الوقت- أدى تقارب أمريكا من الهند واعتمادها على الهند في تشكيل قوة تستطيع أن تقف في وجه التمدد الصيني وإعطائها دور الوسيط بين أفغانستان وحركة طالبان الإرهابية، وتهميش الدور الباكستاني لصالح الدور الهندي الى توتر العلاقات بين كل من واشنطن وإسلام أباد، مما دعا الأخيرة الى إقامة علاقات ودية مع روسيا والصين حيث أدت الخطوة الباكستانية هذه الى تأجيج التوتر الى أعلى مستوياته بين كل من واشنطن وإسلام أباد.
حصل التقارب الباكستاني الروسي في الفترة الأخيرة على خلفية توجه واشنطن الى إيجاد شراكة حقيقية مع الهند على حساب علاقتها مع باكستان، وتوصل المسؤولون الباكستانيون الى قناعة بأن الأمريكيين غير جديرين بالثقة وغير جديين في محاربة الجماعات المتطرفة التي أصبحت تهدد الداخل الباكستاني، بالإضافة الى فشل المسؤولون الباكستانيون في إقناع حليفهم الأمريكي بالتوقيع على اتفاق نووي مماثل للذي تم توقيعه مع الهند لتتخلص إسلام أباد من عبیء العقوبات التي أثقلت كاهلها وأطاحت باقتصادها.
في المقابل تسعى روسيا الى جذب العدو القديم لطرفها من خلال إغراءات اقتصادية وتجعلها تعيد النظر في علاقتها مع حليفها الاستراتيجي أمريكا، وطبعا قامت باكستان باستقبال الإشارات الروسية والتفاعل معها بشكل إيجابي مما دعا إسلام أباد الى الإعلان عن صفقة لشراء حوامات روسية من نوع (مي 35) والموافقة على مشروع خط الغاز الروسي الذي من شأنه أن يساعد باكستان كثيراً في تأمين إحتياجاتها من الغاز والطاقة.
أتت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني لواشنطن على خلفية قلق واشنطن من التقارب الروسي الباكستاني وأيضاً الطلب من واشنطن الموافقة على أن تلعب باكستان دور الوسيط في محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وإقناع الأمريكيين بزيادة المساعدات المالية بعد أن أصبحت شبه معدومة، ولكن التوقع الباكستاني كان بمحله من عدم جدوة هذه الزيارة إذ تطرق الرئيس أوباما الى الملف القديم الذي يزعج إسلام أباد وهو الترسانة النووية الباكستنية وطرق التعامل معها وهذا أيضاً عامل آخر يضاف الى العوامل التي تشجع إسلام أباد التوجه نحو موسكو.
تريد إسلام أباد بأن تظهر للأمريكيين بأنها قادرة على الإخلال بالتوازنات القائمة بحيث تسعى الى ترغيب الدب الروسي الى إعادة حضوره في أفغانستان بعد أن تلقطت إشارات بنيته العودة الى المنطقة وزيادة حضوره فيها وبذلك تكون باكستان وضعت روسيا وأمريكا في مواجهة مباشرة مع بعضهم البعض.
توتر العلاقات بين أمريكا وباكستان يعود بشكل طبيعي الى التقارب الروسي الباكستاني الذي من الممكن بأن يتوج بعلاقات اقتصادية واسعة في المجالين العسكري و الطاقة، إذ تريد باكستان أن تقول لأمريكا بأن دخول الهند الى خارطة الطريق الأمريكية واعتبار الهند حليف لأمريكا في المنطقة من شأنه أن يزيد من توتر العلاقة بين إسلام أباد وواشنطن ومن الممكن أن تصل العلاقة القوية التي كانا يتمتعان بها الى حد العداء.
في الواقع العلاقة بين باكستان وأمريكا وبين باكستان وروسيا تتأثر بمتغير وحيد وهو الهند التي تسعى أمريكا في الآونة الأخيرة الى إبرازه ودعمه للوقوف في وجه القوة الصاعدة اقتصادياً والتي تخطت مرحلة منافسة الاقتصاد الأمريكي الى حد تشكيل تهديد جدي بالنسبة للإدارة الأمريكية و توجه الإدارة الأمريكية الى الهند وتوتر علاقتها مع باكستان على خلفية توجهها الجدي نحو الهند من الممكن أن يكون له تبعات كبيرة على كل الوجود الأمريكي في المنطقة وخصوصاً في أفغانستان، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي هذا الى ملئ الفراغ الأمريكي من قبل روسيا وفقدان أمريكا لهيمنتها على دول آسيا الوسطى بعد الحروب التي شنتها في هذه الدول منذ أكثر من عقد من الزمن.