الوقت - مع تصاعد التوترات بين المقاومة الشعبية الفلسطينية والكيان الصهيوني، شهدت حدود قطاع غزة زيادة في التوترات في الأيام الأخيرة. توترات على الحدود الجنوبية لفلسطين المحتلة مع قطاع غزة واشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي وإصابة العشرات منهم في أعقاب هجوم عسكري إسرائيلي، كثفت الصواريخ المتبادلة عمق الغموض والتوترات في الفضاء السياسي للاحتلال.
كل المؤشرات تدل على أن حرب سيف القدس 2 باتت وشيكة، وأن المقاومة جاهزة تماما لاستهداف أعماق إسرائيل. لكن الكيان الصهيوني، كما تبين، يخالف مرة أخرى كل وعوده والتزاماته برفع الحصار عن غزة وإعادة بناء المنطقة، الأمر الذي أثار غضب الرأي العام الفلسطيني. مصر، المعروفة باسم الوسيط التقليدي للصراع بين غزة والصهيوني، تواصل دعمها الكامل للكيان الصهيوني، كما كانت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، كما فشلت رحلة عباس كامل إلى غزة لزيادة الضغط على الفلسطينيين لعدم الاحتجاج على نقض تعهدات تل أبيب. في الوقت نفسه، تحاول وكالات الدعاية الإسرائيلية أن تنسب الاستفزازات الأخيرة إلى جماعات المقاومة. وكتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عنوانها الرئيسي أن تقييم الدوائر الأمنية الإسرائيلية لا يدع مجالاً للشك في أن حماس تستعد لجولة جديدة من الاشتباكات مع إسرائيل، وأن يحيى السنوار قرر استئناف المواجهة العسكرية مع تل أبيب. وزعمت الصحيفة أن تحرك القائد العسكري لحركة حماس في قطاع غزة كان بسبب تقلص شعبية الحركة، وخاصة أن سكان المنطقة المحاصرة يتعرضون لضغوط اقتصادية شديدة.
الزخم لبدء الحرب في غزة
تشكل دوافع تل أبيب لبدء جولة جديدة من التوترات على حدود قطاع غزة عنصرين من مكونات النظرة الصهيونية التقليدية لمجموعات ومؤسسات العسكرية المقاومة، فضلاً عن تأثير التطورات الجديدة على الصراع الفلسطيني الصهيوني. في البعد الأول، يمكن الإشارة إلى أن جميع رؤساء وزراء الكيان الصهيوني في فترات مختلفة من حكمهم يعتبرون الدافع الرئيسي لبدء عدة حروب مع المقاومة الفلسطينية تخفيفًا مؤقتًا للضغوط الشديدة لليمين الصهيوني ولكسب الانتخابات الداخلية. يحاول اليمينيون ذوو النفوذ الكبير في المجتمع الصهيوني بأقصى مطالبهم جعل إسرائيل دولة موحدة في جميع الأراضي المحتلة وتجاهل الجنسية الفلسطينية في أراضيهم. من ناحية أخرى، فإن الكيان الصهيوني، بعد الهزيمة الأخيرة في حرب غزة والانخفاض في معادلات الردع ضد المقاومة الفلسطينية، توجه للتحركات الحدودية والاعتداءات الأخيرة في غزة، حيث يسعى لإحياء الثقة المفقودة في الجيش الإسرائيلي والجمهور الداخلي في أعقاب عملية غزة الأخيرة. لذلك، في ظل هذه الظروف، يمكن القول إن الهجمات الصاروخية والعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة هما للاستهلاك الداخلي هي لإقناع المستوطنين الصهاينة بأن المؤسسات العسكرية الإسرائيلية لا تزال لديها زمام المبادرة في عملية مواجهة مجموعات المقاومة. إضافة إلى ذلك، هناك استياء فلسطيني عارم من أداء السلطة الفلسطينية واليد الفارغة لرئيسها محمود عباس خلال مسيرة ثلاثين عامًا من محادثات المصالحة مع إسرائيل والتنسيق الأمني والعسكري مع الكيان ، والتي تتجلى حاليًا في احتجاجات شعبية ضد السلطة الفلسطينية، ما زاد من عمق الأزمة في الأراضي المحتلة. في غضون ذلك، يتفق إجماع مراكز الفكر والشخصيات السياسية الصهيونية على أن أبو مازن هو مفتاح الأمن الداخلي لإسرائيل، وأن موقفه المهتز سيؤدي إلى تفاقم الوضع الداخلي في فلسطين.
