الوقت- حتى اللحظة لم يستطع العدو الصهيوني استيعاب الصدمة التي تلقاها جراء الخسارة الكبيرة التي مني بها في الحرب الأخيرة على غزة، وعلى هذا الأساس بدأ يناور على المستوى الاعلامي، ويدفع القنوات الناطقة بالعبرية لتلميع صورة العدو الاسرائيلي، وبدأ المسؤولون الاسرائيليون يلعبون على الوتر نفسه، وآخرهم كان بيني غانتس وزير الدفاع الاسرائيلي، الذي بدأ يُبعد الأنظار عن حرب غزة، ويتحدث بمناسبة انسحاب كيانه المذل من لبنان قبل 21 عاماً، ليهدد ويقول: " بأن الحرب المقبلة مع لبنان ستكون "في أرضهم"، وأن "أضرارها ستكون جسيمة ومؤلمة وواسعة النطاق".
وأضاف إن "إسرائيل ستكون على استعداد دائم للقتال من أجل حماية مواطنيها، وستستخدم دائما كل الوسائل المتاحة لها لإعادة أبنائها إلى الوطن في لبنان وغزة وفي كل مكان".
غانتس الذي يتحدث والذي يملك جيش كيانه أعتى الأسلحة الحديثة في العالم، لم يستطع ان يصمد أسبوعاً واحداً أمام صواريخ المقاومة الفلسطينية المحاصرة اساسا منذ عدة سنوات، كيف يمكن له اليوم أن يصمد أمام "حزب الله" الذي يملك أسلحة متطورة عشرات الاضعاف عن حماس، ولديه تجربة عسكرية أكثر نضجا، ولا ننسى أنه تلقى هزيمة لا يمكن محوها قبل 21 عاماً، وبالتالي فإن كلامه لا يتعدى كونه كلاماً فارغاً للاستهلاك الداخلي فقط وفي محاولة للملمة الخيبات التي مني بها.
في كلّ مرة تسجّل المقاومة نقطة انتصار على الاحتلال، تنطلق ماكينات الإعلام الموجّه أميركياً وصهيونياً في حملة تزييف للحقائق، إذ تنبري الأقلام المأجورة، وتتعالى الأصوات النشاز، في محاولة لإظهار أن الانسحاب يأتي بناء على رغبة "إسرائيل" ومصلحتها، وليس إرغاماً لها من قبل المقاومة. قد يكون هناك هدف إسرائيلي من ذلك الانسحاب، ولكن بالتأكيد كخطة بديلة لعدم قدرة الاحتلال على تحمّل الوضع الكارثي الذي صنعته ضربات المقاومة.
لقد بُنيت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي على فرضية أنّ العرب لن يتوقفوا عن مهاجمة "إسرائيل"، إلا إذا وصلوا إلى قناعة بأنهم غير قادرين على تحقيق أيّ انتصار عليها، وبأن من المستحيل إرغامها على التنازل عن أي شيء ما لم تقبل به بكامل إرادتها على طاولة المفاوضات.
إن الذين وصلوا إلى هذه القناعة من العرب، هم فاقدو الإرادة، وعديمو الثقة بأنفسهم وبقدرات شعوبهم، بخلاف مشروع المقاومة المؤمن بالانتصار، مهما طال الزمن، يحدوه في ذلك الأمل والثقة بالله أولاً، وبقوة الجماهير ثانياً على إحداث تغييرات جوهرية في موازين القوة المختلة لمصلحة الاحتلال.
بعد 21 عاما قضاها الجيش الإسرائيلي محتلاً جنوب لبنان إنهار في ليلة واحدة تحت الضربات القاسية لرجال المقاومة. ومن كان يتحدث عن فترة زمنية للإنسحاب اضطر لسحب جنوده تحت جنح الظلام تاركاً وراءه العملاء وسط تخبط في القيادتين السياسية والعسكرية.
الهروب المهين من جنوب لبنان كما يصفه مراقبون اسرائيليون استغلته على نحو ماهر قيادة المقاومة.
اليوم وبعد 21 عاماً على الانسحاب لا يزال هاجس الهزيمة يلاحق الجيش الإسرائيلي وقد قال قائد لواء غولاني أثناء الانسحاب العميد احتياط صموئيل زكاي "لقد خرجنا من لبنان لكننا نخشى ألا يخرج لبنان منا أبداً".
لا شك أن التحرير كحدث تاريخي جمع اللبنانيين، حيث احتفل خلاله ابن العاصمة وابن الشمال و الجبل مع ابن الجنوب في لحظة واحدة، متضامنين ومتكاتفين رافعين راية النصر الموحدة أنذاك في طرابلس وبيروت وعاليه، ويهتفون ويرفعون رايات الأحزاب اليسارية والإسلامية التي كان لها دور في المقاومة و صور سيد النصر والمقاومة، كما اكتسب الحزب جمهورا كبيرا في الدول العربية والإسلامية.
يمكن تلخيص ربيع التحرير على أصعدة عدة، أهمها الصعيد التاريخي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، تاريخيا أضاف لبنان الى تاريخه انجازا بارزا وهو تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي ودحره أقوى جيوش العالم من خلال مقاومة امتلكت العزيمة والإيمان، سياسيا بات للبنان دور مهما بالرغم من صغر حجمه وامكانياته وكما أصبح العدو يحسب ألف حساب قبل الإقدام على أي خطوة، أما اجتماعيا استطاعت المقاومة لفترة من الزمن توحيد اللبنانيين تحت شعار المقاومة لكن هذا الانصهار الوطني اندثر مع أحداث العام 2005، أما على الصعيد الإقتصادي استرجع لبنان مساحة جغرافية مهمة من أرضه، يمكن من خلالها أن يستفيد اقتصاديا من خلال الزراعة و الصناعة و السياحة، بعد أن كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.