الوقت- عقب القرار الأردنيّ الأخير بتحويل السياسيّ والاقتصاديّ الأردني، باسم عوض الله، الذي تولى رئاسة الديوان الملكيّ الهاشمي الأردني في الفترة الواقعة بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 و أكتوبر/ تشرين الأول 2008، والمتهم بمحاولة الانقلاب إلى محكمة “أمن الدولة"، بدأ الذباب الالكترونيّ (مجموعة من الحسابات الوهميّة التي تنشطُ على مواقع التواصل الاجتماعيّ لتوجيه أو تغيير الرأي العام) التابع لولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان شنّ حملة على الأردن، وكشفت مصادر أردنيّة مطلعة، عن رصد الأجهزة الأمنيّة نشاطاً مكثفاً للذباب الالكترونيّ السعوديّ، ضمن حملة شرسة تستهدف الأردن واستقرارها، ومحاولة خلق أزمات كبرى.
حملة ومساومة سعوديّة
على ما يبدو، فإنّ الحملة الإلكترونيّة السعوديّة ضد الأردن تأتي في أعقاب فشل الرياض في الإفراج عن باسم عوض الله، وهو أحد أبرز الشخصيات التي اعتقلتها السلطات الأردنية خلال إحباط العملية الانقلابيّة أو ما وصفته بمحاولة زعزعة استقرار المملكة، عقب تأكيد تورط السعودية وولي العهد محمد بن سلمان تحديداً، في محاولة الانقلاب الفاشلة بالأردن، وقد أصرت السعودية على الإفراج الفوريّ عن عوض الله، قبل أيّ إجراء قضائيّ أو توجيه اتهامات رسميّة له، ما عكس قلقها بشأن ما سيقوله المتهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة، فيما تحدثت تقارير كثيرة أنّ شخصيات عربيّة وقفت خلف محاولة الانقلاب في الأردن، وأنّ الرياض ومعها إحدى إمارات الخليج كانتا متورطتين في الأمر من وراء الكواليس.
ولا يخفى على أحد أنّ محاولات الذباب الالكترونيّ لابن سلمان ترويج إشاعات لإثارة البلبلة في الأردن، يعيدنا إلى المربع الأول في قضية اعتقال السلطات الأردنيّة، مسؤولين مقربين من السعودية، والذي أثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين البلدين،و خاصة بعد أن تحدثت وسائل إعلام أردنية عن وجود دور سعوديّ وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، الشيء الذي دفع الرياض حينها إلى المسارعة لتأكيد دعمها للأردن وإجراءاته لحفظ أمنه واستقراره، وقد أثارت المبالغة السعودية في إبداء الدعم شكوكاً وعلامات استفهام كبيرة، والتي كان أبرزها الاتصال الهاتفي من الملك السعودي وولي عهده بملك الأردن وإصدار بيانات تضامنية من الديوان الملكي ومجلس الوزراء إضافة إلى زيارة وفد سعوديّ للأردن.
وقبل مدة، حولت السلطات الأردنيّة، مستشار محمد بن سلمان، باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد إلى محكمة أمن الدولة على خلفية محاولة الانقلاب، لذلك بدأ الذباب الالكترونيّ السعوديّ حملة على مواقع التواصل الاجتماعيّ ضد الأردن، لعدم استجابة الملك الأردنيّ، عبد الله الثاني، لمحاولات الترهيب والترغيب لإطلاق سراح عوض الله.
وفي هذا الخصوص، أصدر مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردنيّة، قرار ظن بحق المدعى عليه باسم عوض الله، إضافة إلى الشريف حسن زيد حسين آل هاشم، وأشارت وكالة الأنباء الأردنيّة "بترا"، إلى أنّ القرار قد رفع وأرسلت إضبارة الدعوى إلى النائب العام لمحكمة أمن الدولة، بهدف إجراء المقتضى القانوني بحقهما، حيث أفرج عن جميع المتهمين الآخرين بالقضية سواهما.
ووفقاً لمواقع إخباريّة، نقلاً عن مصادر مقربة من القصر الملكيّ الأردني، فإنّ ولي العهد السعودي هدد ملك الأردن في حال رفض تسليم مدبر الانقلاب باسم عوض الله، حيث بعث ابن سلمان رسالة إلى الملك عبد الله عبر الوفد السياسيّ الأمنيّ الذي زار عمان، وتضمنت الرسالة تهديدًا واضحًا له في حال رفض تسليم مستشار ولي العهد السعودي باسم عوض الله للرياض.
وتتضمن العقوبات السعودية المحتملة تجويع الأردن، وطرد السفير الأردنيّ في الرياض وسحب سفير السعودية بُعمان، إضافة إلى طرد العمالة الأردنيّة في السعودية والتي تبلغ عشرات الآلاف، ووقف الدعم السعودي السنويّ للأردن، وعرضت الرسالة مجددًا الموافقة على طرح محمد بن سلمان للموافقة على إطلاق سراح مستشاره مقابل 3 مليارات دولار، ودعت ملك الأردن إلى التفكير مليّاً قبل اتخاذ أيّ قرار بشأن القضية أو الزج في اسم عوض الله بأيّ تهمة أو قضيّة رسميّة.