معوقات أمام التشدد الصهيوني في غزة
إن نشر تقارير متكررة لمصادر سياسية وإعلامية إسرائيلية حول ضرورة اغتيال قيادات حركة المقاومة الإسلامية وتعزيز معادلة الردع على حدود قطاع غزة يظهر جمود الكيان في تعامله مع فصائل المقاومة. وفي هذا الصدد، دعا ديفيد بيتان، عضو الليكود بقيادة نتنياهو، إلى اغتيال زعيم حماس يحيى السنوار في قطاع غزة. وأضاف بيتان "علينا اغتياله حتى لو أدى اغتياله إلى حرب أخرى ليس لدينا خيار آخر". تُظهر تصريحات هذا المسؤول الصهيوني حجم الجمود الذي واجهته تل أبيب في تعاملها مع حماس، وفي الجولة الأخيرة من هذه الصراعات، كما في العهود السابقة، تعرضت لهزيمة عسكرية ونفسية غير مسبوقة، انتهت في نهاية المطاف بشكل غير مباشر، وانتهى معها حكم نتنياهو في الأراضي المحتلة. تشير التحليلات والمعلومات المتوافرة حول المؤسسات الأمنية التابعة للكيان الصهيوني إلى أن الكيان وصل إلى طريق مسدود أمام حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية بمختلف أبعادها. وفيما يلي ثلاث من القضايا العالقة بين الكيان الإسرائيلي وحماس:
أولاً، على الرغم من أن صناع القرار العسكري الإسرائيلي، مثل خبراء الأمن الآخرين في العالم، يعتقدون أن صراعًا عسكريًا كاملًا ممكن فقط من خلال القوات البرية، فقد خلص الجيش الإسرائيلي إلى أنه من المستحيل احتلال قطاع غزة ودخول المشاة المنطقة، لأن عدد ضحايا المحتلين سيكون مرتفعا جدا ولن تكون إسرائيل قادرة على مواجهة التداعيات الاستراتيجية الإقليمية والاقتصادية لمثل هذا العمل.
ثانياً، أصبحت مشكلة أنفاق المقاومة من المشاكل الرئيسية في تل أبيب. نقل ألون بن دافيد، المحلل العسكري في تلفزيون إسرائيل 13، عن مصادر أمنية وعسكرية رفيعة المستوى قولها إن حماس حفرت عددًا كبيرًا من الأنفاق حتى في عمق الأراضي الإسرائيلية منذ عام 2014، ما قد يؤدي إلى أزمة أمنية حادة في حالة حدوث حرب واسعة النطاق.
ثالثًا، عدم وجود عمق استراتيجي هو إحدى المشاكل الأمنية لإسرائيل، حيث يمكن لمجموعة محاصرة مثل حماس إيصال الصواريخ إلى جميع أنحاء الأراضي المحتلة. هذا، إضافة إلى عدم قدرة أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية على الرد على هذه الهجمات، كما يتضح من تجارب الحرب السابقة، ونفاد صبر الجمهور الصهيوني من آثار الحرب الشاملة، فاقم من عمق مشاكل إسرائيل عند الحرب الجديدة.
تظهر نتائج المكونات أعلاه أنه بالرغم من سعي إسرائيل لإحياء معادلاتها الرادعة القديمة، أنه لا يوجد مؤشر إيجابي على عدم تكرار سيناريوهات الحرب السابقة في فشل أنظمة الدفاع وسقوط صواريخ المقاومة في المراكز الاستراتيجية لإسرائيل، وإغلاق مطاري بن غوريون في تل أبيب ورامون يجعلون من المستحيل حماية 6 ملايين مستوطن صهيوني. كما تظهر تحليلات خبراء صهاينة أن إسرائيل، على الرغم من عدوانها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، ليست مستعدة حاليًا لخوض حرب جديدة وتسعى لاختبار الصبر الاستراتيجي للمقاومة.