الوقت_ بالتزامن مع التقارير الإعلاميّة الكثيرة التي تحدثت عن تورط السعودية ممثلة بولي العهد محمد بن سلمان تحديداً، في محاولة الانقلاب الفاشلة بالأردن، وما تلا ذلك من إبداء الدعم السعوديّ الكامل للملك الأردنيّ، عبد الله الثاني، عقب التطورات الأخيرة وأزمة أخيه غير الشقيق الأمير حمزة، ادعى مسؤولون سعوديون أنّ التكهنات التي أثيرت في بعض وسائل الإعلام الغربية حول وقوف المملكة وراء الخلاف العلنيّ بين الملك وأخيه غير صحيحة، متحدثين عن أنّ مثل هذه الخلافات الداخليّة قد تكون لها آثار خطيرة على بقية الأنظمة الملكية في المنطقة، مؤكّدين المعلومات التي تحدثت عن قلق سعوديّ من عدم الإفراج الفوريّ عن السياسي والاقتصادي الأردني، باسم عوض الله، الذي تولى رئاسة الديوان الملكيّ الهاشمي الأردني في الفترة الواقعة بين تشرين الثاني 2007 وتشرين الأول 2008، حيث باءت محاولات السعودية في الإفراج عنه قبل أيّ إجراء قضائيّ أو توجيه اتهامات رسميّة بالفشل.
بناء على ذلك، أثار موضوع اعتقال السلطات الأردنيّة، مسؤولين مقربين من السعودية، الكثير من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين البلدين، وخاصة بعد أن تحدثت وسائل إعلام أردنية عن وجود دور سعوديّ وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، الشيء الذي دفع الرياض إلى المسارعة لتأكيد دعمها للأردن وإجراءاته لحفظ أمنه واستقراره، وقد أثارت المبالغة السعودية في إبداء الدعم السعوديّ شكوكاً وعلامات استفهام كبيرة، والتي كان أبرزها الاتصال الهاتفي من الملك السعودي وولي عهده بملك الأردن وإصدار بيانات تضامنية من الديوان الملكي ومجلس الوزراء إضافة إلى زيارة وفد سعوديّ للأردن.
وتُعرف العلاقة بين عمان والرياض بأنّها استراتيجيّة ومتينة، رغم أنّ ما يجري تحت الطاولة بعيد كل البعد عن قوة تلك العلاقة، في ظل حالة من البرود والدبلوماسيّة الشديدة التي تنتهجها عمّان ربما لحين تهيئة الظرف المناسب للرد، وإنّ الهدوء الذي يتبعه الأردن لا يعني أنّ المشكلة قد انتهت هنا، رغم التحليلات التي تدعي أنّ العلاقات بين البلدين لن تتأزم بسبب اعتقال عوض الله والشريف حسن اللذين تربطهما صلات وطيدة بالسعودية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ "كثرة النفيّ تأكيد" فالمسارعة السعودية إلى وأد الاتهامات التي عصفت بها، أعطت نتيجة عسكيّة، وإنّ الغموض الأردنيّ على المستوى الرسميّ يخفي وراءه الكثير من المفاجآت التي سنشهدها مستقبلاً في العلاقة بين البلدين، وخاصة بعد تأكيدات عضو مجلس الأعيان الأردني، حسين المجالي، وجود عنصر أجنبي أو عناصر أجنبيّة متورطة في ما حدث بالأردن، وأرادت استغلال الفقر والبطالة الموجودة في البلاد، وتأثير تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الأردنيّ، لافتاً إلى أنّه لا يستطيع الإشارة إلى دولة معينة بالاسم، ما يرفع احتماليّة أنّ تكون السعوديّة متورطة بالفعل.
