الوقت- مع اشتداد مسيرة التطبيع وإحياء العلاقات مع الكيان الصهيوني، شاركت بعض دول المنطقة أيضًا في هذه العملية، ومن بينها تركيا من الدول التي أكدت مؤخرًا على إحياء علاقاتها مع هذا الكيان، إلا أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل منذ عام 2008 مع غزو الكيان الصهيوني لقطاع غزة وبدء حرب غزة، ومرة أخرى في عام 2018، مع اتخاذ ترامب إجراءات للاعتراف بالقدس عاصمة لهذا الكيان، شهدت توترات وتسببت في استدعاء تركيا لسفيرها من هذا الكيان.
تغيير موقف تركيا في السياسة الخارجية
لقد أحدثت سياسة أردوغان الاقتصادية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة صدمة في الاقتصاد، وانخفضت قيمة الليرة بشكل حاد مع ارتفاع الدولار، ذلك إلى جانب فشل الدولة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والعقوبات الأمريكية والأوروبية على تركيا، واستمرار العلاقات الباردة بين تركيا والولايات المتحدة، وقد أشار بايدن إلى تركيا في حملته الانتخابية لعام 2020 قائلا: ان تركيا ديكتاتورية وعلينا التعاون مع معارضي اردوغان في الانتخابات التركية المقبلة "، ما سبب أن تكون السياسة الخارجية لهذا البلد أكثر عزلة، في ظل هذه الظروف، دعا رئيس هذا البلد في الأيام الأخيرة، إضافة إلى تقديمه خطة للخروج من الوضع الاقتصادي الراهن، إلى تغييرات في السياسة الخارجية لهذا البلد في العلاقات مع الدول الأخرى، وخاصة الكيان الصهيوني.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقاء مع يهود أتراك وأعضاء في تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية "رغم الخلافات بين تل أبيب وأنقرة بشأن فلسطين، فإن الجانبين لديهما علاقات اقتصادية"، مشيرا إلى أن العلاقات التجارية والسياحية تتطوران. وهذه العلاقات حيوية لأمن المنطقة واستقرارها وستعود هذه العلاقات إلى طبيعتها قريباً". كما قال وزير الخارجية التركي مولود شاويش اوغلو في مؤتمره الصحفي الأخير في نهاية عام 2021: "بدأت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والتي تتماشى بالطبع مع مبادئ تركيا تجاه فلسطين، واضاف ان "المشاورات بدأت مع الحكومة الاسرائيلية الجديدة وهي تجري بنهج واقعي".
أسباب تطبيع العلاقات
البعد السياسي - العسكري: مع بداية تطبيع العلاقات الإسرائيلية – العربية، سعى هذا الكيان إلى زيادة نفوذه في الخليج الفارسي وبين دول هذه المنطقة، وفي ظل تطبيع العلاقات سيزداد تواجده في المنطقة أكثر. لذا وبالإضافة إلى الآثار الاقتصادية الإيجابية، سيؤدي هذا الإجراء أيضًا إلى جعل إسرائيل بديلاً عن الدول العربية الإسلامية ذات الدور السلبي في المنطقة كتركيا.
في الوقت نفسه، حاولت تركيا دائمًا إثارة قضية فلسطين لتظهر نفسها بين الدول الإسلامية كمرجع وقائد بين الدول الأخرى من أجل متابعة هذه القضية. وقد دفعت كل هذه الظروف تركيا إلى استنتاج أنه بدخولها في عملية التطبيع وإحياء العلاقات مع إسرائيل، فإنها ستمنع إلغاء دورها الإقليمي.
إضافة إلى ذلك، فإن إعادة بناء العلاقات مع إسرائيل سيسمح لتركيا باستخدام ضغط اللوبي الصهيوني في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الكيان الصهيوني دخل الأزمة في أزمة ناغورنو – كاراباخ بدعمه جمهورية أذربيجان، إلى جانب تركيا، وقدم الدعم العسكري لباكو، مما وفر الأرضية للتعاون العسكري التركي – الاذربيجاني – الإسرائيلي، لتدخل بذلك العلاقات بين هذه البلدان مرحلة جديدة.
البعد الاقتصادي: على مدى السنوات الماضية ، لعب الاقتصاد دورًا مهمًا في العلاقات التركية الإسرائيلية، ولطالما كان لكلاهما علاقات تجارية مع بعضهما البعض، بحيث بلغ حجم التجارة التركية الإسرائيلية في عام 2018 أكثر من 6.2 مليار دولار. ، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والكيان الصهيوني في عام 2019 ما قيمته 10 مليارات دولار، وفي عام 2020 زادت تركيا من صادراتها من المواد الغذائية والمشروبات إلى الكيان. قال المركز الإسرائيلي لبحوث الأمن الداخلي التابع لجامعة تل أبيب، ومقره تل أبيب، في دراسة للعلاقات التجارية بين البلدين: "على الرغم من تدهور العلاقات السياسية بين إسرائيل وتركيا، فقد ازدهرت التجارة المتبادلة بينهما في السنوات الأخيرة".
وحسب البيانات الرسمية، فإن ثلثي التجارة المتبادلة كانت من تركيا إلى إسرائيل، وفي عام 2019، زار نصف مليون سائح إسرائيلي تركيا، وهو رقم مشابه للرقم المسجل قبل قضية سفينة مرمرة في عام 2010. الآن وخلال الأزمة الاقتصادية في تركيا، ازدادت أهمية وضرورة العلاقات مع إسرائيل بالنسبة للأتراك، ويعتقد الإسرائيليون أن العلاقات التجارية بين أنقرة وتل أبيب هي عنصر مهم في العلاقات الثنائية التي تمنع قطع العلاقات خلال سنوات الأزمة ويمكن أن تكون بمثابة ركيزة هامة وأساسا في تعزيز العلاقات الثنائية".
في مثل هذه الظروف، ومن أجل حل أزمة العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على هذا البلد، وكذلك لحل المشاكل الاقتصادية الداخلية، تعتزم تركيا تعزيز علاقاتها مع الكيان الصهيوني كطرف طالما كان له علاقات اقتصادية وتجارية معه، بالإضافة إلى المحافظة عليها ورفع مستواها.
في هذا الموقف، يمكن الاستنتاج أن هذا الوضع أثبت مجددًا أولوية علاقات أنقرة مع تل أبيب على قضية القدس، في نظر صناع القرار الأتراك، ومع إعطاء أنقرة الضوء الأخضر لتل أبيب في الأيام الأخيرة، يمكن أن تصبح العلاقات بين الجانبين، وخاصة في البُعد الاقتصادي والتجاري، أكثر اتساعاً وعمقا.