الوقت- تحاول المملكة العربية السعودية، كغيرها من الدول في الخليج الفارسي، أن تسن قوانين تساعد على توطين نسب كبيرة من الوظائف في البلاد، لتأمين فرص عمل للمواطنين والحد من ارتفاع نسب البطالة التي وصلت إلى أرقام قياسية في هذا البلد.
وتختلف نسب توطين المهن بين دول وأخرى في الخليج الفارسي، إلا أنها ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية في المملكة.
وتستند قوانين التوطين أو "السعودة" على رؤية 2030 التي وضعها محمد بن سلمان و التي تطمح لتنويع موارد الاقتصاد السعودي الذي يعتمد على النفط بشكل شبه كبير، لتشمل مناحي اقتصادية أخرى بينها السياحة والصناعة والصحة والاستثمارات المتنوعة، إضافة إلى قطاعات أخرى.
سياسة توطين الوظائف ليست جديدة على مناحي العمل في السعودية، إلا أن وتيرتها القانونية زادت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الثلاث الأخيرة وارتفعت بشكل أكبر مع تفشي وباء كورونا، الذي تسبب بأزمات على الاقتصاد العالمي، لا سيما الاقتصاد السعودي؛ مع انخفاض كبير في أسعار النفط بسبب قلة الطلب عليه، ما أثر على موازنة المملكة، إضافة إلى ارتفاع نسب البطالة بسبب الإغلاق الجزئي أو الكلي الذي فرض لعدة أشهر في السعودية.
تقرير أمريكي يظهر فشل الأمير
صدر مؤخراً تقرير أمريكي قلل من نجاح خطة ولي العهد محمد بن سلمان، في سعودة وظائف القطاع الخاص في المملكة، مشيراً إلى أن هذا الأمر غير منطقي.
وعزا التقرير الذي أعده سيباستيان كاستيلير لموقع “المونيتور” الأمريكي إلى أن هذه الخطة تحتاج إلى عاملين من أصحاب التخصص والخبرة الجيدة لتحقيق نمو حقيقي بدلاً من التوجه للسعودة التي قد تجلب عمالة محلية أقل خبرة.
وأوضح أن هذا الأمر يحتاج سنوات طويلة وتطوير التعليم في الجامعات، بخلاف ذلك سوف تصاب الشركات بالشلل والتخبط.
بمعنى آخر، بحسب المونيتور، الشباب السعودي ليس لديهم الخبرة المطلوبة التي تمكنهم من شغل الوظائف في القطاع الخاص.
وهذا يرجع بحسب التقرير إلى أن مستوى التعليم الحالي في الجامعات السعودية لا يرقى للمستوى المعلوماتي الذي يحتاجه القطاع الخاص في السعودية.
القطاع العام هو المشغل الرئيسي للمواطنين السعوديين منذ عقود. لكن هناك نقلة نوعية جارية نتيجة للنمو السكاني وخطر الركود أو التراجع التدريجي لعائدات النفط، المصدر الرئيسي الحالي للدخل للدولة.
خطط يومية فاشلة للأمير
أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، عن خطط لإطلاق صناعات كثيفة العمالة وما أسماه “سعودة وظائف” في مجالات أخرى.
ويهدف إلى معالجة معدل البطالة المرتفع – 11.7٪ في الربع الأول من عام 2021 – من خلال توفير فرص عمل جذابة في القطاع الخاص لأكثر من 250 ألف شاب سعودي يدخلون سوق العمل كل عام.
وفي هذا السياق قال طالب هاشم، العضو المنتدب في TBH، وهي شركة استشارية مقرها دبي متخصصة في التوطين، النسخة الإماراتية من السعودة: “لقد وصل القطاع العام في معظم دول الخليج إلى نقطة الإشباع”.
أي أن القطاع العام لم يعد يحتمل استيعاب العمالة السعودية التي تدخل إلى سوق العمل سنوياً.
