الوقت- أشار تسريب نحو 12 مليون ملف لما يدعى بوثائق "باندورا" إلى الثروة العظيمة للملك عبد الله الثاني حيث تشير التسريبات إلى أن العاهل الأردني كان من بين 35 من القادة الحاليين والسابقين الذين استخدموا شركات وهمية سرية خارج الحدود (أوفشور) لإخفاء ثرواتهم. وكشفت عن تكوينه امبراطورية من الممتلكات بين العامين 2003 و 2017 تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار.
أظهرت وثائق مالية في واحد من أكبر التسريبات على الأطلاق نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بعنوان "وثائق باندورا " قيام عدد كبير من قادة الدول بإخفاء مئات ملايين الدولارات عبر شركات خارجية بهدف التهرب الضريبي. ومن أبرز الشخصيات التي تكلمت عنها تلك الوثائق المسربة كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي وحسب الوثائق أنشأ ما لا يقل عن ثلاثين شركة خارجية في ملاذات ضريبية واشترى عقارات فخمة في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بما يزيد على مئة مليون دولار وتشمل القائمة ثلاثة منازل مطلة على المحيط في ماليبو بولاية كاليفورنيا الأمريكية بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني، وممتلكات في لندن وأسكوت في المملكة المتحدة. وحسب أحد المعارضين الأردنيين إن الملك عبد الله يبدو وكأنه يحكم الأردن عن طريق “التحكم عن بعد”، وقال موظف حكومي سابق لبرنامج بانوراما إنه يقضي ما بين أربعة إلى ستة أشهر في العام خارج البلاد.
في حين اعتبر الديوان الملكي التسريبات تهديداً لأمن الملك عبد الله الثاني وأسرته، وقال إنه يحتفظ بحق اتخاذ إجراءات قانونية !! و أضاف الديوان في بيان له بأن العاهل الأردني يمتلك عددا من العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة و هذا ليس أمراً جديدا. ولكن الأمر المثير أن بيان الديوان أوضح أن تكلفة العقارات المذكورة في التسريبات "وجميع التبعات المالية المترتبة عليها" جاءت من نفقة الملك عبد الله الخاصة !!
وحسب الصحفي الأردني مصعب الشوابكة، فإنه وقبل نشر التحقيق والوثائق التي تشير إلى أنشطة الملك عبد الله المالية، قام أغلب مزودي خدمة الإنترنت في الأردن بحجب موقع الاتحاد الدولي للصحفيين حيث عبر عن ذلك من خلال تويتر قائلاُ: حجب أغلب مزودي خدمة الانترنت في الأردن لموقع الاتحاد الدولي للصحفيين قبل نشر تحقيق صحفي بساعات ممارسة غير قانونية و غير أخلاقية، و تنم عن خوف و جهل، العالم اليوم قرية صغيرة. معتبراً أن هذا انتهاك للحق في المعرفة و حرية الصحافة و النشر.
تفاصيل و سرية تامة
اشترى الملك عبد الله بين عامي 2012 و 2014، أربع شقق في حي جورج تاون الراقي في العاصمة الأمريكية واشنطن. يقع المنزل المكوّن من سبع غرف نوم في منطقة تضم عقارات تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات، وتطل على المحيط الهادئ في شبه جزيرة بوينت دوم في ماليبو بكاليفورنيا. وتم شراء العقار بمبلغ 33.5 مليون دولار في عام 2014 من قبل شركة Nabisco Holdings SA، وهي عبارة عن شركة تتخذ من الجزر العذراء البريطانية مقراً لها. وكان مبلغ الشراء يشكل رقماً قياسياً في المنطقة في ذلك الوقت.
وقامت شركتان مختلفتان تتخذان من الجزر البريطانية مقراً لهما، بشراء المنزلين الواقعين على جانبي العقار في عامي 2015 و 2017، وتجري تغييرات إنشائية على العقارات الثلاثة لجعلها عقاراً ضخماً واحداً. وحسب مدون مجهول يكتب عن مبيعات عقارات المشاهير في كاليفورنيا حينها: “لقد مر أحدهم بجحيم من المتاعب للحفاظ على سرية ما قام به هنا. عموماً لا يحب الأثرياء الكشف عن هويتهم. لكن هذا المستوى من التعتيم المتعمد يتجاوز عمليا أي شيء شهدناه على الإطلاق”.
