الوقت- "الخطر هو أنظمة الصواريخ، والصواريخ الموجهة بدقة التي يمتلكها حزب الله في الجنوب، لذلك فإن نزع سلاح حزب الله أكبر التحديات"، هذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في مؤتمر صحفي مطلع هذا الشهر، وعاد وكرره قبل أيام في محاولة لخلط الأوراق من جديد في الداخل اللبناني ووضع العصي في الدولايب في محاولة للقضاء على المبادرة الفرنسية التي من شأنها تخفيف حدة الأزمة اللبنانية ولو كان عليها بعض الملاحظات، إلا أن ما يميز هذه المبادرة أنها لا تقصي أحداً ولا تضع شروطاً تعجيزية لا يمكن حلها.
منذ أن أطلقت فرنسا مبادرتها كانت الأنظار تتجه نحو الموقف الأمريكي الذي لم يخذل اسرائيل وبعض الجهات الأخرى التي ترغب باستمرار الوضع في لبنان على ما هو عليه، وكان الأمر من بوابة استهداف "حزب الله" وكل من يرتبط معه في الداخل والخارج، وقبل يومين فرضت واشنطن على شركات تابعة لأشخاص قالوا انهم ينتمون أو يدعمون "حزب الله" والسؤال لماذا جاءت هذه العقوبات بعد انفجار بيروت وبعد اطلاق المبادرة الفرنسية؟.
الادارة الأمريكية وتحديداً بومبيو انتقدوا بشدة طريقة التعامل الفرنسية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ولتأكيد عرقلة واشنطن للجهود الفرنسية، انتقدت الادارة الامريكية بشدة هذه الجهود وكانت مستاءة من اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى بيروت، مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى السؤال عن كيفية تعاطي باريس مع هذه الرسالة، في ظلّ الرغبة الواضحة التي تبديها بإنجاح مبادرتها في لبنان، الأمر الذي لا يمكن أن يتم من دون تواصل مباشر مع "حزب الله"، وهو الأمر الذي أدركه ماكرون قبل زيارته الى لبنان، وأصر عليه خلال الزيارتين.
لماذا لا يفهم الأمريكيون أن "حزب الله" هو جزء من التركيبة اللبنانية وله تأثير كبير في اي خطوة سياسية أو مبادرة لحلحلة الأمور في لبنان نظراً لمكانته الكبيرة وجماهريته في الداخل اللبناني، بكل الأحوال جاء الرد الفرنسي على امتعاض واشنطن من التعاطي مع "حزب الله" أول أمس ،حيث كان تواصل السفير برونو فوشيه مع مسؤول العلاقات الدولية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي، مؤشرا على أن باريس لن تتراجع عن موقفها الرافض لتصنيف "حزب الله" منظمة إرهابيّة، كما تريد واشنطن، وتُصر على الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري بالرغم من أن الحزب نفسه لا يعترف بهذا الفصل.
في المقابل أشارت مصادر سياسية مطّلعة الى أن الحزب تواصل مع مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه، وتم النقاش في الحكومة ووزارة المال، ليشكّل هذا التواصل مفاجأة الى أطراف لبنانية معارضة لحزب الله، كانت وما زالت تمنّي النفس بلحاق الجانب الفرنسي بالإدارة الأمريكية ووضع حزب الله على لائحة الإرهاب، الامر الذي لم يحصل ولن يحصل قريباً على ما يبدو.
اللقاء الفرنسي مع "حزب الله"، أوصل رسالتين:
أولاً: ايصال رسالة واضحة وصريحة لبومبيو بأن عليه التعاون مع فرنسا والتوقف عن انتقاد الدور الفرنسي في لبنان.
ثانياً: إن فرنسا تسعي لإنجاح المبادرة نظرا لأهميتها في رسم الدور الفرنسي في لبنان للمرحلة المقبلة، ولكن هذا الرد الفرنسي على وزير الخارجية الامريكي قد لا يجد تقبّلا أمريكياً، ما يفتح الباب أمام كباش أمريكي - فرنسي على الساحة اللبنانية، وهذا هو الأمر الذي تخشى منه القوى السياسية الراغبة بولادة الحكومة قريباً.
ليست المبادرة الفرنسية بالنسبة الى حزب الله نصّاً مُنزلاً. يُدرك الحزب تماماً الدور الفرنسي وما يضمره، ورغم الكثير من الملاحظات السلبية على أداء باريس، إلا أن " الواقعية السياسية" تقتضي التعامل مع المبادرة والاستفادة من بعض ما تحمله في سبيل الحدّ من الانهيار.
حزب الله لم يؤخذ بكلامٍ معسول، أو حنانٍ مُصطَنع، منذُ اللحظات الأولى لمجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت بعدَ انفجار المرفأ، انتظر الحزب هدوء الزوبعة الإعلامية التي رافقت "المنقذ"، إلى حين ظهور "النيّات".
لم يتعامل الحزب بسلبية، وإن كانَ الهدف واضحاً في نظره، ورغم عِلمه بأن أي خطوة فرنسية لا بدّ أن تصُبّ عند نهاية الأمر في الملعب الأمريكي . فهو قطَع الطريق على الجميع لتحويله إلى الشمّاعة الأسهل لكل خصم داخلي وخارجي بأن يرمي عليه مسؤولية التعطيل والفشل، وتعامل بما يراه واقعية سياسية مع المبادرة الفرنسية التي – وبالرغم من الملاحظات الكثيرة عليها – يرى أنه يُمكن الاستفادة من بعض بنودها بما يخدم المشهد الداخلي اللبناني ، بما أن ما يفعله الفرنسي اليوم هو مضيعه للوقت، بالنيابة عن واشنطن، وفي انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
رغم ذلِك، لم يُقفل حزب الله الباب أمام المبادرة الفرنسية، بل عبّر عن انفتاح تجاه بعض العناوين التي حملتها، والتي يُمكن الاستفادة منها في الوقت الراهن. يصِل الحزب إلى خلاصة مفادها أن التدخل الفرنسي مع ما يحملِه من مخاطر، يطرح مبادرة إنقاذية من شأنها أن تخفف من حدّة الانهيار، وهو أمر يفرض التعاون معها، في وقت يُمكن جني ثمار منها. أولاً، لن يرفض حزب الله قناة اتصال أرادتها فرنسا مفتوحة معه، باعتباره طرفاً سياسياً أساسياً على الساحة اللبنانية، في ظل الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على الدول الأوروبية لتصنيف الحزب كمنظمة إرهابية.