الوقت- قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي باقتحام المسجد الاقصى واعتدت على المعتكفين في هذا الحرم القدسي بمواجهات عنيفة خلفت عشرات الإصابات، وحاصرت المرابطين داخل المسجد القبلي الذي تركزت عنده المواجهات. وأطلق جنود الاحتلال وابلا من قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي عند المسجد القبلي وقبة الصخرة والمصلى المرواني، وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بأن هناك إصابات مباشرة في الرأس بالرصاص المعدني بين المعتكفين. وامتدت المواجهات إلى خارج منطقة المسجد الأقصى، ووصلت إلى مقبرة "باب الرحمة" على الجانب الشرقي من أسوار الأقصى، وإلى داخل البلدة القديمة بالقدس المحتلة. ويأتي ذلك بينما تحاصر قوات الاحتلال المسجد الأقصى بشكل كامل وتستهدف جميع الموجودين داخله، وتكثف وجودها في البلدة القديمة. وجاء الاقتحام رغم قرار شرطة الاحتلال بعدم السماح للمستوطنين بالوصول إلى الأقصى بعدما قامت بتقييم الوضع.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن مئات الفلسطينيين رابطوا منذ فجر يوم الاثنين الماضي في المسجد الأقصى لمنع أي اقتحام إسرائيلي، بعدما أعلنت جماعات استيطانية أنها تجهز لاقتحام كبير اليوم بمناسبة ما يسمونه "يوم توحيد القدس" في إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967. ونقلت تلك التقارير الاخبارية أن 208 فلسطينيين أصيبوا عقب اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي باحات المسجد الأقصى مساء الجمعة الماضي. وأفادت تلك التقارير أن القوات الإسرائيلية اعتقلت 14 فلسطينيا في القدس على خلفية المواجهات بالمسجد الأقصى، وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي" في تغريدة له على "تويتر" إن "رئيس الأركان أوعز بالاستعداد للتصعيد بعد لقائه مسؤولين عسكريين وأمنيين".
وعلى صعيد متصل، أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية في بيان نشرته يوم الأحد الماضي تأجيل جلسة لها كان مقرر عقدها يوم أمس الاثنين بشأن طرد عائلات فلسطينية من "حي الشيخ جراح" إلى موعد لاحق يحدد خلال ثلاثين يوما. وذكرت المحكمة في بيانها أنه "في ظل السياق الحالي وبناء على طلب النائب العام ألغيت الجلسة التي كان من المقرر عقدها يوم أمس الاثنين". ويشهد الحي منذ أكثر من أسبوعين مواجهات حول قضية ملكية الأرض التي بنيت عليها منازل تعيش فيها أربع عائلات فلسطينية، تطالبها جمعية استيطانية بإخلائها. وكان متحدث باسم وزارة العدل الإسرائيلية قد ذكر يوم الأحد الماضي أن المدعي العام في تل أبيب "أفيخاي ماندلبليت" قد طلب تأجيل جلسة المحكمة العليا بشأن خطط لإجلاء فلسطينيين من منازلهم بحي "الشيخ جراح" في القدس الشرقية المحتلة لصالح مستوطنين إسرائيليين. وقال المتحدث إن المدعي العام طلب من المحكمة التأجيل لأسبوعين على الأقل ريثما يدرس إمكانية المشاركة في الدعوى.
وكانت المحكمة المركزية في القدس قد قضت بإخلاء عدد من العقارات الفلسطينية في الحي الذي أقامته الأردن لإيواء الفلسطينيين الذين هجروا في العام 1948 ولديهم عقود إيجار تثبت ذلك. وتخص الوثائق التي نشرتها وزارة الخارجية الأردنية 28 عائلة في حي الشيخ جراح هُجِّرت بسبب حرب عام 1948. وكانت المحكمة العليا أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستستمع إلى استئناف تقدمه العائلات الفلسطينية ضد طردهم، في أحدث تطور في قضية قانونية استمرت عقوداً. وتستخدم شركة تدعى "ناحالوت شمعون" قانوناً من عام 1970 للادعاء بأن مالكي الأرض قبل عام 1948 كانوا عائلات يهودية. ويقول الفلسطينيون إن قوانين التعويض في إسرائيل غير عادلة لأنه لا توجد لديهم وسائل قانونية لاستعادة الممتلكات التي فقدوها في أواخر الأربعينيات فيما أصبح دولة إسرائيل. لقد أصبح الوضع في حي "الشيخ جراح" هذه الأيام أحد بؤر التوتر الرئيسية المتصاعدة في القدس. وشهد الحي اشتباكات ليلية بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين، الذين يقولون أيضاً إنهم تم استفزازهم من قبل عائلات المستوطنين. ولقد أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني، مساء السبت الماضي، بأن 100 فلسطيني أصيبوا خلال الاضطرابات في مواقع مختلفة في القدس، بما في ذلك حي "الشيخ جراح وباب العامود" والمسجد الأقصى.
