الوقت_ حتى الآن، ما زال رئيس مجلس السيادة السودانيّ، عبد الفتاح البرهان، يصر على السير في طريق الخداع الذي سلكته أبوظبي والمنامة في تبرير تحالفهما مع العدو الصهيونيّ بذرائع واهية، حيث زعم البرهان في حوار مع صحيفة “الشروق” المصريّة، الأحد الفائت، أنّه تم إجراء مشاورات مع طيف واسع من القوى السياسيّة والمجتمعيّة قبل قرار ما أسماها "المصالحة مع إسرائيل" التي وصفها بالدولة المقبولة بالنسبة للمجتمع الدوليّ.
لا يخفى على أحد أنّ تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيونيّ والسودان جاء بعد تفاهمات على إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكيّة للدول الداعمة للإرهاب، عقب إعلان الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، عن موافقة الخرطوم على دفع تعويضات لضحايا الإرهاب الأميركيين، لكن البرهان أجاب على سؤال "ما الذي استفاده السودان من التطبيع مع الصهاينة؟" بطريقة مختلفة، حيث أجاب رئيس ما يسمى المجلس السياديّ الذي أدخل بلاده في حظيرة التطبيع الأمريكيّ بأسلوب الجباء والخانعين، متسائلاً " ما الذي استفاده السودان ويستفيده من الخصومة مع من وصفها بـ "الدولة العضو في الأمم المتحدة" و "المقبولة من المجتمع الدوليّ" متناسيّاً تاريخ الاحتلال العدوانيّ والإجراميّ بحق العرب والمسلمين وأراضيهم.
واعتبر البرهان تطبيع السودان مع كيان الاحتلال الغاصب أمراً طبيعياً، مدعياً أنّهما تشاورا مع طيف واسع من القوى السياسيّة والمجتمعيّة ووجدوا عدم ممانعة فيما أسماها "إنهاء حالة العداء" مع المحتل للأراضي العربيّة وإقامة علاقات معه، في الوقت الذي يتصاعد فيه الرفض الشعبيّ في السودان لقضيّة التطبيع، والدليل على ذلك ما أعلنته أحزاب سياسيّة ومنظمات أهليّة وتكتلات إعلاميّة وشبابيّة وعلماء، عن تدشين ائتلاف "القوى الشعبيّة السودانيّة لمقاومة التطبيع مع الكيان الإسرائيليّ"، حيث وأوضح ممثل الائتلاف، دفع الله السر، أنّه لا مصلحة للسودان في التطبيع مع المحتل الذي جاء لسرقة موارد السودان، ما ينفى كل الادعاءات الصادرة عن المسؤول السودانيّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ الجبهة المعاديّة للتطبيع والمكونة من 28 حزباً وتكتلاً ومنظمة، تؤكّد أنّ القضيّة لها أبعاد سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، فيما تصر الحكومة السودانيّة على تصورها بأنّها قضيّة قمح ووقود تأخذ منه القليل مقابل بيع القيم السودانيّة، ودعوا كل القوى السياسيّة الحرة في السودان لرفض الدخول في حظيرة التطبيع الأمريكيّة، لأنه سينصب على السودانيين دكتاتوراً لا يعترف بالحرية والديمقراطيّة، بحسب تعبير القيادي بحزب المؤتمر الشعبيّ طارق بابكر، الذي أشار إلى أنّ السودانيين يقفون مع فلسطين بكامل أراضيها وعاصمتها مدينة القدس، ولا يعترفون بتقسيمها شرقيّة وغربيّة.
إضافة إلى ذلك، يصف ميثاق جبهة "القوى الشعبيّة لمناهضة التطبيع مع الكيان الإسرائيليّ" التطبيع بأنّه محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج السودان لها رغم أنفه، فيا ينص على أنّ القضية الفلسطينيّة عادلة لشعب احتلت أرضه وانتهكت مقدساته، وأنّ حقوق الشعب الفلسطينيّ ظلت محل إجماع الشعوب الحرة والشرائع الإنسانيّة كافة، بالإضافة إلى أنّ التطبيع مع الكيان الصهيونيّ يحقق نصراً معنوياً وسياسياً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً لشعب مظلوم.
ومما ينبغي ذكره، أنّه في ليلة الإعلان المشؤوم عن إعلان اتفاق العار بين تل أبيب والخرطوم، خرج عشرات السودانيين في تظاهرات غاضبة وسط إحدى الشوارع الرئيسة في الخرطوم، احتجاجاً على الخيانة التي ارتكبتها حكومتهم، بتطبيع علاقاتها مع العدو الصهيونيّ، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، مقاطع مصورة بثها ناشطون، وجّه المتظاهرون فيها شعارات منددة بينها "اسمع اسمع يا برهان، لا تطبيع مع الكيان" ، كما رددوا: "لا تفاوض ولا سلام، ولا صلح مع الكيان" ، و "لا بنستسلم ولا بنلين.. نحن واقفين مع فلسطين".
يشار إلى أنّ رئيس ما يسمى "مجلس السيادة الانتقاليّ السودانيّ"، عبد الفتاح برهان، التقى برئيس الوزراء الصهيونيّ في أوغندا قبل تطبيع السودان، وألمح خلال افتتاح مؤتمر اقتصاديّ بالعاصمة السودانيّة الخرطوم، قبل مدة، إلى تطبيع العلاقات مع الصهاينة، حيث زعم أنّ السودان أمام "فرصة لا تعوض"، لحذف اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكيّة، معتبراً أنّه يجب اغتنام تلك الفرصة، دون أن يذكر الشروط الأمريكيّة – الإسرائيليّة على ذلك.
خلاصة القول، وَقَع رئيس المجلس السياديّ السودانيّ في فخ تصريحاته ولم يتعلم من الدرس الإماراتيّ - البحرينيّ بعد الاستسلام للإرادة الأمريكيّة، فيما يصر على معارضة النسق الفكريّ والعقائديّ لشعبه.