الوقت - اجتمع قادة الکيان الصهيوني واليونان وقبرص في 8 ديسمبر 2021 في مدينة القدس المحتلة، وترکز الاجتماع على التعاون الأمني والعسكري.
وحضر هذا الاجتماع الأمني الثلاثي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس القبرصي نيكوس أنستاسيادس ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، مؤكدين على مدى تعقيد التهديدات في المنطقة.
يمكن تقييم الفاعلين الحاضرين في هذا الاجتماع في شكل القوات المنخرطة في شؤون البحر الأبيض المتوسط، والتي عقدت من قبل اجتماعات أمنية مع بعضها البعض.
على سبيل المثال، في 17 أبريل 2021، أجرى وزراء خارجية الکيان الصهيوني وقبرص واليونان والمستشار الدبلوماسي لدولة الإمارات، محادثات في اجتماع رباعي في قبرص لإقامة شراكة استراتيجية.
الآن، وعلى الرغم من عدم دعوة القادة السياسيين الإماراتيين إلى الاجتماع في مدينة القدس المحتلة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي الأهداف التي يسعى إليها قادة الکيان الصهيوني واليونان وقبرص؟
الأمن والطاقة في البحر الأبيض المتوسط
أصبح البحر الأبيض المتوسط أكثر أهميةً من أي وقت مضى من حيث الأمن والطاقة في السنوات الأخيرة، بعد جهود تركيا في أن يكون لها وجود عسكري واقتصادي في هذه المنطقة.
وعلى الرغم من وجود تنافس واسع النطاق في الماضي في البحر الأبيض المتوسط بين مختلف البلدان، إلا أن هذه المنافسات اتخذت أشكالًا ومظاهر جديدة في العصر الجديد.
حالياً، تحاول جميع الجهات الفاعلة في البحر الأبيض المتوسط منع الحضور الواسع لمنافسيها الإقليميين في شكل أنشطة عسكرية وأنشطة استكشاف الطاقة من ناحية، وزيادة حصتها من عائدات صادرات الطاقة وخاصةً الغاز من البحر المتوسط من ناحية أخرى.
ونلاحظ هذه القضايا بوضوح أيضًا في البيان الختامي الأخير لزعماء الکيان الصهيوني واليونان وقبرص، الذي قرأه نفتالي بينيت.
حيث أکد بينيت: "نحن نعزز علاقاتنا مع أصدقائنا في جميع المجالات. وسنعمل على تطوير علاقاتنا في مجال الطاقة من خلال خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط، وسنصل بالتعاون إلى مستويات جديدة. کما سنعمل على تطوير علاقاتنا في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا والسياحة وخدمات الطوارئ مع قبرص واليونان".
حتى فيما يتخطی قضية الطاقة، أشار رئيس وزراء الکيان في البيان الختامي للاجتماع الثلاثي إلى "التعاون العسكري مع اليونان وقبرص والتدريبات العسكرية المشتركة".
کما يشير البيان بوضوح إلى أن القمة الأخيرة التي استمرت ثلاثة أيام، ركزت على استكشاف وإنتاج وتصدير الطاقة في البحر المتوسط على المستوى الأولي، وعلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري على المستوى الثاني.
احتواء تركيا..أولوية لقاء القدس الثلاثي
على الرغم من أن الاجتماع الثلاثي بين قادة الکيان الإسرائيلي واليونان وقبرص لم يذكر صراحةً أي دولة معينة، ولکن لا شك أن المعني الرئيسي لهذه الجهات الفاعلة هو تركيا وسياسات رجب طيب أردوغان الهجومية في البحر الأبيض المتوسط.
کان لليونان وقبرص مستويات كبيرة من المنافسة والتوتر مع أنقرة منذ تشكيل الحكومة الوطنية التركية الجديدة في عام 1924، وقد أدت استراتيجية أردوغان الجديدة لوجود نشط وشامل في المنطقة إلى تفاقم الخلافات بينهم.
وعلى الساحة الجديدة، ومع فتور العلاقات بين تل أبيب وأنقرة، انضم قادة الکيان الصهيوني إلى جبهة المعارضة لأنقرة لمواجهة النفوذ التركي في البحر الأبيض المتوسط. وفي الواقع، يمكن تقييم الهدف الرئيسي من الاجتماع الثلاثي في مدينة القدس المحتلة، على أنه مواجهة تركيا.
في غضون ذلك، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن الحكومة التركية، منذ بداية تشكيل حدودها الجديدة في المنطقة الحالية، لم تخف دوماً ميلها لاستعادة نفوذ الدولة العثمانية وحدودها السيادية، من خلال الإشارة إلى الميثاق الوطني(1920).
في هذه الأثناء، كان حوض البحر الأبيض المتوسط المركز الرئيسي للتأثير والعمق الاستراتيجي للإمبراطورية العثمانية في الماضي، وفي السنوات الأخيرة حاولت حكومة أردوغان إحياء الدور الرئيسي للإمبراطورية العثمانية في هذه المنطقة.
وفي هذا الصدد، نرى أنه في ديسمبر 2019، وقعت الحكومة التركية اتفاقيةً مع حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج لاستكشاف موارد البحر الأبيض المتوسط.
وحسب أردوغان، وفقاً للاتفاق مع ليبيا، يمكن لتركيا التنقيب في مياه الأراضي الليبية للتنقيب عن حقول النفط والغاز، وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي.
وحجة الحكومة التركية هي أن الجهات الفاعلة الدولية الأخرى لم تعد قادرةً على إجراء عمليات الحفر والاستكشاف في هذه المنطقة. وعلى وجه التحديد، لا يُسمح للجزء اليوناني من قبرص ومصر وإسرائيل واليونان ببناء خط أنابيب غاز من هذه المنطقة، دون الحصول على إذن من تركيا.
وهذا يعني أن البحر الأبيض المتوسط كان يعتبر المركز الرئيسي للقوة والتأثير البحريين لتركيا، وأن تركيا ستكون المكان الرئيسي للمنافسة مع منافسيها الإقليميين، مثل اليونان وقبرص ومصر و إلخ.
وقد أدى ذلك إلى جهود لخلق جبهة معارضة ونفوذ مناهض لتركيا في البحر الأبيض المتوسط، بمشاركة دول مثل اليونان وقبرص ومصر وفرنسا والإمارات وحتى الکيان الصهيوني.
وفي هذا الصدد، نرى أنه في الاجتماع الثلاثي الأخير، تم التعامل مع الحكومة التركية علانيةً على أنها قوة شريرة ومدمرة. حيث أكد نفتالي بينيت في البيان المشترك للاجتماع الثلاثي:
"إننا نصدّ قوى الشر ليلاً ونهاراً، ولن نتوقف عن فعل ذلك لثانية. وهذا يتم بشكل شبه يومي، وسنواصل العمل ضد القوى المدمرة ولن نتعب".