الوقت- في الوقت الذي تجاهلت فيه الولايات المتحدة السعودية بتحركاتها الأخيرة في بعض قضايا المنطقة في محاولة لإرساء استقرار المناطق القطرية في أفغانستان، تحاول السعودية تعويض خسائرها عبر البوابات السورية. في الواقع، يبدو أن السعوديين قرروا إصلاح موقفهم الكارثي من سوريا بعد عقدين من الهزيمة في حرب عقيمة ضد سوريا.
في هذا الصدد، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية السورية وإعادة انتخاب "بشار الأسد" رئيساً لهذا البلد، أشارت المعلومات إلى حدوث تقدم كبير في العلاقات بين دمشق والرياض ورغبة كبيرة من المملكة العربية السعودية بالعودة إلى سوريا. وقررت المملكة العربية السعودية، التي قادت مع الولايات الحرب في سوريا وتمويل الجماعات المتطرفة، الآن تمويل أول ميزانية لإعادة إعمار سوريا. تظهر المؤشرات في الأسابيع القليلة الماضية أن الأمريكيين لا ينوون منح السعودية فرصة للعودة إلى سوريا، وتفضل واشنطن أن يلعب الأردن في هذه المرحلة دورًا محوريًا في إعادة ربط سوريا بالمجتمع الدولي. يأتي كل هذا في وقت اتخذ فيه المجتمع العربي والدولي قرارًا جادًا بالعودة إلى سوريا. يرى بعض الذين اعتقدوا قبل بضعة أشهر أن سوريا ستدفع ثمناً سياسياً باهظاً لاستئناف العلاقات مع السعودية، يرون اليوم أن دمشق استأنفت علاقاتها مع دول عربية مثل الإمارات ومصر والأردن ولبنان دون أي شروط مسبقة وسياسية. والأهم من ذلك أن هذه الدول كانت أكثر ميلاً إلى إقامة علاقات مع سوريا من سوريا نفسها.
السعودية الآن ترى نفسها تفقد الكثير من أوراقها في قضية المصالحة مع سوريا. لأن الرياض أرادت أن تشق طريق المصالحة الخاص بها إلى سوريا لتكون قدوة لباقي الدول وبالتالي ترسيخ مكانتها في العالم العربي والإسلامي، لكنها الآن في وضع يتعين عليها فيه أن تتبع اتجاه عودة الدول الأخرى إلى سوريا. فبدلاً من أن تكون السعودية الطرف الأساسي في فتح معابر الدول العربية إلى سوريا، ترى أنه لا دور لها فيها. ويرى السعوديون الآن أن "قانون قيصر" الأمريكي ضد سوريا يتم انتهاكه بعدة طرق، وأن عدد الطائرات المدنية التي تهبط في مطار دمشق يتزايد بشكل يومي. في سياق متصل، فشل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اغتنام الفرصة، وتفوقت دول أخرى على السعودية في استئناف العلاقات مع سوريا. وهكذا، فإن كل التعاون الغربي السعودي في المنطقة، من سوريا إلى اليمن ولبنان، لم يؤتي ثماره. في ظل هذه الظروف، أنقذت الولايات المتحدة وفرنسا فريقهما السياسي من الأزمة التي حلت بهذه الدول. بينما لم تجد المملكة العربية السعودية حتى الآن مخرجًا من اختناقاتها في هذه البلدان، وخاصة لبنان.