وقد استطاع ملك الأردن من الحفاظ على سرية ملكيته للعقارات، لأنه استخدم شركات تتخذ من الملاذات الضريبية مقرات للقيام بعمليات الشراء. وحرص الأشخاص الذين أنشأوا الشركات للملك على عدم إبراز هوية المالك، وأشاروا إليه في وثيقة داخلية واحدة باسم “أنت تعرف من”
وتظهر “وثائق باندورا” أن الشركات الثلاث هي من بين الشركات التي يمثلها مكتب محاماة في بنما، وجميعها مملوكة خفية للملك الأردني. وتظهر الوثائق أن مستشاري الملك، الذي يمنح جائزة سنوية للشفافية باسمه، لم يدخروا أي جهد لإخفاء ممتلكاته العقارية. وأسس المحاسبون والمحامون في سويسرا وجزر فيرجن البريطانية شركات وهمية نيابة عن الملك وصمموا خططا لحماية اسمه من السجلات الحكومية العامة وحتى السرية.
وعلى الرغم من قيام الجزر العذراء البريطانية بإصدار قانون في عام 2017 يتضمن إلزام مالكي جميع الشركات في الجزيرة بتسجيل عقاراتهم ضمن سجل داخلي تحتفظ به الحكومة إلا أن إحدى الوثائق تكشف أنه و بعد مضي ثمانية أشهر من تنفيذ " قانون نظام البحث الآمن عن المالك المستفيد" إلا أن عددا من شركات الجزر العذراء البريطانية و التي لها ارتباط مع الملك عبد الله بن الحسين لم تقدم البيانات المطلوبة للسلطات. و من جانب لآخر و باعتباره يحتل منصباً عاماً بارزاً إلا أنه لم يتم إدراج اسم الملك الأردني في قائمة الأسخاص المكشوفين سياسياً، بناء على الشرط الذي تخضع له الشركات المالية حسب قوانين مكافحة الفساد.
وقع هذه التسريبات على المواطن الأردني
جاءت هذه التسريبات في ظل موجة من الاحتجاجات التي يعاني منها الأردن ضد إجراءات التقشف الحكومي في السنوات الأخيرة و زيادات ضريبية و ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب و الافتقار لتحقيق التقدم في اصلاحات سياسية. وتشير محللة شؤون الشرق الأوسط أنيل شلين إلى أن هذه التسريبات يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الأردن.
مضيفة : "من الصعب جداً على المواطن الأردني العادي الحصول على الحد الأدنى من السكن والأسرة والوظيفة الجيدة". وأضافت: "مواجهة الأردنيين بخبر قيام الملك بتحويل الأموال إلى الخارج طوال هذا الوقت سيبدو سيئاً فعلاً".
وأشارت صحيفة نيويرك تايمز إلى أنه على الرغم من أن الحلفاء الغربيين ينظرون إلى المملكة الأردنية باعتبارها شريكاً رئيسيا في الحملة ضد الجماعات المتطرفة، وركيزة أساسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وجزيرة استقرار في منطقة مضطربة، فقد عصفت بها الصراعات الداخلية في الأشهر الأخيرة. إذ أثار سوء استخدام الأموال العامة، وارتفاع معدل البطالة، وسوء الاستجابة لوباء كورونا، غضب السكان وزاد من إحباط العائلة المالكة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن المحلل السياسي عامر الصبايلة قوله: "إن الكشف الجديد قد يكون حافزاً للناس للعودة إلى الشوارع".
وقال التقرير إن الأردن من أفقر دول المنطقة، ويعتمد على المساعدات الخارجية لدعم شعبه وإيواء ورعاية ملايين اللاجئين. وفي العام الماضي وحده، منحت الولايات المتحدة المملكة أكثر من 1.5 مليار دولار من المساعدات والتمويل العسكري، ووافق الاتحاد الأوروبي على تزويدها بأكثر من 218 مليون دولار لتخفيف المعاناة من جائحة كورونا.
و من الجدير بالذكر أن الأردن يتلقى مساعدات دولية كبيرة، و تعتبر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على رأس المانحين . وتعتبر الحكومة البريطانية واحدة من أكبر الداعمين مالياً للحكم في الأردن، حيث ضاعفت بريطانيا المبالغ التي تقدمها للأردن، لتصل إلى 650 مليون جنيه إسترليني على مدى خمس سنوات منذ عام 2019.
وفي 2012، و هو العام الذي اشترى فيه الملك أحد ممتلكاته الراقية في واشنطن، جاب الآلاف شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء الأردن للاحتجاج على إلغاء دعم الوقود، وهتف البعض ضد الملك.
وقبل ستة أشهر، وضع الملك عبد الله، أخاه غير الشقيق الأمير حمزة، قيد الإقامة الجبرية بعد اتهامه الأمير بالتآمر عليه. وسامح الملك الأمير، الذي تحدث في وقت سابق علانية ضد فساد الحكومة، لكن المحكمة سجنت لاحقاً اثنين من شركاء الأمير المزعومين.