الوقت- من الواضح للجميع أنّ حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين "حماس"، دخلت بقوة في النظام السياسيّ الفلسطيني وذلك من خلال الانتخابات البلديّة والتشريعيّة، ما شكل بحسب محللين تحولاً تاريخياً مفصليّاً في تاريخ الحركة، وجعلها بالفعل تقتحم مجالات أريد لها لمدة طويلة أن تبقى بعيدة عنها، لتبقى حكراً على فئة دون أخرى، الأمر الذي دل بشكل واضح على مدى النضج الذي وصلت إليه حماس بفعل التجارب الصعبة والقاسيّة التي خاضتها على جميع الأصعدة الاقتصاديّة والمؤسساتيّة والسياسيّة والعسكريّة، على كافة المستويات الداخليّة والصهيونيّة والعربيّة والدوليّة.
معترك سياسيّ
لا شك أنّ الكيان الصهيونيّ الغاشم منزعج بشدة من دخول حماس بقوة في معترك السياسة، في ظل الشعبيّة الكبيرة التي تحظى بها الحركة، خاصة وأنّها استطاعت الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب، وانتصرت غزة بشعبها العظيم ومقاومتها التي تشكل حماس رأس حربتها، وأذلت ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه "لا يقهر"، ورغم كل الحصار الذي يفرضه الكيان الوحشيّ على قطاع غزة، لم يتمكن من إرضاخ القطاع ولا المقاومين داخله.
وفي هذه الأيام بالتحديد، تعيش الأوساط الصهيونيّة في قلق كبير، بسبب احتمالية فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعيّة المقبلة، والتي أعلن عنها رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس "أبو مازن"، حيث أصدر مرسوماً بإجراء الانتخابات العامة على ثلاث مراحل، وبموجب ذلك المرسوم ستجرى الانتخابات التشريعيّة بتاريخ 22 مايو/ أيار العام الحالي، والانتخابات الرئاسيّة بتاريخ 31 يوليو/تموز من العام نفسه، على أنْ تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعيّ المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ.
وفي هذا الخصوص، تتزايد التوقعات التي تتحدث أنّ حركة حماس هي المنتصرة في الانتخابات المقبلة، فيما تظهر تقارير الإعلام العبريّ أنّ المقربين من الرئيس عباس، يعلمون أنّ استطلاعات الرأيّ المختلفة التي أجريت قبل مدة في الضفة الغربيّة المحتلة، تدل بما لا شك فيه على أنّه في حال جرت الانتخابات التشريعيّة بالفعل فإنّ حركة المقاومة الإسلاميّة ستتفوق على حركة فتح التي يرأسها عباس، وأنّ رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، سيفوز على عباس في انتخابات الرئاسة بفارق غير كبير.
وبحسب مواقع إخباريّة، فإنّ بعض المحللين الصهاينة أشاروا إلى أنّ لدى حماس فرصاً جيدة للفوز بالانتخابات القادمة في ظل الضعف الذي أصاب السلطة الفلسطينيّة وزعامتها، وكشفت المصادر أنّ الحديث الدائم داخل حركة فتح يتعلق بغياب رئيسها محمود عباس ومن سيكون خلفاً له، ما يدل على أنّ انشغال قيادة فتح بمستقبل وراثة رئاسة السلطة الفلسطينيّة، بالإضافة إلى نشوب الصراعات الداخليّة نتيجة لذلك، يفوق انشغالها بالانتخابات القادمة، ما يشكل بالفعل "فرصة ذهبيّة" لحركة حماس لا يجوز تضييعها.
وفي هذا الصدد، دعا رئيس الوزراء الفلسطينيّ، قبل أيام الأمم المتحدة إلى التدخل والضغط على العدو الصهيونيّ للسماح بإجراء انتخاباتهم العامة في شرق القدس، فيما حث الأمم المتحدة على بذل كل الجهود لتسهيل إجراء انتخابات الفلسطينيين ومطالبة تل أبيب بتمكين المقدسيين من المشاركة فيها، وأكّد على ضرورة سماح العدو للفلسطينيين في القدس بالمشاركة في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة بالترشح والتصويت، وذلك خلال مباحثات هاتفيّة مع منسق الأمم المتحدة الخاص لما تسمى "عملية السلام" في الشرق الأوسط، تور وينسلاند.