وفي الوقت الذي قوبلت فيه الرسالة السعوديّة بغضب وحنق شديدين في القصر الملكي الأردنيّ، الذي وصف الرسالة بـ”الابتزاز” الواضح، مقابل إطلاق سراح مدبر الانقلاب بفدية ماليّة ضخمة ومن ثم مغادرته فوراً إلى الرياض، وتتحدث مصادر إعلاميّة أنّ القيادة الأردنيّة ما تزال تدرس الطرح السعوديّ الذي ربما ينقذ عمّان من أزمة اقتصاديّة تعيشها منذ زمن، وخاصة أنّ السعودية تعد أكبر داعم للموازنة الأردنيّة وتلعب دورا مركزياً بإنقاذها من العجز المتفاقم وخاصة عقب ما سميّ "الربيع العربيّ".
برودٌ وغموضٌ أردنيّ
رغم أنّ العلاقة بين عمان والرياض توصف بالاستراتيجيّة والمتينة، إلا أنّ ما يجري وراء الكواليس بعيدٌ كل البعد عن قوة تلك العلاقة، في ظل حالة من البرود والدبلوماسيّة الشديدة التي تنتهجها الأردن ربما لحين تهيئة الظرف المناسب للرد، حيث أشارت المصادر الأردنيّة، إلى أنّ هدف الإشاعات السعودية الأخيرة هو نشر البلبلة والشقاق في صفوف المواطنين الأردنيين في ظل الأوضاع الحساسة التي تعيشها المملكة.
وإنّ الهدوء الذي يتبعه الأردن في الرد حتى هذه اللحظة، لا يعني أنّ الأمور تحت الطاولة تجري كما يشتهي المسؤولون السعوديون، وخاصة في ظل المحاولات السعودية المستمرة للإضرار بالأردن، وإظهار تقصير الجهات الأرنيّة المختصة عن متابعة بعض الملفات، إضافة إلى حديث الذباب الإلكترونيّ التابع لابن سلمان عن وجود رشاوى لإدخال أغذية فاسدة للبلاد، ما دفع المدير العام للمؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن، نزار مهيدات، للخروج والإدلاء بتصريح حول حالة الغذاء في المملكة.
وإنّ الغموض الأردنيّ على المستوى الرسميّ في التعاطي مع السعودية، يخفي وراءه الكثير من المفاجآت التي سنشهدها مستقبلاً في العلاقة بينهما، حيث بيّن مهيدات أنّ الرقابة على سلامة الأغذية في بلاده تخضع لإجراءات مشددة تتضمن تنفيذ زيارات تفتيشيّة للمنشآت الغذائيّة، إضافة إلى التأكد من سلامة الأغذيّة المستوردة عبر المنافذ الحدوديّة الأردنيّة، قائلاً: "إنّ لمؤسسة الغذاء دوراً حصرياً في الرقابة على الغذاء والتأكد من سلامته عبر زيادة عدد الفحوصات والتأكد من سلامة متبقيات الأغذية"، ولم يشر المسؤول الأردنيّ لا من قريب ولا من بعيد إلى تلك الإشاعات التي ضجّت بها المواقع الإلكترونيّة في البلاد.
ختاماً، إنّ تورط السعودية في ما حدث بالأردن بات قطعيّاً، وإنّ خيارات الملك الأردنيّ في التعامل مع ما يجري ليست كثيرة بل خطيرة، وهو بين نارين إما الرضوخ للإملاءات السعوديّة وإنقاذ اقتصاده المنهك مقابل هبوط رصيده لأدنى مستوياته في الشارع الأردنيّ كقائد حازم بعد الهزة التي تسببت بها الرياض في الأردن، أو الاستمرار في محاكمة عوض الله ونشر اعترافاته، وبالتالي تحمل النتائج الاقتصاديّة وتحويل الحرب مع السعوديّة إلى "حرب علنيّة ومكشوفة"، وخاصة أنّ طول الحدود بين الأردن والسعودية يبلغ 744 كيلو متراً، وبالتالي فإن العلاقة بينهما قد تتحول إلى معركة جديدة في المنطقة، فما حدث في الأردن ليس مجرد اعتقال أو استفزاز دبلوماسيّ، ولكنه انقلاب كاد يودي بالنظام الأردنيّ الحاليّ لولا تدخل الولايات المتحدة، وإنّ زوبعة العلاقات بين البلدين لا يمكن أن تنتهي بسهولة مع كل الاحتمالات المتاحة للأردن الذي فقد الثقة كليّاً بحكام السعوديّة.