الوقت- تحدثت وسائل إعلام تركية عن "مناقشات" حكومية تجري في الفترة الحالية للشروع في حوار مع الحكومة السورية، بشأن 3 موضوعات "مهمة"، في معلومات لم يصدر حولها أي تعليق رسمي من أنقرة أو دمشق، وهما الطرفان اللذان يقفان على طرفي نقيض منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة موقع الوقت الاخباري التحليلي مقابلة مع الباحث والخبير السياسي العسكري الاستراتيجي الدكتور " محمد عباس محمد"، واليكم نص المقابلة:
الوقت: صحيفة تركية تقول إن أنقرة تدرس إجراء محادثات مع سوريا لاستئناف العلاقات، هل هذا الخبر صحيح؟
عباس محمد: أن يتحدث الاعلام التركي ويقول إن تركيا تبحث باستئناف محادثاتها مع سوريا، في الحقيقة هذا شأن تركي وربما يعبر عن حقيقة مشاعر الشارع التركي والمعارضة التركية التي أدركت فشل سياسة أردوغان وفشل طموحاته التي وعد من خلالها أن يصنع لتركيا مجدا على أنقاض تخريب الأمن، أو أمنا على أنقاض الدول المجاورة وأن يحقق لتركيا صفر أصدقاء بدلا من صفر أعداء.
كما نجح في أن يجعل تركيا عدوا للمنطقة ومركزا لتخريب استقرارها وأمنها، وبات واضحا جدا ان دور تركيا في تخريب استقرار المنطقة وزعزعة الأمن فيها واستمرار المشروع الأمريكي والصهيوني، ولا شك أن لديه مشروع في بناء دولة الخلافة الاسلامية التي هي امتداد لمشروع السلام الابراهيمي والتضليل مع الكيان الصهيوني ودولة الخلاف التركية هي امتداد لمشروع الشرق الأوسط الكبير.
وهذا ليس جديدا عندما يتحدث الشارع التركي عن الاخفاقات التي صنعها أردوغان أو عندما يتحدثون عن فشل سياساته في المنطقة ويتحدثون عن اجراء رغبة أمنية تركية لاجراء محادثات مع سوريا، فهي تعبر في الحقيقة عن نبض الشارع التركي، نحن في سوريا ضد السياسات الأردوغانية التي نجحت في تخريب علاقات الشعب السوري مع الشعب التركي، ونجحت أيضا في تشويه الفكر الاسلامي والهوية الاسلامية، وفشلت في تحقيق الاستقرار والطمأنينة للشارع التركي الذي يواجه تحديات سياسية واقتصادية صعبة نتيجة ممارسات وسلوك أردوغان وحزبه.
الوقت: لماذا توصلت تركيا إلى استنتاج مفاده بأن عليها إعادة النظر في علاقاتها مع سوريا؟
عباس محمد: يبدو أن أنانية أردوغان سمحت له بتدمير الدولة السورية رغبة منه باعادة بناء الدولة العثمانية الجديدة تحت ذريعة حماية الجنوب التركي الذي هو في الحقيقة جنوب سوري (لواء الاسكندرون وفي كيليكيا وفي الاراضي السورية التي تحتلها تركيا)، وعلى ما يبدو أن أردوغان يريد أن يحقق الأمن من خلال التوغل جنوبا في الأراضي السورية ويحقق ما كان يطمح اليه في تحقيق ميثاق من أجل الدخول في انتخاباته لعام 2023 ويقول بأنه قد استعاد أو حقق للأتراك أهدافهم ومشروعهم.
وبالتالي بعدما فشلوا في هذه السياسات وتأكدوا من صمود الدولة السورية والشعب السوري الذي بقي صامدا ولم يتخلَ عن دولته، وهذا ماأربك أردوغان وحزب العدالة والتنمية وأربك الاسرائيلي والأمريكي.
وهنا يبدو أنه أمام مساحات الزلازل التي تجري في المنطقة الاقليمية وما بعد الجوار الاقليمي وفي آسيا وكل مايجري في المنطقة اليوم يدل على أن أردوغان أو الأتراك يحاولون اعادة ضبط سياساتهم من جديد، ونشهد تقاربهم مع مصر والسعودية والدول الخليجية ومحاولة احياء أو مد الجسور بدلا من اقامة الجدران وعزل تركيا والخروج من القوقعة، وخاصة أن تحديات اقتصادية كبيرة تواجه تركيا.