في لبنان، يعتقد الكثير أن رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري دفع ثمن إصراره على استرضاء محمد بن سلمان وترك المشهد السياسي اللبناني. لهذا السبب يحاول رئيس الوزراء اللبناني الحالي نجيب ميقاتي أن يكون حذراً للغاية مع السعودية في بداية إدارته. يعتقد العديد من الخبراء أن حذر ميقاتي، وخاصة موقفه من سوريا، خطير ويمكن أن يكرر تجربة سعد الحريري. خاصة وأن سوريا حققت الآن إنجازًا كبيرًا في إقامة علاقات وتنسيق مع مختلف الدول، وحتى الولايات المتحدة التي حاصرت سوريا بكل الطرق، أصبحت الآن مضطرة إلى خرق قانون قيصر. وهكذا، ونظراً لاحتياجات الولايات المتحدة والأردن ولبنان لسوريا، يشعر البلد اليوم أنه في وضع قوي على الرغم من شدة الأزمة الاقتصادية والمعيشية. لأنها تعلم أن الدول المجاورة لها، مثل لبنان والأردن، تعاني من التداعيات الاقتصادية للحرب السورية. ولهذا فإن المسؤولين الأردنيين يهيئون الظروف المناسبة لإصلاح علاقاتهم الاقتصادية مع سوريا من أجل حل الأزمات الاقتصادية في بلادهم. في غضون ذلك، اتخذ لبنان موقفاً متشدداً من سوريا، رغم الحاجة الملحة إلى تعزيز علاقاته مع سوريا. وهذا الموقف المتشدد للبنانيين تجاه سوريا لا يقتصر على رئيس الوزراء اللبناني. إذ ماذا تنتظر الأجهزة الأمنية اللبنانية فيما تستأنف أجهزة المخابرات الدولية والعديد من أجهزة المخابرات حول العالم علاقاتها الأمنية العامة مع سوريا؟ هل ينتظرون القرار الأمريكي ليأذن لهم بالمصالحة مع سوريا أو بمقاطعة هذا البلد؟ ألا يعلمون أن سوريا تحتل مكانة عالية الآن وفي المستقبل غير البعيد ستتعامل مع هذا البلد كقوة منتصرة على الساحة الإقليمية والعالمية؟
ما يجب أن تنتبه إليه الحكومة اللبنانية والمسؤولون اللبنانيون هو أن سوريا، بعد كل ما شهدته من خيانات من الدول العربية، ما زالت تفتح ذراعيها لأشقائها من دول الجوار ومستعدة لمساعدتهم. وتشير الدلائل إلى أن هناك بلا شك فريق منتصر في المنطقة، وأنه محور المقاومة والدول التابعة لها. لكن الفريق الخاسر في المنطقة ينقسم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى هي الأطراف التي سعت منطقيًا لتعويض خسائرها والاستعداد للمعارك القادمة على الأقل. لكن المجموعة الثانية هم أولئك الذين لا يتخذون أي إجراء من أجل مستقبلهم بغض النظر عن التطورات في المنطقة وينتحرون رسمياً.
لكن السؤال الذي يطرح على اللبنانيين اليوم هو من أي الخاسرين يودون أن يكونوا؟ في وقت تتسارع فيه وتيرة التغيير في المنطقة ولا شك أن بوابة لبنان هي الأولى للخروج من الأزمة الاقتصادية هي سوريا. لكن نجيب ميقاتي ينتظر الآن إشارة السعودية للتفاعل مع سوريا ولا يفعل شيئًا آخر. وذلك بينما انتهجت المملكة العربية السعودية سياسات متناقضة تجاه دول مختلفة، بما في ذلك إيران والإمارات وروسيا والصين والولايات المتحدة، وكذلك سوريا، ومع لبنان؛ فهم يومًا معه ويومًا آخر ضده. ونتيجة لذلك فإن ثقة لبنان تجاه مثل هذه السياسة ستضر بمصالحه. على الأرجح لم يتوقع نجيب ميقاتي أن تبدأ حكومته العمل بهذه الطريقة، لا سيما في مجال القضايا الاقتصادية والاجتماعية، الواقع الذي تواجهه حكومة ميقاتي الآن هو أنه لا يمكن أن يكون هناك أمل في الوقت الحالي بوعود المساعدات الخارجية للبنان. كما أن جهود نجيب ميقاتي خلال زيارته لفرنسا لإرضاء السعوديين باءت بالفشل ولم يستطع تغيير موقف السعودية تجاه لبنان. وتفيد مصادر سياسية بأن ما أراد نجيب ميقاتي أن يحصل عليه من السعودية عبر البوابة الفرنسية قبل الانتخابات النيابية اللبنانية لم يتحقق، وظل موقف الرياض من الأزمة اللبنانية سلبياً ومبهماً. لهذا السبب لا يمكن الاعتماد على السعودية في المرحلة المقبلة، لأنه في الوضع الحساس الحالي في المنطقة، فإن هذا البلد لا يهتم إلا بمصالحه ولا يهتم بلبنان. لكن نجيب ميقاتي لا يزال ينتظر إشارة وإشارة إيجابية من السعوديين، وفي هذه الأثناء تضيع كل الفرص التي تواجه لبنان، بما في ذلك العلاقات مع سوريا. لذا فإن نجيب ميقاتي يواجه أسابيع حرجة، ومن الواضح أن انتظار السعودية لاتخاذ موقف من لبنان لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الأزمة.