الوقت - أكد زعيم التيار الوحدوي في الحزب الاشتراكي الموحد المغربي محمد الساسي، أن هناك مخاطر وصراعات تهدد إمكانيات الانتقال السلمي إلى الديمقراطية، معتبرا أن الانخراط في هذا الانتقال إلى الديمقراطية وقبول الحكم بالتنازل عن عدد من الامتيازات التي يتوفر عليها، ضروري من أجل ما وصفه بـ"إنقاذ" المغرب والقضية الديمقراطية والحيلولة دون الوصول إلى حالة تحلل مطلق.
وقال الساسي وهو يتحدث عن واقع الغموض الذي بات يعاني منه المشهد السياسي بالمغرب، إن المواطنين بدؤوا يخرجون إلى الشارع بكثافة، وهناك احتجاجات تشتعل هنا لتنطفىء في مكان آخر، كما كشف الساسي أيضا أن مجموعة من المغاربة وجدوا في الفضاء الرقمي، فرصة للتنفيس عن آلامهم وآمالهم، ويرى الساسي أن المغرب يجب أن يتوفر على آليات منظمة لتجنب “الصراع المتوحش”، الذي يكون من أهداف أحد طرفيه هو تصفية الطرف الآخر بصورة نهائية.
وأوضح الساسي وهو يعلق على سقف المطالب في البرنامج الانتخابي لفيدرالية اليسار، بأن هناك تجارب حكومية بينت عمليا صحة الأفكار التي كانت تنادي بها الفيدرالية، وأظهرت أنه لم نتخلص بعد من الحكومات شبه الصورية، والإسمية بالمغرب التي لا تمارس أدوارها وتفاجىء المواطنين بقراراتها.
وشدد الساسي على أنه سنبقى أمام حكومات يعد أصحابها قبل دخولهم لها ببرامج وأهداف، وبعد الخروج منها يتحججون بوجود إكراهات منعتهم من تطبيق وعودهم، قائلا: “لقد وصلنا إلى مرحلة يجب أن ننهي هذه الدورة من الوعود التي يقول أصحابها عندما يصلون إلى الحكم، لم تتح لنا الوسائل ولم نتوفر عليها من أجل تطبيق برامجنا الحكومية”.
وأضاف الساسي أنه إذا لم نكسر هذه الدورة والحلقة المفرغة سوف نصل إلى نوع من التحلل المؤسسي المطلق، وستدفع المواطنين مثل هذه الممارسات إلى عدم الاهتمام بالسياسة والانتخابات، لأنه في حال صعود أي حزب، فالبرنامج السياسي الوحيد الذي يطبق هو برنامج الدولة، السابق في ميلاده وصوغه على لحظة الانتخابات، وبعد تحمل المسؤولية الحكومية يستمر برنامج الدولة، وكما دخل الحزب إلى الحكومة يخرج منها، ويضيف الساسي، كنا دائما نشدد على ضرورة الربط بين الجانب المؤسساتي والجانب الاقتصادي والاجتماعي.
تأكيدات الساسي تأتي في وقت لم يعد يفصل إلا ايام قليلة عن موعد حسم السباق الانتخابي البرلماني والمحلي(8 سبتمبر)، وفي وقت تتبارى فيه الاحزاب ببرامجها الانتخابية التي تضمنت غالبيتها تصورات لتفعيل النموذج الاجتماعي الذي امر به ملك البلاد.
تعتبر الانتخابات بشكل عام، لاحقة لطبيعة النظام السياسي الذي تجري فيه و خاضعة لقواعد ميزان القوة داخل المجتمع، ففي الحالة المغربية ان من يصنع المشهد العام و يؤثر فيه المؤسسة الملكية و تكنوقراطيها، بدليل أن المغرب لم يقطع بعد مع الدساتير الممنوحة، فدستور 2011 رغم أنه انبثق بعد حراك شعبي قادته حركة 20 فبراير، إلا أن القوى السياسية الفاعلة على الأرض لم تنجح في تحقيق أهم مطلب لها، وهو تعديل الدستور بالاعتماد على هيئة تأسيسية منتخبة من قبل الشعب، مهمتها وضع الدستور و تحديد السلط و دور المؤسسات بمعنى تنظيم و توزيع مراكز القوى داخل المجتمع بالتساوي و دون طغيان مؤسسة على باقي المؤسسات. و لعل فشل حراك 20 فبراير في القطيعة مع الدساتير الممنوحة هو الذي دفع أغلب النشطاء والهيئات إلى مقاطعة دستور 2011، و قد أبانت تجربة السنوات اللاحقة صدق مطالب حراك 20 فبراير.
فالمشهد السياسي المغربي عشية انطلاق الحملة الانتخابية لانتخابات 2021 أقل ما يقال عنه مشهد سريالي، ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد أزمة صحية و اقتصادية و اجتماعية خانقة، نجد أن النظام السياسي المغربي يقدم على إجراء الانتخابات في موعدها، و الاستمرار في تدوير نفس الوجوه السياسية ، بل إن أغلب هذه الوجوه التي تحملت مسؤولية إدارة الشأن العام محليا أو وطنيا تحوم عليها شبهات فساد، و بعضها متابع في قضايا اختلاس المال العام، و لازالت القضايا تنظر أما المحاكم المختصة، و بعضها متهم في التلاعب في سعر البنزين و اختلاس مليارات الدراهم من جيوب المغاربة، بل إن الجميع يدرك أن ما يحدث نوع من العبث.
نحن بعد نحو عقد على تبني دستور 2011، اتضح للجميع بأن الأمور زادت سوءا، و أن البرلمانين اللذين تعاقبا منذ ذلك الحين، ظلا مشلولان بل تم استخدامهما في مواقف لا نضالية تماما، منها إدانتهما لحراك الريف، الحكومتان اللتان تعاقبتا أيضا، الأولى برئاسة السيد “عبد الله بنكيران” والثانية برئاسة السيد “سعدالدين العثماني” لم تكونا تعبيرا عن الإرادة الشعبية بتاتا، وكانتا لعبة في يد الماسكين الفعليين بمفاتيح السلطة و الثروة في البلاد.
كما أنه في هذا العقد تراجعت الحريات العامة، و تم كسر أقلام صحفية حرة و قبر منابر إعلامية نزيهة، و تم اعتقال صحفيين ونشطاء ومدونين، تم اعتقال أبناء الريف، تضخمت الأسعار بشكل فاحش، أصبح ثلث المغاربة يعيشون تحث خط الفقر، تدمير الطبقة الوسطى ، فاصبح المغرب منقسم لطبقتين طبقة تملك كل شيء وهي القلة و طبقة لا تملك أي شيء و هي الأغلبية، و تعمق الوضع و تأزم أكثر نتيجة لضرب القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاع معدلات البطالة، وانهيار المنظومة الصحية ، وفشل السياسات التعليمية..
وجاءت جائحة كورونا لتكشف أن ما يتم الترويج له من” نموذج تنموي ” و“الديموقراطية المغربية” و“الاستثناء المغربي” ليست إلا مساحيق تجميل جاءت أزمة كورونا لتزيلها، و ظهر وجه المغرب المشوه اقتصاديا و سياسيا.
فالمغرب يعيش في قلب أزمة خانقة: أزمة ثقة في المؤسسات السياسية، أزمة شرعية، أزمة فشل في تحقيق أي إنجاز. فما الجديد الذي يطرحه أزيد من 30 حزبا حتى يصدق غالبية المغاربة أن المتقدمين للانتخابات سيغيرون كفة الأمور للأحسن؟.
الانتقال الديمقراطي وانقاذ الديمقراطية بحاجة الى مجتمع مدني. فالمجتمع المدني في المغرب يعتبر مجتمعًا نخبويًا بامتياز؛ حيث لم يتجذر بعد ليصبح واقعًا جماعيًا برغم كافة الإنجازات التي حققها، خاصةً في مجال حقوق الإنسان. كما لا يشكل المجتمع المدني المغربي بنية مستقلة حتى أنه يعد «مجتمعًا مفبركًا» إلى حد ما نتيجة ظهور مجموعة من منظماته بقرار فوقي دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية وطبيعة البيئة المحلية، مما أفرز مفهومًا غامضًا من الناحية النظرية، وغائبًا تقريبًا من الناحية العملية. هكذا، لا يؤثر المجتمع المدني في المجتمع السياسي بشكل عام، حيث يظل موجهًا ومتحكَمًا فيه بشكل كبير، ما يجعل منه مجتمعًا غير فاعل لا يتجاوز مرحلة الانتقاد في أحسن الحالات، ولا يؤثر في عملية اتخاذ القرار السياسي وصناعة السياسات العامة، فأغلب مؤسسات المجتمع المدني في المغرب تابعة للسلطة بشكل أو بآخر.
ورغم إجرائها وفق معايير تقنية وقانونية سليمة إلى حد كبير، لم تُسهم الانتخابات في المغرب في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، وتم إفراغها من مضمونها منذ انتخابات 2011 التشريعية إلى درجة لا يمكن معها الفصل بين العمليات الانتخابية ومشكلات الانتقال غير المكتمل. وإضافة إلى غياب مجموعة من عناصر البيئة السياسية والقانونية السليمة الواجب توفرها قبل إجراء الانتخابات، فإن العديد من المؤشرات، أوضحت أن هناك نية لاستغلال نفوذ النظام السياسي المغربي لتوجيه إرادة الناخبين وضبط مخرجات انتخابات 2016 تحديدًا، بما يخدم مصالحه ورهاناته.
وإذا كانت كل مرحلةِ انتقال ديمقراطي تُنتج معجمَها الخاص وأبجدياتها القانونية والتنظيمية، كما تفرز فاعلين جدد في الميادين السياسية والاجتماعية، وتفسح المجال لتأكيد حضور فئات اجتماعية جدية على غرار المرأة والشباب، فإنه يمكن القول أنه من بين مؤشرات فشل الانتخابات في المغرب ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ما اتضح في تشكيلة الحكومة في أكتوبر 2020، حيث لم تتعد نسبة حضور المرأة في هذه الحكومة سبع عشرة بالمئة، ما يخالف مقتضيات الدستور المغربي الذي يؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة، ويجعل المرأة المغربية بعيدة كل البعد عن صنع القرار السياسي، خاصة في ظل عدم تقلد الوزيرات المعينات مناصب ما يعرف بوزارات السيادة أو حتى وزارات القطاعات الاستراتيجية.
وبالتالي لم تتهيأ الشروط اللازمة لتحقيق الغايات المرجوة من وراء تنظيم الانتخابات، رغم إجراءها وفق معايير تقنية سليمة، وعلى ما يبدو تم توظيفها كأداة للتحكم لا كوسيلة للتغيير؛ ما أدى في النهاية إلى عدم اكتمال الانتقال الديمقراطي في المغرب، فهل تعصف الانتخابات المرتقبة في المغرب بما تبقى من آمال التغيير والإصلاح؟