الوقت- في نهاية المطاف وجدت السلطة الفلسطينية نفسها وحيدة لا يدعمها أحد من حلفائها السابقين، ولم يبق أمامها سوى العودة إلى قاعدتها الشعبية التي بدأت تفقدها نتيجة انعدام الثقة بالسلطة، والحل الآخر كان هو المصالحة مع حركة "حماس"، وقد اتضح اعتماد السلطة الفلسطينية على الغرب من خلال كلام رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد أشتية، الذي ألقاه عبر الأقمار الاصطناعية إلى لجنة الشؤون الخارجيّة في البرلمان الأوروبي، حيث عبر أشتية عن تخوّفه من فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولاية رئاسيّة ثانية، متمنياً خسارته.
وقال أشتية متوجهاً إلى البرلمان الأوروبي الثلاثاء، إنّه "في حال نجاح ترامب وكان يتعيّن علينا العيش 4 سنوات أخرى معه... فليساعدنا الله وليساعدكم وليساعد العالم أجمع". وفي المقابل، تفاءل اشتية بحال فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات المرتقبة في 3 تشرين الثاني المقبل.
وأضاف: "إذا ما تغيّرت الأمور في أمريكا، فأعتقد أن هذا سينعكس بنفسه مباشرة على العلاقات الفلسطينيّة-الإسرائيليّة، وعلى العلاقات الثنائيّة الفلسطينيّة-الأمريكيّة".
الواضح أن اشتية يبني آماله على ما سيحدث في الغرب وتحديداً أمريكا، وهذا خطأ استراتيجي ارتكبته السلطة، فهي تعلم جيداً ان قدوم أي رئيس أمريكي لن يخدمها بشيء ان كان ديموقراطياً أو جمهورياً فالاثنان يدعمان اسرائيل واطماعها حتى النخاع، حتى لو كان الاسلوب مختلفاً، فالجميع حاصر فلسطين وكان مشرفاً على احتلال أراضيها ولم يقدم أي خدمة للفلسطينيين، والسؤال اليوم هل تقديم مساعدات للسلطة كفيل بأن يحمي القضية الفلسطينية وكفيل بأن تتوقف اسرائيل عن استيطانها؟.
هذا الأمر لن يحدث اطلاقاً، والتاريخ يشهد على ذلك، والحل الوحيد لاستعادة الأرض هو المقاومة التي تخلت عنها السلطة ووجدت في السلام مع الاسرائيليين حلاً أفضل لها في تلك المرحلة وربما حتى اليوم، ولكن ماذا قدم لها هذا السلام؟، منذ مدة ليست بالبعيدة خرج علينا السيد محمود عباس وأظهر لجميع العالم المساحة التي تبقت للفلسطينيين وفقاً لصفقة القرن، وهو الداعم للتطبيع مع اسرائيل، ماذا قدم له هذا التطبيع سوى خريطة عليها حدود ضيقة ومحاصرة من جميع الاتجاهات من قبل الاسرائيليين، ألم يصل هؤلاء لقناعة أن الرغبة الحقيقية في التحرير والاستقلال لن تحدث سوى من خلال التحرر من الرضوخ مقابل اعطاء بعض المساعدات المالية، وأن يكون للسلطة برنامجا وطنيا وخطة مؤسساتية، ولكن يبدو ان قادة السلطة لم يصلوا بعد إلى هذه النتيجة، فقبل مدة، اتهم محمد اشتية الولايات المتحدة الأميركيّة بـ"محاضرة القيادة الفلسطينية، سياسياً واقتصادياً ومالياً"، موضحاً أن الرئيس دونالد ترامب "أقدم على قطع المساعدات عن الفلسطينيين ومنع بعض الدول العربية من الوفاء بالتزاماتها تجاههم، بهدف الضغط على القيادة الفلسطينية، وابتزازها وإجبارها على مقايضة الحقوق بالمال".
القائمون على السلطة هم أوصلوا الأمور إلى هذا الحد، وعليهم العودة إلى قاعدتهم الشعبية، ومعرفة ما يريده الشعب الفلسطيني والعمل على تحقيق آماله من خلال ايجاد صيغة للتوحد مع الأفرقاء الفلسطينيين ووضع خطة لاستعادة السيطرة على الأرض، لأن اي دول تحت الاحتلال تخضع لشروط الاحتلال.
عندما وقعت الامارات اتفاقية تطبيعها مع الاحتلال الاسرائيلي، أطلقت غزة 15 صاروخ على الجانب الاسرائيلي، اعتراضا على الصفقة، بينما لم تجد السلطة حركت ساكنا تجاه هذا التطبيع، وانما اكتفت بالقول يجب العودة غلى المعاهدات الدولية ومبادرة السلام العربية.
الواضح أن السلطة الفلسطينية خسرت جميع تحالفاتها، التي كانت تتغنى بها على مدار ثلاثة عقود، فالسعودية لم تعد مهتمة بالقضية الفلسطينية وخاصة في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ووفقاً لاستطلاع حديث أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، يعتقد 80% من الفلسطينيين أنَّ السعوديين منحوا الإمارات الضوء الأخضر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأعرب 82% من المشاركين عن توقعاتهم بأنَّ السعوديين سيحذون حذو الإمارات قريباً.
أما الغرب الذين توجهت نحوهم السلطة لكسب الدعم بعد اتفاقية أوسلو، فقد تخلوا عنها بشكل كامل، وأثبتت التجربة دوماً للفلسطينيين أن الولايات المتحدة أبعد ما تكون عن الوساطة النزيهة، والأوروبيون حليف باهت المواقف كثير المواعظ. أما ما يسمى الأنظمة العربية المعتدلة، فلم تكن يوماً مؤمنة بالقضية الفلسطينية؛ بل كانت تراها عبئاً أو وسيلة للتقرب من الولايات المتحدة في أفضل الأحوال.
واليوم وصلت بعض الأنظمة العربية للحليفة للغرب إلى ذروة براغماتيتها في التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها ملفاً تجرى مقايضته مقابل مزيد من الرضا الأمريكي، بل هي تريد التحالف مع إسرائيل ضد الخصوم الحقيقيين لهذه الأنظمة إيران وتركيا والقوى الديمقراطية والإسلامية في المنطقة العربية.
المشكلة أن هذا الوضع لم يترك "فتح" والسلطة الفلسطينية بلا حلفاء إقليميين فقط، بل جعلها في وضع أسوأ. فمنذ قرار "فتح" التحول من كونها حركة نضال متعثرة، إلى سلطة كان معناه اعتمادها على التمويل الخارجي للبقاء ووساطة ما يسمى الأنظمة العربية المعتدلة مع أمريكا، لتقنع إسرائيل بتسيير شؤون السلطة.
واليوم، فإن أمريكا وأغلب حلفائها العرب يتلكؤون في تمويل السلطة، ويستخدمون كل الأوراق السابقة للضغط عليها لتقديم تنازلات غير مسبوقة لإسرائيل. ورغم رفض السلطة الواضح لهذه الطلبات، فإن السؤال هو: هل يستطيع أعضاء حركة فتح الذين أصبحوا رجال السلطة، تحمُّل الثمن الباهظ لمقاومة هذه الضغوط. بالنسبة لـ"حماس" و"الجهاد" الذين كانوا في حالة مقاومة فعلية منذ أوسلو، فإن ما حدث مجرد تدهور، ولكل بالنسبة للسلطة الفلسطينية فإنهم يتعرضون لمحاولة خنق حقيقية.