الوقت- من المعروف أن العلاقات التونسيّة - الإماراتيّة شهدت توتراً كبيراً منذ عدة سنوات، وتحديدًا منذ وصول حزب "حركة النهضة" الإخوانيّ إلى الحكم بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014، لدرجة أن الرئيس التونسيّ الأسبق، منصف المرزوقي، وصف هدية اللقاحات الإماراتيّة لبلاده قبل مدة بأنها من بلد "حقير"، عقب الإساءة التي أقدمت عليها أبو ظبي بحق الشعب التونسيّ، والذي وصفه الإعلام الإماراتيّ بـ "المحتاج"، وقد أثارت هذه القضيّة غضباً واسعاً في تونس، ومؤخراً كشف أحدث استطلاع رأيّ تونسيّ عن تنامي موجة العداء الشعبيّ تجاه التدخل الإماراتيّ والفرنسيّ في السياسة الداخلية لبلادهم، ويعود جزء كبير من المشكلة إلى التآمر الواضح والتغطيات الإخباريّة المُسيئة والمعادية التي تصدر عن الإعلام الإماراتيّ، وأظهر الاستطلاع الذي تم على مجتمع عينة من 1200 شخص، تراجعاً كبيراً بشعبية الرئيس التونسيّ، قيس سعيد، وزعيمة الحزب الدستوريّ الحر عبير موسي.
صنف التونسيون الإمارات وفرنسا بشكل سيئ نتيجة التدخل الأجنبيّ السلبيّ في سياسة بلادهم، حيث تبذل أبو ظبي جهوداً حثيثة لتوجيه السياسات الداخليّة والخارجيّة لبعض الدول من ضمنها تونس، بهدف بناء “نظام إقليميّ جديد” ينسجم مع إيديولوجيّتها، وبالنظر إلى الأنشطة الإقليمية الإماراتيّة الأخيرة، يمكن القول بسهولة إن سياسات أبو ظبي تتسبب بفوضى عارمة في المنطقة، وهذا ما يدركه التونسيون.
وتُعتبر الإمارات صاحبة مشاريع عسكريّة واقتصاديّة وسياسيّة خبيثة في الكثير من الدول، وتقدم دعماً ماليّاً وسياسيّاً لبعض الأفراد والجماعات والهيئات والكيانات وحتى الحكومات، حيث سعت منذ بدء ما سميّ "الربيع العربيّ" عام 2011، إلى تحييد الإسلام السياسيّ والدول المتحمسة خوفاً من أن يتأثر نظامها السياسيّ، وفي الوقت الذي لم تتخل فيه أبوظبي عن هذا الهدف الاستراتيجيّ بالنسبة لها، ركزت أيضاً على السياسة أكثر من التدخلات العسكريّة المحفوفة بالمخاطر، والعمل عبر جماعات وكيلة لها على الأرض.
وكما هو واضح فإنّ هذا الموضوع الخطير لم يمر على الشعب التونسيّ، وقد أثبت نتيجة الآراء المستطلعة ذلك، في ثماني مناطق في تونس ومن فئات عمريّة واجتماعية مختلفة، بهامش خطأ لا يتجاوز 2.5 %، حيث يعتقد 37.6٪ و27٪ من المشاركين في الاستطلاع على التوالي أن لأبو ظبي وباريس تأثيرا سلبيّاً كبيراً على بلادهم، و تهدف الإمارات بشكل أساس من مشاريعها، إلى تطوير علاقات منسقة ومستقلة مع القوى العالميّة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وإيجاد نفوذ ينافس نفوذ تيار الإخوان المسلمين والجماعات المحسوبة عليهم في المنطقة.
