، وهو بالطبع خبر كاذب. والآن طرح السؤال على كثير من الناس، لماذا تصمت هذه الحركة (مقتدى) على عدم تصويت حلفائها لقانون تجريم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. وقد أدى هذا السلوك المزدوج بالرأي العام إلى استنتاج أنه لا تهم حركة مقتدى التي تقيم علاقات مع الصهاينة، وهذه المجموعة أكثر اهتماما بمصالحها.