الوقت- في الثاني من
نوفمبر من كل عام تحيي الشعوب العربية ذكرى وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه
بريطانيا الاستعمارية، حق إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أن الإحياء هذا
العام تزامن وحضور بريطاني جديد في المنطقة عبر وضع حجر الأساس وتدشين قاعدة بحرية
بريطانية في البحرين.
البحرين التي
تبحث عن أي موقف سياسي لشرعنة حكومتها، لم تتوان عن الخطوة الإستعراضية التي
تمثّلت بتدشين كل من وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ونظيره البحريني خالد
بن أحمد آل خليفة للقاعدة البحرية في ميناء سلمان في البحرين، لتكون بذلك أول
قاعدة بحرية عسكرية بريطانية دائمة في الشرق الأوسط منذ عام 1976.
بصرف النظر عن
الموقف البريطاني، لم يخجل الوزير البحريني عن التغنّي بالحضور العسكري البريطاني
في بلاده، مع العلم أن هذه الدول نفسها هي التي كانت محتلة لهذا البلد حتى عام
1971، موعد إستقلاله، لا بل أضاف الوزير خالد بن أحمد آل خليفة قائلاً: إن
"هذه الخطوة تعكس التعاون الوثيق بين البلدين الصديقين في المجالات كافة ومن
بينها المجال الأمني..المملكة المتحدة من الدول الرئيسة التي تسهم بنصيب ملموس في
تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم".
لا ندري عن أي
أمن يتحدث الوزير البحريني، فهل عن الأمن الذي حقّقته بريطانيا لشعوب المنطقة
عموماً، والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص عبر وعد بلفور المشؤوم، أم عن الأمن الذي
يتمتّع به الشعب البحريني بسبب الإجراءات القمعية للعائلة الحاكمة. إلا أن الأمر الذي نعلمه جيداً أن فلسطين قبل
وبعد بلفور هي ملك لشعبها العربي المسلم، وكذلك البحرين لا يمكن أن تبقى بيد عائلة
تضرب شعبها عبر المرتزقة سواءً قبل الحضور البريطاني أو بعده، فقد تعلّمنا منذ
الصغر أن الأرض ملك لأصحابها ولا مكان للمغتصبين عليها، مهما طال الزمن.
أبرز الأهداف:
حملت هذه الخطوة
التي تمّت بضوء أخضر أمريكي جملة من الأهداف أبرزها:
أولاً: تتقاطع
هذه الخطوة والسياسية العسكرية الأمريكية الجديدة التي بدأت في الفترة الرئاسية
الثانية لأوباما عام 2011، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية نيتها تبني سياسة
"إعادة توازن" تجاه آسيا تحت مسمى "الارتكاز الآسيوي" (Asian Pivot)، الذي بمقتضاه تصبح منطقة شرق آسيا المنطقة ذات الأولوية الأولى
للسياسة الأمريكية عالميًا، إلا أن هذا لا يعني ترك الساحة الشرق أوسطية دون أي
حضور أمريكي مباشر أو غير مباشر، فلا بد من حضور وكيل ينوب عن واشنطن، وبطبيعة
الحال بريطانيا أفضل الخيارات.
ثانياً: لا تخلو
هذه الخطوة من تقويض دور الإتحاد الأوروبي عبر جذب أحد أبرز دوله الغربية، فقد سعت
أمريكا منذ فترة طويلة لضرب الإتحاد وتفكيكه، أو إبقاء العلاقات حذرة بين دوله على
الأقل. ترى واشنطن أن الوقت الراهن فرصة ذهبية لضرب الإتحاد الأوروبي في الصميم
خاصةً أن المنافسة السياسية مشتعلة حالياً في بريطانيا بين الحملات المؤيدة للبقاء
أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي خلال الاستفتاء المزمع إجراؤه قبل نهاية 2017. أمريكا تسعى لسحب بريطانيا
من الإتحاد الأوروبي لأنه يشكل خطراً يهدد الإستقطاب والهيمنة الأمريكية
وإقتصادها. لم يكن النهج السياسي الخارجي الذي درجت بريطانيا على اعتماده، منذ
أعلنه ونستون تشرشل عقب الحرب العالمية الثانية، والذي غدا من ذاك الحين نهجاً
ثابتاً تبنته جميع الحكومات البريطانية المتعاقبة والمبني على مبدأ "العلاقات
الخاصة والمميزة" مع واشنطن ، عن بناء القاعدة العسكرية في البحرين ببعيد.
ثالثاً: بغد
غياب طويل عن المنطقة جرّاء الحضور الأمريكي، تسعى لندن اليوم للعودة إلى منطقة
غرب آسيا من جديد، وبالتحديد منطقة الخيلج الفارسي، لذلك تريد بريطانيا إقامة
قاعدة عسكرية جديدة في البحرين، لتكون أول قاعدة دائمة للدولة الأوروبية في الشرق
الأوسط منذ انسحابها من المنطقة عام 1971.
رابعاً: وعلى
الصعيد البحريني، تسبّب الإتفاق النووي بين طهران والدول الست بإمتعاض العديد من
دول مجلس التعاون وعلى رأسها البحرين. الإتفاق النووي أثار خشية آل خليفة من الدور
الأمريكي الذي قد يتنازل عنها عند أي مفترق طريق، خاصةً أن الحكومة البحرينية تدرك
جيداً أن مطالب الشعب البحريني السلمية تكفلها كافّة القوانيين الدولية، إضافةً
إلى عدم شرعية هذه الحكومة التي تعمد إلى التغيير الديمغرافي عبر سياسة التجنيس من
ناحية وسحب الجنسية من ناحية آخرى، لذلك عمدت المنامة إلى تعزيز علاقاتها مع لندن
مما أفضى إلى إتفاق على بناء القاعدة إلى بناء القاعدة العسكرية.