وفي ظل وعي الشعب التونسيّ لمدى التدخل الأجنبيّ وبالأخص الإماراتيّ في بلاده، كشفت مصادر تونسيّة مطلعة عن مخطط أعدته دولة الإمارات لاغتيال رئيس البرلمان التونسيّ وزعيم حركة النهضة الإخوانيّة، راشد الغنوشي، الذي أبلغ رسميّاً من وزارة الداخلية التونسيّة بوجود مخطط لاغتياله، وقد طلب الوفد الأمني من رئيس البرلمان أخذ المزيد من الاحتياطات الأمنيّة اللازمة، وأُطلع على تفاصيل حول مخطط محاولة الاغتيال والتدابير الواجب اتخاذها، وجرى خلال الاجتماع استعراض المحاولات المتقدمة من جانب الإمارات لإحداث الفوضى في البلاد وجرها للعنف، لكن وزارة الداخليّة أكّدت من جانبها أنها لن تسمح بأيّ محاولات من هذا القبيل.
يشار إلى أنّ الإمارات تعرضت لاتهامات كثيرة من قبل التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بمحاولة زعزعة استقرار البلاد ومعاداة تحرر الشعب التونسيّ من الاستبداد، واتُهمت أبو ظبي بأنّها تريد طمس التجربة الديمقراطية التونسيّة، وتحطيم استقرار ووحدة مؤسسات الدولة الحالية، وخاصة أنّ العلاقات الإماراتيّة - التونسيّة شهدت توتراً واضحاً عقب الثورة التونسيّة عام 2011، بالأخص مع وصول حركة النهضة الإخوانيّة للحكم، وقد بلغ هذا التشنج الدبلوماسيّ ذروته في 27 سبتمبر/ أيلول عام 2013، عندما استدعت الإمارات سفيرها في تونس، رداً على تصريحات الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، في الدورة الـ 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي طالب فيها بإطلاق سراح الرئيس المصريّ الإخوانيّ المعزول، محمد مرسي، أثناء الانقلاب العسكريّ في ذلك العام.
وفي ظل الوضع الداخليّ الهش في تونس، تتعرض الإمارات لتجريم كبير من قبل بعض المحللين والنخبويين والسياسيين، بقيادة "ثورة مضادة" لإفشال عملية التحول الديمقراطيّة في بلادهم، وهي الوحيدة الناجحة، بحسب ما يقول مراقبون بين دول عربية أخرى شهدت الموجة الأولى مما تُسمى "ثورات الربيع العربيّ" عام 2011، وهذا ما تدعي أبوظبي عكسه على المستوى الرسميّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ تونس تعيش خلافاً متفاقماً بين الرئاسات الثلاث منذ انتخابات عام 2019، والتي أسفرت عن برلمان منقسم ورئيس جديد على الساحة السياسيّة، ما أوجد حالة متصاعدة من الاضطرابات السياسيّة في الدولة الوحيدة التي خرجت بديمقراطيّة سليمة كما يصفها البعض، مما يُدعى "الربيع العربي" قبل ما يقارب الـ 10 سنوات، وقد وصل الخلاف إلى ذروته في وقت تحاول فيه الحكومة التونسيّة تجاوز الأزمة الاقتصاديّة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد.
وفي ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، قررت السلطات التونسيّة حظر نشاط طيران الإمارات في كل مطاراتها بعد يومين من قرار إماراتيّ بمنع التونسيات من السفر على متن خطوطها، الشيء الذي سبب توتراً كبيراً في العلاقة بين البلدين واستدعت تونس سفير الإمارات لديها، غير أن الأمر تم حلّه لاحقًا.
خلاصة القول، تحول الفتور الدبلوماسيّ وغياب التعاون بين الإمارات وتونس إلى عداء واضح و"حرب علنيّة" تريد الإمارات من خلالها إبعاد الإخوان المسلمين عن الواجهة، فيما تدل جميع المؤشرات على أنَّ العلاقات بين البلدين قد تتجه إلى حد القطيعة، أو على الأقل تجميد نشاطها فترة من الزمن، لحين العمل على وقف التدخلات الإماراتيّة بشكل نهائيّ في تونس.