الوقت- بعد أن أعربت ما تعرف بـ "جبهة البوليساريو" قبل بضعة أيام، عن استعدادها لاستئناف المفاوضات مع الأمم المتحدة حول وضع الصحراء الغربيّة وتأكيد على عدم نيتها وقف الكفاح المسلح، بعد ما يقارب 10 سنوات من تعليق المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة بمشاركة البوليساريو والمغرب إضافة إلى الجزائر وموريتانيا بصفة مراقبين، أفادت وكالة الأنباء الصحراويّة التابعة للجبهة بأّن قواتها قصفت منطقة الكركرات، على الحدود بين الإقليم الصحراويّ وموريتانيا السبت المنصرم، وذلك عقب التصعيد الذي نتج عن إدخال الرباط إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الكيان الصهيونيّ الغاصب، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في "الصحراء الغربيّة"، والمتنازع عليها مع البوليساريو التي أعلنت ما بين عامي 1975 و1976عن تأسيسها لـ "الجمهوريّة العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة"، وشكلت حكومتها في مدينة "تندوف" الجزائريّة.
تشير الوقائع إلى أنّ المغرب تحاول بكل ما أوتيت من قوة تطبيق مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ ولكن تحت سيادتها، فيما تُصر جبهة البوليساريو على رفض الخطة المغربيّة الراميّة للسيطرة على أراضيهم، وتطالب بعمليّة استفتاء حول هذا الموضوع وترى أنّه السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة، وعقب المساعي المغربيّة للسيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ بعد التطبيع مع الصهاينة والحصول على الضوء الأخضر الأمريكيّ، أوصلت الجبهة الصحراويّة رسالة واضحة للمغرب من خلال أربعة صواريخ استهدفت منطقة الكركرات، وهي أنّه لا تنازل عن حقوقها المسلوبة في ظل الصمت الدوليّ عن الممارسات المغربيّة.
وتؤكّد "جبهة البوليساريو" أنّها أعطت الثقة الكاملة للمجتمع الدوليّ وأوقفت الكفاح بصفة نهائيّة وانتظرت 30 عاماً من المماطلة والوعود الكاذبة والانتظار الممل، دون أي نتائج تذكر، وقد أوضح الأمين العام لوزارة الأمن في حكومة الجمهورية العربية الصحراوية، سيدي ولد أوكال، قبل أيام، خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت بمشاركة الممثل الدائم لجبهة البوليساريو لدى منظمة الأمم المتحدة عمر سيد محمد، أنّ الجبهة في دفاع مشروع عن النفس، منذ أن أرسل المغرب في الـ 13 من تشرين الثاني قواته إلى أقصى جنوب المنطقة لطرد مجموعة من الناشطين الصحراويين كانوا يقطعون طريقاً مؤدياً إلى دولة موريتانيا في المنطقة نفسها التي شهدت تصعيداً عسكريّاً قبل يومين.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الهجمات الأخيرة على طول الجدار الأمنيّ الذي يفصل قوات "البوليساريو" عن القوات المغربيّة، في الأراضي الصحراويّة الشاسعة، كانت لم تحدث لولا إعلان الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، عن التوصل إلى ما أسماه "اتفاقاً تاريخيّاً" لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ المجرم والمغرب لقاء اعتراف أمريكا بسيادة الرباط على الصحراء الغربيّة التي تحتل الجزء الأكبر من أراضيها، إضافة إلى الزيارة الاستفزازيّة لمساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّ لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السابق، ديفيد شينكر، التي قام بها إلى مدينة العيون كبرى مناطق الإقليم الصحراويّ، في إطار إعلان التطبيع الثلاثيّ بين واشنطن والرباط وتل أبيب الذي تم توقيعه بالعاصمة المغربيّة يوم الـ 22 من كانون الأول عام 2020.
واندرجت الزيارة الأمريكيّة في إطار الاتفاق الأمريكيّ – المغربيّ على فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة جنوب الصحراء الغربيّة، بعد أن أصبحت المغرب رابع دولة عربيّة تقيم علاقات دبلوماسيّة علنيّة مع العدو الصهيونيّ بدعم من إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، خلال الأشهر الماضية، بعد الإمارات والبحرين والسودان، ولم يصدر عن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، إلى الآن أيّ مواقف بشأن الصحراء الغربيّة.
وعلى هذا الأساس، ازداد التوتر بشكل كبير في هذه المنطقة من شمال إفريقيا، بعد أزمة منطقة الكركرات في الصحراء الغربيّة، وعودة "البوليساريو" أو ما تسمى "الجبهة الشعبيّة لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" إلى العمل المسلح ضد المغرب، والتي تعتبرها الجبهة قوة استعماريّة تحتل أراضيها، في مسعى ينتهك بشكل صارخ قرارات منظمة الأمم المتحدة التي تصنفها ضمن قائمة الأقاليم غير المحكومة ذاتياً، ففي العام 1975، تخلت إسبانيا عن "الرقابة الإدارية" للمنطقة ومنحت الرقابة لإدارة مشتركة من قبل المغرب وموريتانيا، لكن المغرب زعم فيما بعد أن الإقليم تابع له بشكل رسميّ.
