الوقت_ بشكل واضح وصريح، أدانت جامعة الدول العربيّة في اجتماعها الوزاريّ مؤخراً، التدخلات التركيّة في الشؤون الداخلية للدول العربيّة، داعية أنقرة إلى وقف تدخلاتها والكفّ عن الأعمال الاستفزازيّة التي من شأنها تقويض بناء الثقة وتهديد أمن واستقرار المنطقة، مع تحفظ 4 دول هي قطر وليبيا والصومال وجيبوتي، ما أثار حفيظة الحكومة التركيّة التي بيّنت أنّ الاتهامات الموجهة إليها مرفوضة بالكامل ولا تستند إلى أي دليل حسب زعمها، وذلك في ظل الخطط والمؤامرات التركية التي كانت ومازالت تسعى إلى إشعال الكثير من الأزمات والصرعات العالم العربيّ.
رفضٌ عربيّ
عبر القرار العربيّ الذي جاء تحت عنوان "التدخلات التركيّة في الشؤون الداخليّة للدول العربية الأعضاء في الجامعة العربيّة"، عن رفضه وإدانته للتدخلات العسكريّة التركية في عدد من الدول العربيّة، حيث أدان العرب قيام الحكومة التركيّة بنقل مقاتلين إرهابيين أجانب للأراضي الليبية بما يشكل تهديداً خطيراً للأمن القوميّ العربيّ وللأمن والسلم الدوليين، وانتهاكاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
كذلك، أدانت الدول العربيّة العدوان والاحتلال التركيّ للأراضي السورية باعتباره خرقاً كبيراً لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو للحفاظ على وحدة واستقلال سوريا، وخاصة القرار رقم (2254)، ولكونه تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي وللأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى رفض وإدانة توغل القوات التركيّة في الأراضي العراقيّة واعتداءها على الأمن القومي العربيّ، مطالبين أنقرة بسحب جميع قواتها الموجودة على الأراضي العربيّة.
وبالتزامن مع مشاريع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحكومته التي تعمل على توسيع نفوذ تركيا والتعمق أكثر في البلدان العربيّة لكسب المزيد من المصالح والدعم والنفوذ على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، رحب المجلس الوزاريّ العربيّ بتشكيل لجنة وزاريّة عربية، بشأن التدخلات التركيّة السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربيّة، تتكون من مصر رئيساً وعضويّة كل من السعودية والإمارات والبحرين والعراق والأمين العام للجامعة، ومهمتها متابعة التدخلات التركيّة في الشؤون العربيّة ورفع توصياتها للمجلس الوزاريّ، كما وافق المجلس على إدراج بند التدخلات التركيّة في الشؤون الداخلية للدول العربيّة كبند دائم على جدول أعمال المجلس الوزاريّ العربيّ.
ردٌ تركيّ
غضبٌ تركيّ واضح بدا من الرد التركيّ على الإدانة العربيّة لتدخلات أنقرة في شؤون الدول العربيّة، حيث أعربت تركيا عن رفضها المطلق لما ورد في قرارات اجتماع وزراء خارجيّة جامعة الدول العربيّة، وتحدثت الخارجيّة التركية في بيان، أنّها ترفض كلياً ما أسمتها "الادعاءات التي لا أساس لها" الواردة في قرارات اجتماع مجلس وزراء خارجية جامعة الدول العربية تجاه تركيا، واصفة تلك الإدانات بأنّها “أمر لا قيمة له" لدى من أسمتهم الشعوب العربيّة الصديقة والشقيقة، والتي لم تترك أنقرة صاحباً لها منهم لا رسميّاً ولا حتى شعبياً، باستثناء الأحزاب الإخوانيّة الخانعة للإرادة التركيّة ومن لف لفها في العالم العربيّ.