ثمن الفشل سيكون باهظاً
يعد توفير وظائف للسعوديين هدفاً رئيسياً لخطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أجل تحويل الاقتصاد، وتهيئة أكبر دولة مصدّرة للنفط الخام في العالم لحقبة ما بعد النفط. وهذا يعني وضع حدٍّ لنظم التوظيف التقليدية في السعودية، حيثُ تهيمن العمالة الأجنبية على القطاع الخاص، وينجذب المواطنون إلى القطاع الحكومي، حيثُ ساعات العمل أقصر، والوظائف أكثر استقراراً، حسبما قالت وكالة Bloombergالأميركية. لم تعد الوظائف الحكومية كافية؛ بسبب وصول نسبة معدلات البطالة إلى 12.9%، وهي النسبة الأعلى منذ أكثر من 10 سنوات، وبسبب انضمام نحو ربع مليون شاب سعودي سنوياً إلى سوق العمل. ارتفاع نسبة الشباب بين السكان يعني أنَّ ثمن فشل الحاكم الفعلي للمملكة سيكون باهظاً، ولو لم تتوافر وظائف لعددٍ كبيرٍ منهم، فقد يتراجع الدعم الذي يحظى به بن سلمان، أو حتى يواجه معارضةً في المملكة.
خطة مناسبة ولكن غير مدروسة
سبق أن تعهد ولي العهد بإنهاء اعتماد الاقتصاد على المغتربين وذلك في أقل من عقد، وهو توقيت مناسب لإيقاف مخاطر القنبلة الديموغرافية الزمنية المتمثلة في الشباب. لكنَّ تطبيق الحكومة إجراءاتٍ تقشفية؛ كفرض ضريبة القيمة المضافة ورسومٍ إضافية على العمالة الوافدة مع تقليل الدعم، يدفع الشركات لإقالة العمالة وليس توظيفها. ويعد توظيف السعوديين عبئاً على بعض الشركات التي تعتمد على عمالةٍ أرخص من باكستان والهند ومصر واليمن. غراهام غريفيث، كبير المحللين بشركة Control Risks في دبي، يقول إنَّ المحال الصغيرة بالتحديد هي التي ستعاني من أجل تطبيق أهداف المملكة، وقد تُغلق أبوابها. ويضيف: «القطاع الخاص في السعودية بوضع حرج للغاية. فالاقتصاد واقع تحت ضغوط شديدة؛ إذ ارتفعت الضرائب والرسوم، وتكاليف العمل والخدمات في ازدياد». يبدو للعديد من المغتربين أنَّه حان وقت العودة إلى أوطانهم، لاحقين بمئات الآلاف الذين غادروا بالفعل.
كما تجدر الإشارة إلى أنه هناك 8 ملايين عامل وافد بينهم 86% منهم في وظائف متدنية لا تصلح للسعوديين، وهذا يعني أن أي جهد أو مال يصرف في سعودة هذه الوظائف المتدنية سيذهب عبثاً وهدراً وبدون طائل، ولهذا فإن أي جهد أو مال أو قرارات تستهدف سعودة هذه الوظائف، ومنها بالذات قرار فرض رسوم عمالة على العمالة الأجنبية، هي قرارات فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
السعودة الوهمية والبطالة أكبر من المعلن
نشط أخيرا وسطاء يسوّقون بطاقات أحوال مدنية لمواطنين عاطلين عن العمل ومعوقين من ذوي الاحتياجات الخاصة وطلاب عبر أكبر مواقع التسويق المعروفة، ويتم عرض تلك الأسماء على رجال أعمال وأصحاب مؤسسات واقعة في النطاقين الأحمر والأصفر، بهدف تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية للوصول إلى نسبة السعودة المقررة من وزارة العمل في النطاقين الأخضر والأصفر. ويدعي هؤلاء المسوقون بأنهم "وسطاء خير"، مؤكدين أنهم يسوقون أسماء المواطنين برضاهم بل بطلب منهم أنفسهم، لأجل الحصول على راتب ما بين 500 و2000 ريال، وهو في منزله. ورصدت "الاقتصادية" من خلال اطلاعها على مواقع تسويق معروفة بين أوساط المجتمع، إعلانات صريحة تحت عناوين "مطلوب سعودة"
وكل هذا يشير إلى أن الأرقام والبيانات المعلنة من قبل المركز الوطني للإحصاء أو من قبل وزارة العمل هي أرقام وهمية لا يمكن الاستناد عليها في اتخاذ قرارات جديدة أو المضي قدماً في تطبيق هذه الخطة، ولكن مع كل هذا ومع كل هذه التنبؤات يستمر الأمير في خططه يوماً بعد يوم غير مكترثاً بالنتائج التي قد تصل إليها الأمور فهو لا يهمه إلا الكرسي والمال ولا يكترث بأحوال المواطن السعودي.