الوقت- تحدثت وسائل إعلام عربية في الساعات الأخيرة، عن خلاف روسيّ – إسرائيليّ، على خلفية الاعتداءات الجوية التي تشنها طائرات العدو الغاصب بشكل متواصل على الأراضي السوريّة، وقد أوضحت قناة “كان” العبرية الرسمية مؤخراً، أن الأنظمة الدفاعية التي تستعملها القوات الروسية في سوريا، تهدد هبوط طائرات الكيان في مطار بن غوريون في تل أبيب، إلا أنّ الكرملين رفض طلب الإسرائيليين في تعطيلها، تحت مبرر أنّ الأنظمة الدفاعية مخصصة لحماية الجنود الروس المتواجدين هناك.
بات واضحاً للجميع خلال السنوات الأخيرة من الحرب على سوريا أنّ موسكو تسعى إلى التفاهم مع الجميع، لكن هذا التفاهم لا يعني أن يساعد الروس الصهاينة في عدوانهم المستمر على الأراضي السورية، على العكس من ذلك أدانت موسكو مراراً تلك الضربات، وخاصة تلك التي تأتي من الأجواء اللبنانيّة مؤكّدة التزامها بمنع الطائرات الصهيونيّة من اختراق الأجواء السوريّة.
وإنّ الرسالة الصهيونيّة التي وُجّهت إلى روسيا وأفادت بأنّ الأنظمة الدفاعية المتطورة للجيش الروسيّ في قاعدة “حميميم” الجويّة في ريف اللاذقية تعطّل "الموجات الكهرومغناطيسية” الشيء الذي يسبب اضطرابات في نظام تحديد المواقع العالمي GPS، وتؤثر على هبوط الطائرات الإسرائيليّة في مطار "بن غوريون" وهو المطار الدولي الرئيس لدى كيان الاحتلال، تدل على أنّ الروس حريصون بالفعل على مصالحهم المرتبطة بشكل وثيق مع مصالح دمشق.
وفي حال كان الإسرائيليون سذّجاً لدرجة اعتبار الأراضي السورية أرضاً مكشوفة ومتاحة متى شاءت طائرات عدوانهم، فإنّ لدى موسكو وجهة نظر مشتركة مع دمشق من ناحية تهديدات تلك الضربات، ففي الوقت الذي ترى فيه سوريا أنّ الضربات الإسرائيليّة تشكل عدواناً سافراً على أراضيها وشعبها وانخراطاً صهيونيّاً كاملاً في الحرب عليها، تعتبر موسكو أيضاً الهجمات الإسرائيليّة تهديداً شبه مباشر لقواتها على الأراضي السورية، فمثلاً إنّ قصف مرفأ اللاذقية أكثر من مرة بالرغم من وقوعه على مقربة من القاعدة الروسية هناك، شكّل تهديداً مباشراً للجنود الروس في القاعدة، وأثار سخط السوريين من الروس لدرجة كبيرة وهذا بالطبع ما لاتريده روسيا المتواجدة لمساعدتهم وفقاً لتصريحات مسؤوليها.
وبناءً على ذلك، لا تمانع موسكو قيام معادلة ردع تؤديّ إلى منع العدو الصهيونيّ من الاعتداء على الأراضيّ السورية، حيث تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إيجاد موازنة بين كل اللاعبين الخارجيين على الساحة السورية، وليس فقط "إسرائيل" المحتلة لجزء هام من الأراضي السورية والتي دعمت بشدّة المحاولات الفاشلة لإسقاط الرئيس الأسد، ولا شك أنّ المصلحة الذاتية تغلب على كافة الأمور كما عودتنا السياسة سواء في سوريا أو غيرها من البلدان.
وبالرغم من علاقة موسكو الجيدة مع تل أبيب إلا أنها وضعت مصالحها في الواجهة من خلال دعم الجيش السوريّ والقيادة في دمشق، وإنّ الطلب الإسرائيلي الأخير المرفوض من قبل الروس، يبدو وكأنّه تحايل إسرائيليّ لإيجاد ذريعة لتصعيد الهجمات العدوانيّة داخل الأراضي السورية وإفساح المجال أمام ضربات أشدّ قوّة وتأثيراً، لكن روسيا وكما تقول الوقائع تدرك الأطماع الإسرائيليّة التي يمكن أن تُهدد مصالح روسيا في أكثر من اتجاه وتُحدث شروخاً مع حلفائها الذين أوصلوها إلى المياه الدافئة.
ومن الجدير بالذكر أنّ العلاقات العسكريّة السوريّة الروسيّة شهدت تطوراً لافتاً في العقد الأخير، ففي 24 من كانون الثاني/يناير المنصرم أجرى طيارون عسكريون تابعون للجيش السوري وطيارون روس أول دورية جوية سورية – روسية مشتركة فوق الأراضي السورية، حيث أفادت وكالة “تاس” الروسية بمشاركة القوات الجوية الروسية بمقاتلات من طراز “سو-34″ و”سو-35” وطائرة “أ-50” للإنذار المبكر، برفقة طائرات “ميغ-23″ و”ميغ-29” من سلاح الجو السوري.
في النهاية، لا شك أن الانزعاج الإسرائيليّ من الرفض الروسيّ لطلبهم الغريب يكمن في عدم فتح المجال للآلة العسكريّة للعدو بالتصرف على هواها في الأجواء السورية، حيث تتناسى تل أبيب التي دعمت بمختلف المجالات تدمير هذا البلد أنّها كلما تمادت في عدوانها الهمجيّ كلما طالبت دمشق بدعم من حلفائها سواء في روسيا أو في "محور المقاومة" لقطع يد العدوان الصهيونيّة، ما يعني ازدياد التنسيق والتعاون بين الحلفاء في سوريا بما جعل الكيان الغاشم في تهديد أعظم وقلق أكبر وحيرة أشد.