الوقت- عقود عدّة مرّت وجدت دويلة الإمارات خلالها في "التبييض الثقافي" السّبيل الأمثل للعب على مشاعر الشعوب العربيّة من خلال توظيفها العشرات من مُدّعي الثقافة من صحفيين وكُتّاب وفنانين ورّسامين وذلك للترويج للفكر الإماراتي، أمّا اليوم وبعد أن أصبحت خيانة الإمارات واضحة للعيان وبات مُدّعو الثقافي هُناك يُحاولون الدفاع عن الموقف الإماراتي المُنسلخ عن الأمّة وقضاياها والذي بات لا يرى في الكيان الإسرائيلي إلّا صديقاً وحليفاً يجب الذّود عنه بكلِّ ما أُوتوا من قوّة، وهنا ظهر الوجه الحقيقي للعديد من مُدّعي الثقافة وكيف باتوا أبواقاً للتمجيد بالموقف الإماراتي "الحكيم"، شأنّهم في ذلك شأن العديد من مشايخ السلطان كوسيم يوسف الذي بات يلعب دور الشّيطان من خلال مُحاولاته تبرير تلك الخيانة.
مقاومة من نوعٍ آخر
لكن وعلى الجانب الآخر؛ وقف المُثقفون الحقيقيون في وجه هذا التبييض الثقافي، وأعلنوها مُدويّةً أن لا تطبيع مع الكيان مهما كان الثّمن، مؤكدين أنّهم يدعمون النضال الفلسطيني من أجل التحرير وتقرير المصير وعودة اللاجئين، مُتعهدين بمقاطعة الأنشطة الثقافية التي يرعاها نظام عيال زايد، بعد أن أعلن تطبيعه الكامل مع الكيان الإسرائيلي وأصبحت الخيانة وجهة نظر يُمكن بحثها.
العشرات من الفنانين العرب، وبأسماءٍ بارزة في عالم السينما والموسيقا والتصوير والفنون والأدب من بينهم المخرجون مي مصري وهاني أبو أسعد ومحمد بكري، والفنانون التشكيليون رشيد قريشي ونبيل عناني وسليمان منصور، والموسيقيان ريما ترزي وكاميليا جبران، والكثير غيرهم وبمشاركة الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية للكيان الإسرائيلي، وشركاء في العالم العربي والعالم، جميعهم أطلقوا مُبادرةً لمقاطعة ليس الكيان الإسرائيلي وحسب، بل دويلة الإمارات المُتحدة، متعهدين بعدم المشاركة في أي حدث يرعاه النظام الإماراتي أو أي شركة أو مؤسسة متواطئة في تنفيذ اتفاقية التطبيع، حتى تنهي الإمارات تطبيعها مع الكيان الإسرائيلي وتنهي انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان.
وأكّد المُثقفون المشاركون في تلك الحملة أنّهم ملتزمون بالعدالة والتغيير الاجتماعي التقدمي بما يتماشى مع القيم الإنسانية، مؤكدين عملهم مع الأحزاب الكبرى والنقابات والجمعيات النسائية، والمنظمات الحقوقية وغيرها في المنطقة العربية ضد اتفاقية التطبيع بين النظام الإماراتي ونظام الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، مُشيرين إلى أنّ شعب الإمارات لم يكن له أيّ رأيٍ في اتفاقية الذل هذه، وهو بالكاد يمكنه التعبير عن معارضة علنية لهذا التطبيع.
وما إن خرج بيان المقاطعة حتى تداعى عدد من المُثقفين العرب وأعلنوا هم أيضاً مقاطعة هذه الدويلة، ومن المقاطعين الكاتبة المغربية زهرة رميج، التي آثرت سحب روايتها الأخيرة من مسابقة جائزة الشيخ زايد للكتاب، فيما استقال الشاعر المغربي محمد بنيس من اللجنة المنظمة لتلك المُسابقة، أمّا الكاتب الفلسطيني أحمد أبو سليم، وهو الذي سحب أيضاً مشاركته في الجائزة العالمية للرواية العربية (IPAF) والتي تُنظمها إمارة أبو ظبي، وعلّق أبو سليم "سيكون الحصول على جائزة إماراتية إثم"، وذلك في إشارة لمقاطعته للإمارات حتى تعود إلى رُشدها.
حرب ثقافية
كثيراً ما استخدمت مؤسسات الكيان الأمنيّة الثقافة والفنون للترويج لسياسات الكيان الاستيطانيّة، حيث تُعتبر مؤسسات الكيان الثقافيّة حاملاً لأيديولوجيّة الكيان العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، مع دعم وتبرير وتبييض سياسات الكيان التي ينتهك من خلالها حقوق الفلسطينيين، حيث تقوم هذه المؤسسة بدعوة فنانين دوليين ليقدموا عروضهم في أماكن ومؤسسات ثقافية تابعة للكيان الإسرائيلي، وذلك للخروج بانطباع أنّ الكيان الإسرائيلي دولة "طبيعية" كأي دولة أخرى.
ومما ذُكر آنفاً يتضح الأهميّة الكبيرة لحملة المقاطعة العربيّة للنظام الإماراتي، حيث تحرمه هذه الحملة من تسويق نفسه ثقافياً أمام دول العالم ومحاولة الخروج بمظهر المُنفتح على ثقافات العالم، وما زاد الطّين بلّة مُشاركة عدد كبير من المُثقفين اليهود من المناهضين للكيان الإسرائيلي في حركة المقاطعة ودعمها، وهو الأمر الذي شكّل ضربة كبيرة لمشروع التبييض الإماراتي.
أكثر من ذلك؛ ما لم يتوقعه عيال زايد ولم يخطر ببالهم أن يأتي أحد مُثقفي الإمارات ويصرخ بعلو صوته أن لا للتطبيع، وهو ما كتبته الكاتبة والمُثقفة الإماراتية ظبية خميس يوم إعلان التطبيع لتقول: "يوم حزين وكارثي"، وتزيد: "لا للتطبيع بين إسرائيل والإمارات والدول الخليجية إسرائيل هي عدو الأمة العربية كلها".
وفي النهاية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ نظام أبو ظبي استثمر في السنوات الأخيرة مبالغ ماليّة ضخمة في المجال الثقافي، في مُحاولة منه لتحسين صورته أمام العالم، ليقوم بافتتاح فرع لمتحف اللوفر الفرنسي الأشهر عالمياً في أبو ظبي، كما عملت حكومة الإمارات على تمول الدولة العديد من الجوائز الأدبية، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب والجائزة العالمية للرواية العربية، وبالطبع الهدف الأوحد لهذه الدعم هو مُحاولة التبييض الثقافي لجرائمها.