الوقت- بعد الجريمة التاريخيّة التي ارتكبها السودان بتطبيع علاقاته مع الكيان الصهيونيّ الغاصب قبل عام تقريباً، عقب إزالة اسم الخرطوم من القائمة الأمريكيّة للدول الداعمة للإرهاب، تحدثت قناة عبريّة رسميّة، مؤخراً أنّ إدارة الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، تمارس ضغوطاً على الحكومة السودانيّة لتوقيع اتفاق رسميّ لإقامة علاقات دبلوماسيّة مع تل أبيب، فيما يعارض الشعب السودانيّ بأكمله مسألة التطبيع مع العدو الشيء الذي أدى لتشكيل جبهة ضد التطبيع من أهم وأقوى الأحزاب السياسيّة في البلاد، ضد الحكومة السودانيّة التي عارضت النسق الفكريّ والعقائديّ لشعبها وسارت على نهج الخيانة العربيّة، الراضخ لضغوط واشنطن وكيانها الإجراميّ.
في ظل غياب أيّ تصريح من السلطات السودانيّة حول تلك الأنباء، تتحدث تقارير إعلاميّة عن وجود خلافات بين المكونين العسكريّ والمدنيّ في مجلس السيادة الانتقاليّ بالسودان وأنّ تلك المسألة هي التي تعطل توقيع اتفاق رسمي مع "إسرائيل"، حيث إنّ تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيونيّ والسودان جاء بعد تفاهمات على إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكيّة للدول الداعمة للإرهاب، عقب إعلان الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، عن موافقة الخرطوم على دفع 335 مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا الهجوم على المدمرة كول في سواحل اليمن عام 2000، وأُسر ضحايا تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام في 1998، فيما تحدثت حينا مواقع إخباريّة عن أنّ الإدارة الأمريكيّة ستحصل على 850 مليون دولار من دافعي الضرائب الأمريكيين.
وبالتزامن مع تأزم الأوضاع داخل النظام السياسيّ الانتقاليّ، وحدوث فجوات في الشراكة بين العسكريين والمدنيين التي مضى عليها عامان، بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، حيث بدأت الفترة الانتقالية في 21 أغسطس/ آب 2019 وتستمر 53 شهراً، ويدير السودان حكومة مدنيّة ومجلس سيادة (بمثابة الرئاسة) مكون من 14 عضوا، 5 عسكريين و6 مدنيين و3 من حركات مسلحة وقعت اتفاق سلام مع الحكومة.
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه المعارضون للتطبيع على المستوى الشعبيّ والسياسيّ أنّ قضيّة التطبيع لها أبعاد سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، تصورها الحكومة السودانيّة على أنّها قضيّة اقتصاديّة تأخذ منه القليل مقابل بيع القيم السودانيّة، تشير وسائل إعلام إلى أنّ ضغوط الولايات المتحدة على السودان تأتي نتيجة عدم حودث تقدم حقيقيّ في ملف تطبيع العلاقات مع الصهاينة التي جرى الإعلان عنها في 23 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، في ظل رفض في الأوساط السودانيّة لإدخال بلادهم في حظيرة التطبيع الأمريكيّة، لأن ذلك سينصب على السودانيين دكتاتوراً لا يعترف بالحرية والديمقراطيّة، ناهيك عن أنّ السودانيين يقفون مع فلسطين بكامل أراضيها وعاصمتها مدينة القدس، ولا يعترفون بتقسيمها شرقيّة وغربيّة.
وعاد ملف تطبيع السودان إلى الواجهة من جديد، بعد زيارة وفد أمنيّ - عسكريّ سودانيّ إلى الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو، حيث بحث مسألة تطبيع العلاقات رسمياً مع تل أبيب، ما يبرهن تصريحات جبهة "القوى الشعبيّة لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ" التي تصف التطبيع بأنّه محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج السودان لها رغم أنفه، لإبعاده عن الرغبة الشعبيّة التي تؤمن بأنّ القضية الفلسطينيّة عادلة لشعب احتلت أرضه وانتهكت مقدساته، وأنّ حقوق الشعب الفلسطينيّ ظلت محل إجماع الشعوب الحرة والشرائع الإنسانيّة كافة، بالإضافة إلى أنّ التطبيع مع عدو العرب والمسلمين يحقق نصراً معنويّاً وسياسيّاً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً للشعب الفلسطينيّ والعربيّ.
ويدرك الجميع أنّ الإدارة الأمريكيّة استغلت قضيّة التطبيع الذي قُدّم كإنجازٍ لترامب بعد اتفاق التطبيع الإماراتيّ - البحرينيّ مع العدو الصهيوني، رغم تحذيرات وكالة المخابرات المركزيّة ووزارة الخارجيّة الأمريكيّة، حول أنّ السودان ليس ناضجاً بعد للإعلان عن تطبيعٍ علاقاته مع تل أبيب وأنّه من غير الصحيح فرض هذا الموضوع على الخرطوم، فيما تواجه الحكومة السودانيّة ضغوطاً داخليّة شديدة منذ توقيع اتفاق الخيانة، ويخشى من انعكاس آخر التطورات على الشارع السودانيّ، بسبب رفض الطبقة المثقفة السودانيّة لأيّ علاقات مع العدو الغاصب باعتبارها "خيانة وطنيّة"، ناهيك عن الشروط الأمريكيّة – الإسرائيليّة على هذا الموضوع، حيث من المتوقع أن تثقل كاهل السودان وهي عبارة عن 47 شرطاً.
ومن الجدير بالذكر، أنّ القوى الشعبية لمقاومة التطبيع التي تضم حركات وأحزاب ذات إيديولوجيات مختلفة من إسلاميّة ويمينيّة ويساريّة وقوميّة وشيوعيّة وغيرها، ابتدأت منذ مارس/آذار الفائت، سلسلة لقاءات لحشد المناهضين للتطبيع على صعيد واحد، وتعتبر أنّ أيّ محاولة لتمرير التطبيع مع الكيان الصهيونيّ استناداً على توازن القوى الراهن، يمثل انتهازيّة سياسيّة مكشوفة، من خلال استغلال الظروف التي خلفها النظام المُباد اقتصاديّاً وسياسيّاً عوضاً عن العمل على مواجهتها باستنهاض إرادة التغيير لتمثيل مواقف الشعب السودانيّ ومبادئه في الحرية والسلام والعدالة التي لا تتجزأ.
بالاستناد إلى كل ما ذُكر، يُدرك العسكر في السودان أنّ اتفاقيات التطبيع العام الماضي أثارت غضباً سودانيّاً و عربيّاً واسعاً، في ظل استمرار احتلال الكيان المعتدي أراضٍ في أكثر من دولة عربيّة، ورفضه قيام دولة فلسطينية مستقلة، وانتهاكاتها وجرائمه اليومية المتصاعدة بحق الشعب الفلسطينيّ، لهذا فإنّ الحكومة السودانيّة ستغرق في شر أعمالها في حال اختارت الرضوخ للضغوط الأمريكيّة، والشارع السودانيّ سيكون أكبر شاهد على ذلك، خاصة وأنّ السودانيين يعتبرون التطبيع مع أكثر الكيانات إجراماً في العالم "جريمة تاريخيّة كبرى".