الوقت- غضب عارم أصاب الرئيس الجزائريّ عبد المجيد تبون، بسبب صفقات الشركة الجزائريّة للتأمين “أس أ أ” والشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين “كار” مع المتعامل المغربي “أوراس” في مجال البرمجيات والتي تعادل قيمتها 50 مليار سنتيم جزائريّ، وتسديد حقوق الصيانة والتحيين التي تعادل 5 مليارات سنتيم سنويا، حيث أمر تبون بفسخ كافة العقود التي وصفها بـ “غير المبررة” للشركات الوطنية مع متعاملين أجانب، في ظرف 10 أيام.
وبحسب الإعلام الجزائريّ، فإنّ الصفقات تتعلق باقتناء برمجيات لشركات التأمين “أس أ أ” و”لاكار”، من متعامل مغربي يدعى “أوراس”، حيث دفع كل متعامل ما يتجاوز 50 ملياراً سنتيم سنة 2005 لتثبيت هذه البرمجيات، في حين تدفع كل شركة مبلغ 5 مليارات سنتيم سنويا للمغاربة مقابل خدمات الصيانة والتحيين، أما فيما يتعلق بمتعامل الهاتف النقال “جازي”، فالأمر مرتبط بتصوير الومضات الإشهاريّة من طرف وكالة خاصة تحت عنوان “نحي اللغية” وغيرها والتي تمت في فرنسا والمغرب وتونس.
وبهذا الصدد، فالأمر لا يتعلق بشركتي التأمين “أس أ أ” و”لاكار” فقط وإنما بمعظم متعاملي التأمين الناشطين في السوق الجزائريّة والمتعاقدين في مجال البرمجيات مع شركات فرنسيّة ومغربيّة وخليجيّة، وهي العقود التي تحوّلت مع مرور الوقت إلى غطاء لتحويل العملة للخارج عبر الفوترة، وتقدر الأموال المحولة سنوياً بعشرات ملايين الدولارات، في ظل إمكانية إنجاز هذه البرمجيات محليّاً بسهولة.
يحدث هذا في الوقت الذي فتحت فيه المصالح المختصة بوزارة الماليّة الجزائريّة تحقيقات حول قيام شركات عمومية وخاصة بالتعاقد مع متعاملين فرنسيين وإسبان ومغاربة في مجال خدمة المساعدة وتركيب زجاج السيارات بعد العَطل، وهي المتعامل الفرنسي “أكسا أسيستونس” والمتعامل المغربيّ “إسعاف أسيستونس” والمتعامل الإسبانيّ “مسري”، مطالبة شركات التأمين بالرد وتقديم التوضيحات اللازمة حول هذا الملف.
يشار إلى أنّ اللجوء إلى شركات أجنبيّة في مجال الخدمات وإبرام صفقات غير مبررة، أدى إلى إقالة عدد من مسؤولي المؤسسات العامة خلال الأشهر الأخيرة، على غرار المدير العام السابق لشركة الخطوط الجويّة الجزائريّة، الطاهر علاش، بعد التوقيع على صفقة لاستيراد أوان لفرع التموين والإطعام “كاترينغ” من تونس، كلفت الشركة مبلغ 17 مليار سنتيم جزائريّ، وهو ما أثار غضب الرئيس تبون، بالإضافة إلى ما تم تداوله حول إقالة المدير العام للتلفزيون الجزائريّ، أحمد بن صبان قبل أسبوع بسبب صفقة مع شركة إماراتية، بحسب موقع "الشروق" الجزائريّ.
ويتحدث محللون جزائريون أنّ فسخ العقود مع بعض الجهات المعادية للجزائر، وفقا لتعليمات الرئيس الجزائريّ لا يرتبط بالجانب الاقتصاديّ فقط، ولا يمكن عزله عن العلاقات السياسية، التي تلعب دوراً محوريّاً في تعزيز العلاقات التجاريّة أو إضعافها، حيث إن التعاملات الاقتصادية بين الجزائر والمغرب ليست في حالة جيدة بسبب الخلافات السياسيّة، بالإضافة إلى أنّ المغرب التي كانت ومازالت تُتهم من قبل الجزائريين بالانخراط في تحالفات استخباراتية مع كل من فرنسا والكيان الصهيوني، لاستهداف البلاد، وإشغالها عن الأمور المصيرية وإبقائها بعيدة عن القضايا العربية والإفريقية، وثنيها عن مواقفها العادلة المناهضة للاستعمار والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، يًهمها الأرباح المالية والمصالح الماديّة بغض النظر عن البعد القوميّ والجانب الجيوسياسيّ، الذي يأخذ حيزاً مهماً من قرارات المسؤولين الجزائريين قبل إبرام أية صفقة.
من ناحية أخرى، يؤكّد خبراء أن القرارات الأخيرة للرئيس الجزائريّ ستحمل تأثيراً إيجابياً إذا طٌبّقت عمليّاً، لأنّ منح الامتياز للشركات الوطنية والمحلية يظل أكثر من ضرورة للحفاظ على العملة الصعبة، لكن المشكلة التي سيواجهها المتعاملون الوطنيون هي غياب مؤسسات وطنية ناشطة في مجال التقييم العالميّ ومكاتب الدراسات الرائدة، منوهين في الوقت ذاته إلى أنّ هذه القرارات يجب أن تطبّق بحذر حتى لا تجد الشركات الوطنيّة نفسها متابعة في المحاكم الدوليّة من طرف الجهات التي يتم فسخ العقود معها، كما أن هذا الإجراء في حال تطبيقه بطريقة غير عقلانية سيعطي صورة سلبيّة عن الشراكة مع الجزائر.
وما ينبغي ذكره، أنّ استيراد الخدمات يكلف الخزينة الجزائرية 5 مليارات دولار سنوياً، ويتعلّق الأمر بالدرجة الأولى بشركات الخدمات والدراسات والمحاماة الدولية والوساطة، تضاف إليها شركات القطاع الماليّ في مجال البنوك والتأمينات، ثم قطاع السياحة.
ختاماً، وفي أعقاب التوترات بين المغرب والجزائر فإنّ القرارات الرئاسيّة الأخيرة رفعت "منسوب العداء" بينهما، بحسب توصيف المواقع المغربيّة، إذ اعتَبرت قرارات الرئيس عبد المجيد تبون في إلغاء بعض العقود التجارية، موجهة للشركات المغربية، وكالت العديد من الاتهامات إليه، ما أزّم العلاقات أكثر وأكثر بين الدولتين الجارتين، في ظل الخلاف الكبير على عدة ملفات في المنطقة، ترى الجزائر فيها أنّها مُستهدفة بالفعل من أعداء الماضي والحاضر، المتعاونين والمُطبعين مع الصهاينة.