الوقت- لطالما كان إصطلاحا حقوق الإنسان والإرهاب أكثر المصطلحات الاجتماعية والسياسية التي تفتقد لتعريف واحد وجامع وصريح على مستوى العالم، إذ أن لكل دولة في العالم تعريفها الخاص لهذين الاصطلاحين، الأمر الذي يتيح للدول الغربية وأمريكا اللعب على وتر هذه التعاريف فتارةً تصبح مقاومة الاحتلال والدفاع عن الحقوق المسلوبة إرهاباً، وتارةً أخرى يصبح ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابي في العراق رد فعل وحقاً مشروعاً.
هو التناقض الغربي ذاته، وهو ميزان العدالة الأمريكي المُعطل، هي روح الظلم والاستكبار التي تسكن البلدان الغربية، وهو الضمير الميت الذي يُحلل لصاحبه اقتراف أكبر الآثام وأهولها إرضاء لشهواته ورغباته. قد يتساءل القارئ لهذه السطور عن الحدث الجديد الذي دفع بي لكتابة هذه السطور؟ وإجابتي هي: إن طريقة تعامل الدول الغربية وأمريكا مع الاتفاق النووي الموقع بينها وبين طهران وسعي هذه الدول للتنصل من تبعات هذا الاتفاق واختلاق الذرائع المختلفة من أجل عدم الالتزام بتعهداتها دفعتني لكتابة ما كتبت. حيث شهد الداخل الأمريكي في الآونة الأخيرة عدة دعوات إلى استغلال ملف حقوق الإنسان لممارسة الضغوط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولفرض عقوبات جديدة على الشعب الإيراني.
بان كي مون و سامانتا باور وآخرون:
انتقد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال بيان صادر عنه قيام إيران بتنفيذ حكم الإعدام في حق مجرمين أدينا أمام القضاء الإيراني، وفيما اتهم بان كي مون طهران بنقض مواثيق حقوق الإنسان الدولية طالبها أيضاً بوقف تنفيذ حكم الإعدام ضمن البلاد، هذه الاتهامات تزامنت مع اتهامات أخرى صدرت عن سامانتا باور سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة أثناء لقائها بالناشطة الإيرانية المعارضة شيرين العبادي حيث شكرت باور ما أسمته "جهود العبادي لإيصال وضع حقوق الإنسان داخل إيران إلى مسامع العالم" وأكدت عزم أمريكا على متابعة ملف حقوق الإنسان في إيران، تصريح السفيرة الأمريكية واتهامها طهران بانتهاك حقوق الإنسان لم يكن الاتهام الأمريكي الوحيد من هذا النوع، حيث سبق تصريح السفيرة الأمريكية تقريرٌ صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بحقوق الإنسان حول العالم اتهم طهران بانتهاك حقوق الإنسان و"قمع الحريات الدينية."
وسائل الإعلام الأمريكية تدخل على الخط:
أخيراً وصل الدور إلى وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأمريكية لتقوم هي الأخرى بالتنظير للضغط على إيران عبر ملفات لا تتعلق بالملف النووي الإيراني الأمر الذي يسمح للإدارة الأمريكية والدول الغربية التنصل من تبعات الاتفاق النووي الموقع بينها وبين طهران وفرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران، من شأنها منع الاقتصاد الإيراني من التعافي الأمر الذي يحوول بين طهران وبين لعب دور أكبر على صعيد المنطقة والعالم.
موقع بوليتيكو التحليلي الأمريكي نشر مقالة للكاتب والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية ري تكيه قال فيها: "لقد حان الأوان ليقوم الكونغرس بالتدخل بشكل جدي في هذا الموضوع والذي تخشاه حكومة أوباما وتحذر مخاطره، مجال حقوق الإنسان هو المجال الذي كان للكونغرس الأمريكي ثقلٌ كبيرٌ فيه على الدوام" ويقترح الكاتب الأمريكي ضمن مقالته هذه ممارسة ضغوط على إيران لا تتعلق بملفها النووي واستغلال ملف حقوق الإنسان من أجل فرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران.
صراعٌ داخليٌ أمريكي:
تشهد الساحة السياسية الأمريكية صراعاً سياسياً حاداً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. ففي الوقت الذي يسعى الحزب الديمقراطي إلى تصوير الاتفاقية النووية على أنها انجازٌ سياسي كبير يسجل لإدارة أوباما وللحزب الديمقراطي، يسعى الجمهوريون والجناح المتطرف في أمريكا إلى مهاجمة هذا الاتفاق والعمل بكل جهد للحؤول دون تنفيذ بنوده القاضية برفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، ولتحقيق هذا الهدف لا يجد الأمريكي حرجاً في سوق الذرائع واختلاق الأسباب مهما كانت واهيةً أو كاذبة، ومنها استغلال ملف حقوق الإنسان والعمل على مهاجمة إيران من خلال هذا الملف، الأمر الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال. ومن الجدير بالذكر أن الملف الإيراني وانتقاد الجمهوريين لما أسموه "أسلوب المداراة الذي ينتهجه أوباما في تعامله مع ايران" يعتبر واحداً من المواضيع الساخنة ضمن المناظرات الانتخابية الأمريكية، حيث يتوقع متابعون أن يشهد هذا الملف مزيداً من تسليط الضوء خلال العام القادم.
هل يحق لأمريكا التحدث عن حقوق الإنسان:
إنه لمن سخريات القدر أن تتحدث أمريكا عن حقوق الإنسان، وهي الدولة الأولى والوحيدة التي تجرأت على استخدام القنبلة الذرية ضد المدنيين فأنهت خلال لحظات معدودة حياة آلاف الأبرياء في ناغازاكي وهوروشيما في اليابان، أمريكا التي رأت في دماء أطفال لبنان مخاض شرق أوسط جديد، والتي قتلت أكثر من مليون عراقي وأفغاني. أمريكا التي لا ترى دماء ودموع أطفال غزة واليمن، ولا ترى جرائم التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ومصر وليبيا، أمريكا التي لا تزال تنظر إلى السود نظرة دونية، ولا زالت تدعم النظام السعودي والبحريني والقطري وهي الأنظمة الأكثر تخلفاً وهمجية في المنطقة. هي آخر من يحق له أن يتحدث عن حقوق الإنسان، فعلاً صدق من قال "إن لم تستح فاصنع ما شئت."