الوقت- بالتزامن مع محاولات النظام السعوديّ لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة بحق شعبهم، ومع تصاعد التنديدات الدوليّة نتيجة سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة والأسلوب الهمجيّ الحكوميّ، نشرت صحيفة "التايمز" البريطانيّة، كاريكاتيراً ساخراً حول شراء صندوق الاستثمارات السعوديّ لنادي "نيوكاسل يونايتد" الإنجليزيّ، الأمر الذي أثار جدلاً حقوقيّاً في الأوساط السياسيّة والرياضيّة في بريطانيا، حيث تسعى الرياض لتلميع سجلها "المُشين" في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة.
يعلم الجميع أنّ السعوديّة وحامها يواجهون مشاكلاً دوليّة كبيرة بينها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول، وقضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، ناهيك عن حرب اليمن التي أماطت اللثام عن وجوه حكام بلاد الحرمين، ولم تفلح في السابق فعاليات محمد بن سلمان لشراء المواقف الدوليّة والتغطية على جرائمه بحق مواطنيه كما هو مرجو، والآن كذلك انقلب السحر على الساحر، لأنّه من الصعب أن تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة رغم سجلها الحقوقيّ الفاضح.
وإنّ محاولات السعوديّة لخلق "صورة مختلفة" للمملكة وعائلة سعود على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم فشلت بشكل كبير لأنّ ذلك يحتاج إلى وقت طويل جداً وإثباتات عمليّة مفقودة على أرض الواقع، وقد ظهر في الكاريكاتير الذي نشرته الصحيفة البريطانيّة، صورة لقميص النادي الرياضيّ، على شكل سجن، في إشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية التي تستخدم سلطاتها قانون "مكافحة الإرهاب" كغطاء للقمع الممنهج ضد السعوديين.
وحظيّ الرسم البريطانيّ بتفاعل واسع من نشطاء حقوقيين ومستخدمي مواقع التواصل في بريطانيا، باعتبار أنّ السعودية تحاكم النشطاء في البلاد عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، كما أنّ الرياض تستخدم قوانين سيئة كنظام مكافحة الإرهاب ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ضدهم، في ظل نهج واضح لاعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم ولا نية لحكام المملكة بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم.
إضافة إلى ذلك، أثارت صفقة استحواذ الصندوق السعوديّ على النادي الإنجليزيّ، غضب عدد من الأنديّة، التي دعت إلى عقد اجتماع طارئ، لا يهدف لتعطيل الصفقة التي تمت، ولكن من أجل التعبير عن رأيها السلبيّ تجاهها، مع زيادة عدد البراهين التي لا عد لها بشأن إجرام النظام الحاكم بحق شعبه، خاصة مع محاولات نفي ممارسات السلطات السعوديّة انتهاكات بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين.
وفي الوقت الذي أعربت فيه الأندية الإنجليزيّة عن قلقها من أن العلامة التجاريّة للدوري الإنجليزي الممتاز، يمكن أن تتضرر من قبل صندوق الاستثمار العام السعوديّ (PIF) الذي يستحوذ على 80% من أسهم "نيوكاسل"، على الرغم من أن الدهشة ستثار في ضوء هوية المالكين الآخرين، وتُتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة بعد أن أصبحت في السنوات الأخيرة، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استناداً لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها.
وفي هذا الصدد، إنّ نادي مانشستر سيتي، بقيادة الشيخ منصور بن زايد، من بين أندية الدوري الإنجليزيّ الممتاز، التي تطالب بعقد اجتماع طارئ بعد اكتمال الاستحواذ السعودي، وقد أثارت الصفقة الكثير من الجدل من قبل المنظمات الدوليّة، لدرجة أنّه قبل إبرامها حضّت منظمة العفو الدوليّة، رابطة الدوريّ على النظر في سجل حقوق الإنسان "المروع" في السعودية، فيما قال رئيس حملات المنظمة في بريطانيا، فيليكس جاكنز، لفرانس برس؛ إنّ الصفقة تمثل محاولة واضحة للغاية من قبل سلطات آل سعود للتبييض الرياضيّ لسجلها المروع في مجال حقوق الإنسان، باستخدام "بريق الدوري الممتاز"، كما نشرت المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN»، الحقوقية سارة لي واتسون، الرسم على حسابها على تويتر معلِّقة: "نيوكاسل لديه الآن قميص جديد".
خلاصة القول، فشلت العائلة المالكة في السعودية التي ترتعب من أدنى انتقاد لها لو كان على مواقع التواصل الاجتماعيّ في إخفاء جرائمها الكثيرة بحق السعوديين وغيرهم، لكنها مستمرة في الوقت ذاته بالاعتقالات التي تتم دون التقيد بالإجراءات القانونيّة والقضائيّة، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحيّة مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، ولم تهتم مملكة آل سعود أيضاً للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ "هيومن رايتس ووتش"، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدوليّ لدعوات لجنة "الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة"، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات عديدة حول آلية التعامل الدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، ويعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي إما منخرط مع السعودية مع إجرامها الداخليّ والخارجيّ، أو أنّه يقبض ثمن صمته كما كان يفعل الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب.