الوقت - تسببت الأزمة الاقتصادية في لبنان منذ عدة سنوات والانقسام السياسي الهائل الذي أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي واضطراب الحياة اليومية للبنانين هذه الأيام، ووفقًا للبنك الدولي، فإن الأزمة المالية على مستوى المعيشة في لبنان، يمكن أن يجعل أزمة لبنان من بين أسوأ ثلاث أزمات مالية منذ منتصف القرن التاسع عشر. فقد خسرت العملة الوطنية في البلاد أكثر من 90 في المائة من قيمتها منذ خريف عام 2019، وبلغت ذروتها مع إغلاق وظائف وانتشار البطالة. البضائع المستوردة التي كانت متوفرة بكثرة على أرفف المتاجر أصبحت الآن نادرة. قال البنك الدولي في 31 مايو / أيار إن الناتج المحلي الإجمالي للبلد المتوسطي الصغير الذي يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة انخفض بنسبة 40 في المائة العام الماضي (33 مليار دولار)، وهو انخفاض كبير عن عام 2018 (33 مليار دولار). وانخفض دخل الفرد أيضًا بنفس المقدار تقريبًا خلال هذه الفترة، ما أدى إلى إفقار أكثر من نصف السكان.
أزمة مياه غير متوقعة
حتى وقت قريب، ربما لم يخطر ببال أحد أن لبنان، الذي أطلق عليه "عروس الشرق الأوسط" بسبب مناخه المتوسطي والمعتدل، سيواجه يومًا ما أزمة مياه كبيرة، مع وجود أكثر من أربعة ملايين لاجئ في لبنان، وذلك وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن اليونيسف، حيث أن ملايين اللاجئين معرضون لخطر عدم الحصول على المياه الصالحة للشرب. مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بسرعة، مترافقة مع نقص التمويل والوقود والمعدات مثل الكلور وقطع الغيار، تقدر اليونيسف أن ضخ مقادير كبيرة من المياه سيتم إيقافها تدريجياً في جميع أنحاء البلاد خلال الأسابيع الأربعة إلى الستة المقبلة. وقالت ممثلة اليونيسف في لبنان، يوكي موكو، "قطاع المياه يتعرض للدمار بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان". في حالة انهيار نظام إمدادات المياه العامة، تقدر اليونيسف أن ميل الأسر لتوفير المياه من مصادر بديلة يمكن أن يؤدي إلى زيادة أسعار المياه بنسبة 200 في المائة شهريًا. بالنسبة لمعظم الأسر اللبنانية الضعيفة، ستكون هذه التكلفة غير محتملة - حيث تمثل 263٪ من متوسط الدخل الشهري. ووفقًا لتقييم اليونيسف وبناءً على البيانات التي تم جمعها من قبل مرافق المياه العامة الرئيسية الأربعة في مايو ويونيو 2021:
- أكثر من 71٪ من الناس في مستوى "حرج للغاية" ويهدد "الحياة".
- يحصل ما يقرب من 1.7 مليون شخص على 35 لترًا فقط من المياه الصالحة للشرب يوميًا، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 80٪ تقريبًا مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 165 لترًا قبل عام 2020.
- لم يعد بإمكان مقدمي خدمات المياه العامة توفير قطع الغيار الأساسية لصيانة ومعالجة معدات تنقية المياه.
- اعتبارًا من عام 2020، تضاعفت تكلفة مياه الشرب لكل زجاجة.
- أثر انقطاع التيار الكهربائي على أنظمة المياه ومعالجتها وضخها وتوزيعها.
- على المستوى الوطني، تبلغ نسبة المياه التي يتم خسارتها بسبب المشاكل التقنية حوالي 40٪، ويرجع ذلك في اغالب إلى نقص الصيانة والتوصيلات غير القانونية.
قالت "يوكي موكو"، ممثلة اليونيسف في لبنان: "في ذروة أشهر الصيف، ومع ظهور حالات COVID-19 الدلتا، قد ينهار نظام المياه العام في أي لحظة"، "ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية، لن تتمكن المستشفيات والمدارس والمراكز العامة من تقديم الخدمات وسيضطر أكثر من أربعة ملايين شخص إلى استخدام مصادر مياه غير آمنة ومكلفة، مما يعرض الصحة العامة للخطر".
أزمة الوقود أصابت حياة اللبنانيين بالشلل
الأزمة الاقتصادية في لبنان أدت أيضًا إلى نقص الوقود في البلاد، حيث أصبح اصطفاف طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الوقود من اجل بضعة لترات من الوقود أمرًا شائعًا. يستخدم العديد من اللبنانيين أيضًا مولدات خاصة تعمل بالديزل في حالات انقطاع التيار الكهربائي اليومية. ضرب نقص الوقود عمل المصانع والشركات في جميع أنحاء لبنان، مما يهدد الإنتاج والتسليم والنقل في البلد، ويعتبر قطاع التصنيع في لبنان أفضل وسيلة لتقليل اعتماد البلاد على الواردات التي لم يعد بإمكانها تحملها. بغض النظر عن أزمة الوقود، أدى ارتفاع التضخم وانكماش الأسواق المحلية وعدم القدرة على الوصول إلى الأموال المحجوبة في النظام المصرفي إلى إلحاق أضرار جسيمة بشركات التصنيع. يدعم البنك المركزي 90٪ من سعر استيراد الوقود بسعر الصرف الرسمي البالغ 1515 ليرة للدولار. في مواجهة انخفاض احتياطيات البنك المركزي والديون الخارجية الضخمة، وارتفاع أسعار الخبز المدعوم، وتراجع توليد الكهرباء ودعم واردات الوقود والأدوية والحبوب، ارتفعت تكاليف الدعم الحكومي إلى حوالي 500 مليون دولار شهريًا. حذر محافظ البنك المركزي رياض سلامة مرارًا وتكرارًا من أن دعم السلع الأساسية سينتهي بحد أدنى مطلوب للاحتياطي يبلغ 17 مليار دولار، ودعا الحكومة إلى ترشيد الدعم. الأمر الذي دفع حكومة حسان دياب المؤقتة إلى اللجوء إلى خيار رفع أسعار المحروقات في الأسابيع الأخيرة. ولكن بسبب المخاوف بشأن العواقب الاجتماعية والاقتصادية لارتفاع أسعار الوقود، لجأت الحكومة أيضًا إلى التوصل إلى اتفاق مع العراق بشأن واردات النفط. وعقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين البلدين، أعلنت وزارة النفط العراقية في بيان أنها ستسلم مليون طن من فائض النفط الثقيل من مصافي البلاد إلى لبنان سنويًا مقابل سلع وخدمات. الصفقة، التي تتراوح قيمتها بين 300 مليون دولار و400 مليون دولار، بحسب وزير الطاقة اللبناني ريمون قاجار، تكفي أربعة أشهر من استهلاك الوقود في البلاد. على الرغم من أن أنباء الصفقة لم تخفف طابور السيارات الطويل في شوارع لبنان للتزود بالوقود، إلا أنها قد تهدئ بعض المخاوف بشأن تدهور الأوضاع. ويبقى أن نرى ما إذا كانت عملية تشكيل الحكومة الجديدة ستكسر الجمود وتهيئ الظروف لإنهاء الكابوس الاقتصادي اللبناني، أم أن الاقتصاد اللبناني الغارق سيواجه أيامًا مضطربة أخرى في المستقبل.