أضف الى ذلك التحدي الأمني وهو الذي يقول ويدعي بأنه يهاجم سوريا حرصا على أن تركيا ويبدو أن تدمير الدولة السورية لم يتحقق له وأصبح مرغما على اعادة النظر في ساياساته من جديد وهذا أمر طبيعي بأن يفكر في تصويب البوصلة اذا كانت لديه نظرة موضوعية وواقعية تنطلق من مصلحة الشعب التركي في بناء علاقات سليمة وصحيحة مع جواره الاقليمي وخاصة مع بوابته نحو الشرق العربي مع سوريا.
الوقت: هل تقبل سوريا نهج تركيا الجديد وما هي الشروط؟
عباس محمد: سوريا بكل تأكيد لا تقبل منهج تركيا ونهجها الجديد.. النهج الذي تمارسه هو نهج عدواني وفيه الكثير من التدخل في محاولات فرض في حضوره وتدخله في دول الجوار من سوريا الى العراق وأرمينيا وأذربيجان، هذا التدخل الذي يريد أن يصنع منه امبراطورية فاشلة تحت مفهموم الامبراطورية العثمانية الجديدة والاسلامية وفي الحقيقة تعني اسلاماً معتدلاً محافظاً جديداً وأنها سوف تكون وفقا لمنظومة حزب العدالة والتنمية وهذا الاسلام أنا استطيع أن اسميه اسلام متصهين يعمل في اطار المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يريد أن يرهبنا على المنطقة.
وبالتالي النهج التركي اذا تغير لن يتغير بهذا النهج بالتصريحات أو عبر الاعلام، النهج التركي الجديد عليه أن ينسحب من الأراضي السورية وان يرفع يده عن دعم المجموعات الارهابية المسلحة واغلاق الحدود التي تعبر من خلالها تلك المجموعات التي كانت تشكل منظومة عابرة للدولة السورية عابرة للحدود وكلها كانت تعمل بدعم وتأييد وتأمين لوجستي تركي ضد سوريا.
وان أوقفت تركيا دعمها لتلك المجوعات وانسحبت من الأراضي السورية وسمحت للمواطنين السوريين بالعودة الى سوريا، هؤلاء المواطنين الذين يحتجزهم أردوغان تحت مسمى أنهم لاجئون ولايسمح لهم بالعودة لماذا لا يسمح لهم بذلك؟! لأن الأمن والاستقرار يزعزع في المنطقة الشمالية السورية بفعل وجود عناصر جبهة النصرة والحزب التركستاني والشيشاني ومئات التنظيمات الارهابية الموجودة في الشمال، وفي شمال شرق سوريا بفعل العدوان التركي.
اذا عندما ترفع تركيا يدها عن هذه المجموعات وتنسحب من الأراضي السورية وتعترف بالسيادة الوطنية على الأراضي السورية، فهذه المسألة سوف تكون قابلة للتفكير طبعا أمن سوريا وتركيا هو أمن مشترك ولايجوز أن يكون أمن دولة على حساب دول الجوار أو مابعد الجوار.
لذلك عندما يتحدث أردوغان ويقول بأن حدود أمنه في الداخل السوري أيضا حدود الأمن السوري في الداخل التركي ودول الجوار عادة تتعاون مع بعضها من أجل ضبط أمن الحدود ومنع أي اعمال ارهابية أو اي تجاوز للسيادة الوطنية على أرض هذه الدولة أو تلك.
الوقت: ماذا لو تم تطبيع العلاقات بين البلدين؟
عباس محمد: من قال إن سوريا ضد تطبيع علاقات مع تركيا نحن نتطلع الى أن تكون المنطقة كلها في حالة الاستقرار والأمن المتبادل ما يعني التنمية والنمو والعيش المشترك، بالنهاية نحن في بيئة اقليمية واحدة مكونة من سوريا وتركيا وايران والعراق ولبنان.
يمكن القول كان يجب عليها أن تعيش بشكل مشترك ولكن عندما تتدخل السياسات العدوانية لحزب العدالة والتنمية والسياسات التركية المعادية للشعب التركي، فهذا يعني أننا أمام تحد كبير لتطبيع العلاقات، لأن العلاقات لا تحتاج الى تحد كبير لأن الشعوب قائمة وعلاقاتها متواصلة ومستمرة ولاتنقطع و الشعب السوري ينتظر من الشعب التركي أن يقف الى جانب الحق والى جانب العدل، وأن يقف الى جانب الشعب الذي ظلم بفعل العدوان الذي مارسه حزب العدالة والتنمية ضد الشعب السوري.