خشية كبيرة
ذكر موقع "مكور ريشون" العبريّ، نقلاً عن مصادر أمنيّة وسياسيّة وصفت بأنها واسعة الاطلاع في الكيان الصهيونيّ، أنّه لا بد لتل أبيب أن تدرك أنّ الانتخابات القادمة في السلطة الفلسطينيّة ستنطبق أيضاً على قطاع غزة المحاصر وعلى شرق القدس وربما أيضاً على الممثليات في الخارج، الأمر الذي يمكن أنْ يؤدي إلى سيناريوهات أمنيّة متعددة تشمل تصعيداً على خلفية صراعات السيطرة، ولم تخف المصادر الصهيونيّة خشيتها الكبيرة من فوز حركة حماس سواء كان ذلك في البرلمان أو في الرئاسة، في الوقت الذي اعتبر فيه الموقع المعروف بتأييده لليمين الدينيّ الصهيونيّ، أنّه على عكس رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، فإنّ حركة حماس تعرف كيف تستخدم القوة والضغط، في حين أنّ رئيس السلطة الفلسطينية الحالي يمكنه أنْ يقدم شيئاً واحد فقط وهو استمرار الوضع الراهن.
وفي الوقت الذي لا يمكن فيه التكهن بدقة بما سينتج عن الانتخابات القادمة، إلا أنّ حظوظ حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" تبدو أفضل، في ظل التنافس الكبير حول الانتخابات، ويشير الموقع العبريّ إلى إمكانيّة ظهور تنظيمات كثيرة في السلطة الفلسطينيّة، ربما تحاول تحديد مناطق عبر استخدام القوة، إلا أنّ واقعاً كهذا يثير مخاوف كثيرة إلى جانب عدة نقاط تفاؤليّة في الضفة الغربيّة، فالواقع اليوم في الضفة هو الأفضل والأكثر استقرارًا منذ زراعة سرطان الكيان الصهيونيّ في فلسطين، ولذلك الأرجحيّة لاستفاقة المقاومة في أرجاء الضفة ضئيلة جدًا، لكنها قائمة بالتأكيد، على حد تعبيره.
ومن المعروف أنّ حماس وجناحها العسكري "كتائب القسام" شكلا رأس الحربة في معركة الدفاع عن غزة وإذلال العدو الغاصب، رغم مشاركة بقية قوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة في صناعة الإنجاز الفلسطينيّ الكبير، لكن في الواقع تبقى حماس الفصيل الفلسطينيّ الأكبر والأكثر تسليحاً وتنظيماً، والذي قاد مواجهات شرسة مع الكيان المستبد بكل قوة وحكمة واقتدار، وبالتأكيد فإنّ انتصاراتها التاريخيّة الكبيرة مع المقاومة والشعب الفلسطينيّ لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أبناء فلسطين سيما وأنّها أذهلت قادة الكيان المجرم.
علاوة على ما ذكر، يتحدث الموقع العبريّ عما أسماها منطقة "شرق القدس" وخارج البلاد، والتي ربما تكون الساحة الأكثر إرباكًا، بحسب وصفه، خاصة بسبب غياب سيطرة العدو الإسرائيليّ على عكس الضفة الغربيّة، حيث لدى المؤسسة الأمنيّة الصهيونيّة هناك سيطرة استخباريّة واسعة، واعتبر الموقع أنّ قطاع غزة المحاصر يشكل "التهديد الأكبر" على الكيان الصهيونيّ الدمويّ، أما شرق القدس والممثليات في الخارج هما "وجع رأس" إذ لا يمكن مقارنة تصعيد في غلاف القدس مع تصعيد في غزة والضفة الغربيّة، فالتصعيد في القدس ينعكس بشكل فوريّ على الضفة الغربيّة وغزة، لكن ليس العكس، والمكان الحساس في منطقة القدس هو المسجد الأقصى المبارك، المهدد من قبل سلطات الاحتلال.
بناء على كل ذلك، فإنّ القلق الصهيونيّ مستمر سواء فازت حركة المقاومة الإسلاميّة حماس أم لا، لكن فوزها يشكل رعباً حقيقيّاً لتل أبيب خاصة أنّها تعتبر حماس "العدو اللدود"، وإنّ فوز الأخيرة بالانتخابات سيجعلها بالتأكيد صاحبة "قرارات مصيريّة" تستند بقوة إلى ثقلها الشعبيّ الذي أصبحت تتمتع به الحركة على الساحة الفلسطينيّة، في ظل الواقع السيء والمتدهور الذي تعيشه السلطة الفلسطينيّة التي لم تمثل الأغلبيّة الساحقة من الفلسطينيين في يوم من الأيام.