وفي ظل التقارب المصريّ الذي يمكن أن ينعكس بشكل ايجابيّ على العلاقات التركيّة الخليجيّة والعربيّة ككل، بيّنت خارجيّة النظام التركيّ أنّ الإصرار على هذه المواقف التي لا تفيد أحداً، ولا تتماشى مع الخطوات الإيجابيّة التي تم اتخاذها في المنطقة في الآونة الأخيرة، وزعمت تركيا أنّها من خلال مواقفها "المبدئيّة والحازمة" تُعتبر في مقدمة الدول التي تبذل الجهد الأكبر من أجل الحفاظ على سيادة الدول العربيّة ووحدة ترابها واستقلالها، بيد أنّها وباعتراف الجميع دولة داعمة للإرهاب ومفرقة للعرب والمسلمين، ورأس حربة في جميع مشاريع التقسيم والخيانة وبالأخص عقب أحداث ما يسمى "الربيع العربيّ".
وحاولت تركيا عبر بيان خارجيّتها تبرير تدخلاتها بمكافحة ما قال إنّها "تهديدات محدقة" بأمنها القوميّ ومصالحها في إطار القانون الدوليّ، وكأن العدوان تركيا الباحثة عن النفوذ بشكل جليّ وعلنيّ في الأراضي العربيّة هو حق يجب تمجيده، وخاصة أنّها ذات تاريخ عثمانيّ إجراميّ حافل لا يمكن أن يُنسى أو يُمحى، والدليل على استمراريّة المخططات الراغبة بإعادة "الامبراطوريّة العثمانيّة" ما عرضته القناة التلفزيونية التركيّة حول خارطة النفوذ التركيّ المتوقع عام 2050، والتي شملت كل دول الخليج ومصر، ما أثار جدلاً واسعا بشأن الأحلام التركية التوسعيّة، وفضح بشكل واضح مشروع الهيمنة والنفوذ الذي ظلّ ينفّذ طوال السنوات الماضية سراً وعلانيّة.
كما يستغل حزب العدالة والتنميّة الإخوانيّ والرئيس التركيّ الذي ينصب نفسه حامياً للإسلام والمسلمين حول العالم، الانتماء الديني والجدل القائم بشأن مواجهة التطرف الإسلاميّ بوابة لتوسيع نفوذ تركيا وتحويل الأنظار بعيداً عن أطماعه السياسية والتوسعية، فمن يستطيع أن ينكر أو ينفي استضافة تركيا للعناصر التابعة للجماعات المتطرفة وتوفير ملاذ آمن لها على الأراضي التركية، وتمويل تركيا الدائم لمنصات إعلاميّة تحرض على استخدام العنف الزعزعة أمن واستقرار الدول العربية؟.
في الختام، أظهرت تركيا خلال السنوات الأخيرة انخراطاً متزايداً واعتداء سافراً على الدول العربيّة بدءاً من سوريا والعراق ومروراً بليبيا وليس انتهاءاً باليمن، لضمان موطئ قدم لها هناك والوصول إلى مصادر الثروات، وتحظى المنطقة المغاربيّة في شمال أفريقيا باهتمام تركي خاص سعياً إلى تعزيز مشروع النفوذ الاستراتيجيّ، ما يكشف طموحات أنقرة العسكرية القويّة في المنطقة بأكملها إضافة إلى توسيع التواجد التركيّ بشكلٍ جديّ في قارة أفريقيا.
بناء على كل ذلك، يجب على الجامعة العربيّة الخروج من شرنقة التحيز والضغوط من بعض الدول العربيّة، لإفشال كل المشاريع التي تُهدد المنطقة بأسرها، بعد أن فشلت الجامعة المشلولة في إيجاد أصغر الحلول لمآسي العرب و ويلاتهم، مع غياب أيّ دور إيجابيّ لها على الساحة العربية، وخاصة بعد أن غُيبت سوريا الصادحة بصوت الحق والمقاومة، إضافة إلى ضرورة السير بكل قوّة في تحسين العلاقات مع دول الجوار العربيّ وبالأخص الدول الإسلاميّة ومن بينها إيران وتركيا، لوأد نيران المشاريع الفتنويّة وإنهاء التوترات وإحلال السلام.