الوقت- قبل عشرين عاماً كتب صحيفة البيان الإماراتية الشهيرة: "أبرز أشكال هذا التطبيع يكمن في تحريف المناهج الدراسية عن أهدافها الرامية لإعداد جيل منتم وملتزم بعقيدة هذه الأمة، إجراء التبديل والتحريف للمناهج الدراسية المتعلقة بتاريخ هذا العدو وعداءه لهذه الأمة في الماضي والحاضر وما تعلق كذلك بحقوق الأمة"، هكذا كان رأي الإمارات قبل عشرين عاماً عندما كان يحمها الرّجال، أمّا اليوم؛ فيتسابق الصبية الذي وصل إليهم الحكم على طبقٍ من فضّة في التطبيع، ليس التطبيع وحسب، بل خلق جيل مُنحل ومُطبّع مع الكيان الإسرائيلي، لا ينتمي أبداً إلى هذه الأمّة بل إنّ جيلاً سيكبر على مناهج دراسيّة تمّ وضعها في الكيان الإسرائيلي لتتوافق مع قيم السلام –السلام من منظور الكيان طبعا- لن يكون إلّا خنجراً في ظهر الأمة أو خير عونٍ للكيان الإسرائيلي.
كتب على المقاس الصهيوني
زوراً وبهتاناً؛ تدعي الإمارات أنّ منهاجها الجديد يُركّز على التعاون والسلام على أنّها قيمٌ إسلامية أساسية، كما أنّها -أي المناهج- تُركّز على خصائص وطنية إماراتية، غير أن ما رشح عن تلك المناهج تأكيدها على أهميّة التطبيع بين الكيان الإسرائيلي والكيان الإماراتي، وكأنّ القيم الإسلامية والإنسانيّة لا يمكن رؤيتها إلى من خلال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، أمّا كونها خصائص وطنيّة إماراتية؛ فهنا لابُدّ من قراءة شيء من الأنثربولوجيا لمعرفة عمر دولة الإمارات ورؤية ما إن كانت تلك الخصائص موجودة ضمن التاريخ الإماراتي الضارب في القدم والذي يعود لما يقارب الخمسون عاماً.
أكثر من ذلك؛ فإنّ خروج المناهج الجديدة إلى العلن يشي بأنّ عمليّة التطبيع قد دُبرت بليل، وإن دلّ هذا على شيءٍ فإنّه يدلُّ على أنّ عملية التطبيع كانت تسير على قدمٍ وساق، وقد أُعدّت العُدّة لها منذ زمن بعيد، حتى يتمكن القائمون على تلك المناهج من تجهيزها، على الرغم من اليقين بأنّها قد حُضرت في الكيان الإسرائيلي، ومن غير المُمكن تجهيز منهاج جديد بعد حوالي أسبوعين من التوقيع على اتفاق التطبيع.
ويبدو أنّ المناهج الإماراتية التي باتت ترى في الكيان الإسرائيلي "صديقاً" وأنّ الفلسطينيين مُحتلين وقتلة يُراد منها إيجاد جيل مُنسلخٌ عن ماضيه وعن كلُّ قضايا أُمّته، وهو بالضّبط ما يُريده الكيان الإسرائيلي، بعد أن عجز عن قتلة القضيّة الفلسطينية بالرصاص والقنابل، ليهتدي إلى الطريق الأقل كُلفة والأكثر فعاليّة، وهو خلق أجيالٍ عربيّة لا ترى فيه عدوّاً، إنّما شريد عائد إلى أرضه.
رفض شعبي
الحال الرّث الذي وصلت إليه الإمارات في ظل حكومتها الحاليّة من خضوعٍ وخنوع نتج عنه تطبيع مُذل، ووصلت نتائجه إلى النشء الجديد، أجبر عدد من الإماراتيين على الوقوف بوجه تغيير المناهج الذي يُراد منه تأسيس أجيال خانعة، فقبل الإعلان عن هذه الخطوة كان يظن عدد كبير من الإماراتيين أنّ مفاعيل هذا التطبيع ستتوقف على العمل السياسي، وسينتهي مفعوله مع تغيير الحكومة الحاكمة الآن، وفي أسوء الأحوال ستتغير مع تغيّر المواقف السياسية، غير أن وصول هذا التطبيع إلى المدارس الإماراتية، وهو الأمر الذي سيُهدد المُستقبل الإماراتي حتى وإن تغيّرت الحكومة الحالية، وعلى هذا الأساس تداعى عددٌ من الإماراتيين للتنديد بتغيير المناهج الدراسية، مؤكدين أنّ حُكام دولتهم باتوا خاضعين وبشكلٍ كُلّي للكيان الإسرائيلي، خصوصاً وأن تلك المناهج لم تعد ترَ في الكيان الإسرائيلي إلى صديق للإمارات، وهو الأمر الذي رأوا فيه خروج عن الأصول المعمول بها في الإمارات منذ تأسيسها، حيث أنّ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي كان يعتبر من المُحرّمات على المستويين الشعبي والرسمي، كما تمّ تأسيس مكاتب وهيئات خاصة وأخرى حكومية للتأكد من أنّ عملية مقاطعة الكيان الإسرائيلي تتمُّ على قدمٍ وساق.
تجدر الإشارة إلى أنّ المناهج الدراسيّة في الكيان الإسرائيلية تزخر بالمواد العنصرية والتي تحضُّ على العنف والقتل، غير أننا لم نسمع أحد مشايخ تلك الدويلات يُطالب الكيان الإسرائيلي بتغيير مناهجه لتتماشى مع عمليات التطبيع الجديدة والجارية حالياً مع بعض الدويلات العربيّة، حيث يُقدّم الكيان في مناهجه مواد تعليمية تحريضية وعدائية تجاه الفلسطينيين خاصةً والعرب بشكل عام، ويعتبر الكيان في مناهجه أن العرب محتلون لأرض اليهود، وإنّ الفتح العربي والإسلامي ما هو إلا غزو تاريخي لأرض اليهود التاريخيّة، وإنّ العرب بدوٌ رُحّل جاؤوا إلى فلسطين باعتبارهم غُزاة، وهدموا حضارة اليهود وعمرانهم!.