الحالة الطبيعية للعلاقات المجتمعية وعلاقات الشعوب يجب أن تكون متواصلة وتنبذ فيها التطرف والعنف والارهاب.
الشعب التركي ليس ارهابيا لكن سياسات الحكومة التركية وسياسات حزب العدالة والتنمية هي سياسات ارهابية وسياسات تخدم الارهاب وهي في مصلحة العدوان والاعتداء الصهيو أمريكي ضد سوريا وبالتالي هي جزء من هذا المشروع عندما تتخلى عن هذه السياسات عندها نستطيع القول إن العلاقات سوف تكون بين دول الجوار، علاقات طبيعية وبشكل تلقائي سوف تعود الى سابق عهدها وسوف تتطور لكن في ظل هذه السياسات التي يمارسها حزب العدالة والتنمية وأردوغان هي سياسات عدوانية لا أعتقد أنها سوف تجد طريقها الى النور ما لم يخرج أردوغان من وهم أنه الخليفة وأنه المعني بتحقيق دولة الخلافة (الخرافة) التي لا تزال تعشعش في تفكير حزب العدالة والتنمية.
بكل تأكيد اذا ماتم تطبيع العلاقات بين البلدين وكما قلت تحقق الاستقرار لأن المنطقة كلها بحاجة للأمن والتنمية المستدامة والأمن المستدام والعودة الى حياة الاستقرار والهدوء والتخلص من هذه المجموعات الارهابية المسلحة التي تم حشدها عبر الحدود من عشرات دول العالم.
الوقت: هل هناك فوائد للجانبين وماذا يحدث في المنطقة؟
عباس محمد: لا نستطيع أن نقول فوائد الاستقرار لأن كل الشعوب بحاجة وتطلع الى الاستقرار على جانبي الحدود بين الدول، نحن لسنا في حالة حرب مع الشعب التركي و كما قلت إن تلك السياسات هي سياسات عدوانية وتحدث عملية الاطمئنان والاستقرار وتحقيق الأمن والأمن المتبادل وتخرج هذه الجيوش الارهابية التي دخلت الى سوريا ويتحقق الأمن.
دعونا نعود بالذاكرة الى ما قبل العام 2011 عندما قامت الدولة السورية بالموافقة على التنسيق مع تركيا لازالة ملايين الألغام التي كانت مزروعة على الحدود وأصبح هناك تواصل جيد، وكنا نتطلع الى تحقيق الأمن الاقتصادي والعلاقة بين سوريا وتركيا.
كما كانت سوريا تطلع الى تركيا کجزء من مشروع البحار الخمس وتركيا لديها دور اقليمي لايستهان به ولها مكانتها ولها دورها وهي جزء من المجال الحيوي السوري و سوريا جزء من المجال الحيوي التركي وهذه العلاقات المتبادلة هي علاقات حسن الجوار.
وبالتالي عندما نضمن هذه العلاقة ونضمن هذا الاستقرار أعتقد أن شعبي البلدين سوف يكونان في حالة متطورة من العودة الى الازدهار، بدلا من الحالة الأمنية غير المستقرة لكل دول المنطقة.
لذلك فان المشروع التركي هو مشروع خاسر اذ استمر بنفس الطريقة وعليه اذا كان يبحث عن تطوير المنطقة واستقرارها وضمان سلامتها والابتعاد عن اشعال بؤر الحروب على تركيا أن يعيد النظر في سياساتها، وهذا سوف يكون في مصلحة الشعبين السوري والتركي.
أما بالنسبة للمنطقة فيما لو تم التقارب بين سوريا وتركيا بعد انسحاب جيوش الاحتلال التركي سواء كانت الارهابية وهي البديلة الموجودة في سوريا وجيش الاحتلال التركي الارهابي الآخر بانسحابهم من سوريا والعراق من المنطقة بأكملها بعودة تركيا الى ذاتها ومد جسورها الى دول الجوار وتواصلها مع المجتمعات والشعوب.
أعتقد أن الكثير من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية سوف تتعزز في المنطقة وهنا أذكر ان العلاقات الاجتماعية بين الشعب السوري والشعب التركي في كثير من علاقات الزواج والترابط الاجتماعي فالتنوع المجتمعي بين سوريا وتركيا هو تنوع مشترك وبالتالي على تركيا التي اعتدت على سوريا واحتلت أرضلها عليها اليوم أن تنكفئ من هذه الأرض و أن تخرج لتعيد حالة الاستقرار الى ماكانت عليه.