وتعاني السعودية من قلق كبير وخاصة بعد حديث عضو مجلس الأعيان الأردني أنّهم سيتعرفون قريباً على المزيد من المعلومات المرتبطة بهذا الموضوع، وهذا ما يُقلق السعوديّة بالضبط، وما سيؤثر سلباً بالتأكيد على العلاقات الجيدة بين المملكتين، ففي وقت سابق، ألمحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير لها، إلى دور السعودية في تلك المؤامرة، متحدثة أنّه من النادر أن تقوم الحكومة الأردنية باعتقال كبار المسؤولين الأردنيين مثل عوض الله وزير الماليّة السابق والشريف حسن بن زيد، أحد أفراد العائلة المالكة، وهو مبعوث سابق للأردن إلى السعودية.
وإنّ تورط السعودية في ما حدث بالأردن، يدفع الملك الأردنيّ إلى التعامل بحذر مع ما يجري، فالحكومة الأردنية تحدثت عن جهات خارجية، ولكنها لم تحدد دولة باسمها، إما لاعتبارات سياسية، أو لرغبتها بالتريث حتى ينتهي التحقيق، وإنّ ارتباط اسم السعودية في الأحداث الأخيرة بالأردن لا يمكن أن يكون مجرد هراء، بل سيدفع باتجاه العداء بين الدولتين حتى وإن حافظتا على العلاقة الاستراتيجيّة ظاهريّاً.
يشار إلى أنّ طول الحدود بين الأردن والسعودية يبلغ 744 كيلو متراً، وبالتالي فإن العلاقة بينهما قد تتحول إلى جمر تحت الرماد، فما حدث في الأردن ليس مجرد اعتقال أو استفزاز دبلوماسيّ، ولكنه انقلاب كاد يودي بالنظام الأردنيّ الحاليّ، وإنّ دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط، وتأكيدها على أهمية أمن الأردن واستقراره، وهذا سينطبق على جميع حلفاء واشنطن، بمن فيهم السعودية التي هي الحليف الرئيس للولايات المتحدة في المنطقة، وكأنّه رسالة واضحة من واشنطن إلى الرياض تشي برغبة أمريكا في بقاء الملك عبد الله.
وإن محاولة الرياض التبرؤ من أيّ عمل يمس العائلة المالكة في الأردن، وتأكيد أنّها غير منخرطة في أيّ اضطرابات داخليّة هناك، لا يعني أنّ زوبعة العلاقات بين البلدين قد انتهت، والحديث عن أنّ السعودية أرادت التعبير عن كونها لاعباً كبيراً في المنطقة وأنها مستعدة لتقديم الدعم لأي دولة حليفة لها تمر بحالة من الاضطراب، لا يعدو عن كونه محاولة لرأب الصدع مع الأردن بعد فشل السعودية في مخططاتها.
يُذكر أنّ وزارة الخارجية الأردنية، تحدثت أنّ الوفد السعودي وصل الأردن حاملاً رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز، لملك الأردن عبد الله الثاني شدّدت على الوقوف إلى جانب المملكة في مواجهة جميع التحديات، فيما قالت وزارة الخارجية السعودية، إنّ وزير الخارجيّة السعوديّ، فيصل بن فرحان، كان في عمّان لتأكيد التضامن ودعم المملكة العربية السعودية للمملكة الأردنية، مدعيّة أن الوزير لم يناقش أيّ مسائل أخرى أو قدم أيّ طلبات.
في الختام، ستكشف الأيام القادمة عن حجم الدور السعوديّ في انقلاب الأردن، ومنعكسات ذلك على العلاقة بين البلدين، لكن بالاستناد إلى الوقائع والتقارير الإعلاميّة والتحليلات السياسيّة، ربما تحاول الدولتان لملمة ما حدث كي لا يتأزم الوضع بينهما بشكل ظاهريّ وتفتح أبواب صراعات علنيّة جديدة في المنطقة، في ظل انجرار بعض الدول العربيّة نحو التطبيع وصفقة القرن والحروب والمشكلات الكثيرة التي تعاني منها المنطقة، لكن ما هو حتميّ أنّ مرحلة ما قبل الانقلاب ليست كما بعده.