وعلى الصعيد نفسه، تداول ناشطون على مواقع التواصل فيديو يوم أمس الاثنين يظهر لحظة إخلاء جلسة الكنيست الإسرائيلي والقيام بإخراج أعضائه بعد إطلاق صافرات الإنذار. وتم نقل أعضاء الكنيست إلى منطقة أمنة بعد قيام كتائب القسام بإطلاق ثلاث صواريخ على القدس رداً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين في القدس وأهالي "حي الشيخ جراح" والمصلين في الأقصى. ويظهر في الفيديو "ياريف لافين" رئيس الكنيست وهو يتحدث أمام أعضاء جلسة الكنيست وثم حدوث بلبلة في القاعة ثم غادر بعد ذلك جميع الموجودين. وبدأت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" الرد بعد أن انتهت المهلة التي اعطتها لإسرائيل لوقف عدوانها على الفلسطينيين في القدس وعلى أهالي حي "الشيخ جراح". وكان "أبو عبيد" الناطق باسم "كتائب القسام" قد أعلن عن توجيه ضربة صاروخية للعدو في القدس المحتلة، وذلك رداً على "جرائمه وعدوانه على المدينة المقدسة وتنكيله بأهلنا في الشيخ جراح والمسجد الأقصى". وأضاف "أبو عبيدة" : "هي رسالة على العدو أن يفهمها جيداً، وإن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا".
وعلى نفس هذا المنوال، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية أن عشرات المقدسيين اصيبوا يوم أمس الاثنين، بجروح إثر تجدد المواجهات داخل ساحات المسجد الأقصى بين فلسطينيين وقوات إسرائيلية، فيما جددت الشرطة الإسرائيلية محاولات اقتحام المسجد الأقصى لإخلاء المصلين من المصلين في الساحات وداخل المصلى القبلي. وألقت القوات الإسرائيلية قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والأعيرة المطاطية على المتواجدين داخل المسجد الاقصى ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى، فيما يسود التوتر في المسجد، منذ ساعات فجر اليوم، تزامنا مع دعوات المستوطنين لتنفيذ اقتحامات اليوم في ذكرى ما يسمى توحيد القدس. وكشف المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، مأمون العباسي، عن ارتفاع في عدد الإصابات بين الفلسطينيين إلى 215 إصابة، من بينها إصابات حرجة بالراس والعيون، ولايزال هناك مصابين داخل الاقصى تمنع القوات الإسرائيلية الطواقم الطبية من إخراجهم، وفقا لمراسلنا.
وعقب هذه الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في القدس الشريف، استهل مجلس الأمين الدولي عمله صباح يوم أمس الاثنين، بمشاورات مغلقة حول الوضع في الشرق الأوسط، استمع خلالها أعضاء المجلس إلى آخر المستجدات حول الوضع في القدس الشرقية المحتلة من المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، "تور وينسلاند". وفي مؤتمره الصحفي اليومي، أفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة "ستيفان دوجاريك"، بأن الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، يتابع بقلق عميق آخر التطورات الأمنية، التي قد تؤدي إلى تصعيد خطير آخر يؤدي إلى مزيد من العنف، وخسائر في الأرواح. هذا ويعمل المنسق الخاص السيد وينسلاند بشكل وثيق مع جميع الأطراف المعنية لاستعادة الهدوء. ويراقب مكتبه الوضع عن كثب.
ووسط هذا التصعيد الإسرائيلي المتزايد ضد المسجد الأقصى والمقدسيين ، خاصة في حي "الشيخ جراح"، دعت السلطة الفلسطينية جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع طارئ لبحث سبل الرد. وبالفعل أعلنت الجامعة العربية أن جلسة استثنائية ستعقد على مستوى وزراء الخارجية اليوم الثلاثاء لبحث الأوضاع في القدس المحتلة. وقالت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إنه قررت عقد دورة استثنائية للمجلس على مستوى وزراء الخارجية العرب، اليوم الثلاثاء، بشكل افتراضي، بناء على طلب فلسطين. ويهدف الاجتماع إلى مناقشة الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك، ومخططات الاستيلاء على منازل المقدسيين، خاصة في حي الشيخ جراح، في مدينة القدس المحتلة. محاولة لإخلاء المدينة المقدسة من سكانها وتهجير أهلها.
ولكن رغم دعوات المقدسيين المتواصلة لهبة ونصرة عربية وإسلامية، يبدو أنهم يخوضون معركتهم وحدهم هذه المرة، وسط موجة تطبيع عربية غير مسبوقة، ونوع من الصمت الشعبي العربي كسره فقط الأردن ولبنان وبعض الدول الاسلامية ولا سيما إيران وتركيا بعدد من التظاهرات والتصريحات. أهالي القدس واصلوا مطالباتهم بموقف عربي مناصر لهم يضع حداً للاحتلال ومخططاته، إلا أن معظم الدول العربية اكتفت ببيانات إدانة روتينية، وسط غياب أو محاولة تغييب للحراك الشعبي العربي على الأرض. وعلى صعيد الدول الإسلامية، ومن أول يوم لأحداث المسجد الأقصى، خرج الايرانيين والأتراك للتظاهر والتنديد رغم إجراءات الحظر في البلاد بسبب وباء كورونا، إذ عبروا عن رفضهم لمحاولات تهويد القدس، فيما تلعب طهران وأنقرة دوراً نشيطاً سياسياً عبر التواصل مع دول المنطقة من أجل تشكيل حماية دولية للمقدسيين.