وكانت موريتانيا قد انسحبت من الصحراء الغربية عام 1979، ليُسيطر المغرب فعلياً على معظم مساحة الإقليم الصحراويّ، ويقترح منحها حكما ذاتياً موسعاً تحت سيادته، في حين تطالب الحركة القوميّة الصحراويّة "بوليساريو" منذ سنوات بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة بموجب اتفاق وقف إطلاق نار وُقّع عام 1991 برعاية الأمم المتحدة بعد حرب استمرت 16 عاماً.
إضافة إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي عام 2016، أنّ "الصحراء الغربيّة" ليست من الأراضي المغربيّة، وفي آذار 2016 طرد المغرب نحو70 عاملاً في منظمة الأمم المتحدة بعد أن صرح "بان كي مون" أن ضم المغرب للصحراء الغربية يعد احتلالاً لدولة ذات سيادة، إضافة إلى أنه لا يوجد أي دولة عضو في الأمم المتحدة (باستثناء أمريكا) تعترف بشكل رسميّ بسيادة المغرب على كل أجزاء الصحراء الغربية منذ العام 2017، وقد تعرض المغرب لانتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان الدوليّة بسبب أعمال العنف في الصحراء الغربيّة.
وبشكل علنيّ، تؤكّد الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو، لأنّ هذه المسألة باعتقادها مثل دعمها لنيلسون مانديلا من قبل (سياسي راحل، مناهض لنظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا وثوريّ شغل منصب رئيس جنوب إفريقيا)، ودعمها للقضية الفلسطينيّة، وقد نفذ الجيش الجزائريّ قبل أيام، مناورات عسكريّة أثارت الجدل من حيث الزمان والمكان، وأشرف عليها قائد القوات المسلّحة الجزائريّة، السعيد شنقريحة، فيما قالت وزارة الدفاع الوطنيّ الجزائريّة حينها، إنّ هذه النشاطات العسكريّة التي نفذّت "بالذخيرة الحية"، تندرج في إطار تقييم المرحلة الأولى لبرنامج التحضير القتاليّ لعام 2021، بغرض ضمان تحسين وترقية الأداء العملياتيّ والقتاليّ لكل تشكيلاته ومكوناته حتى يكون قادراً على رفع كل التحديات، بيد أنّ الأوضاع الإقليميّة تشير إلى أنّ الجزائر باتت تشعر بالتهديد الفعليّ في ظل التطورات السياسيّة الأخيرة، عقب التطبيع المغربيّ الذي أعاد التوتر بقوة إلى الساحة المغاربيّة.
وتنطلق الجزائر في دعمها للشعب الصحراويّ من أنّ ملف الصحراء الغربيّة أمميّ بامتياز، ومن الضرورة مساندة الشعوب المناهضة للاستعمار، ويؤكد مسؤولوها بشكل دائم على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الموضوع، وخاصة أن المغرب يتناسى عدم اعتراف هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبيّ والاتحاد الإفريقيّ بسيادة الرباط على الإقليم الصحراويّ.
وتعد "الصحراء الغربية" المُتنازع عليها، من أهم نقاط الخلاف بين الجزائر والمغرب، والتي يحدها المغرب من الشمال بينما تحدها الجزائر من الشرق، وموريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها نحو 266,000 كيلومتر مربع، وتعد واحدة من المناطق ذات الكثافة السكانيّة القليلة، وعدد سكانها يتجاوز النصف مليون شخص، يعيش 40% منهم في منطقة "العيون" كبرى مدنها.
وعبرت الجزائر بوضوح عن قلقها من أنّ الكيان الصهيوني بات على حدودها في إطار مخطط خارجيّ لاستهدافها، بعد التطبيع المغربيّ، وفي الوقت الذي دعت فيه إلى ضرورة تكاثف جهود الجزائريين لحل المشاكل الداخليّة، دعت المواطنين والطبقة السياسيّة والنخب الثقافيّة لأن يكونوا بالمرصاد للحفاظ على استقرار الوطن المهدد في خاصرته اليساريّة مع المغرب.
بناء على كل ذلك، جلبت أمريكا التوتر والمخاطر إلى المنطقة المغاربيّة عقب اعترافها بسيادة المغرب على الإقليم الصحراويّ، ما زاد طين الخلافات بلة، ورفع من احتمالية نشوب حرب متعددة الأطراف ساحتها الأراضي الصحراويّة، إرضاء للكيان الصهيونيّ الإرهابيّ الباحث عن الشرعيّة، وذلك من خلال تحقيق بعض الغايات للقيادات العميلة، والبراهين واضحة كعين الشمس، بدءاً من صفقة الطائرات للإمارات، ومروراً برفع العقوبات عن السودان، وليس انتهاءً بالاعتراف بالصحراء لمصلحة المغرب.