الوقت- يصادف اليوم 16 أيلول ذكرى مجزرتي صبرا وشاتيلا والتي وقعت أحداثها في العام 1982 والتي خلفت أكثر من 3000 شهيد بعد محاصرتهم ليلاً من قبل جيش الكيان الصهيوني وحزب الكتائب اللبناني، وبينما يعيش الفلسطينيون والعالم العربي والإسلامي هذه الذكرى وأوجاعها، يضغط العرب المطبعين على الجرح الفلسطيني ويعمقون نزيفه ليوقعوا مجتمعين اتفاقية طعن القضية الفلسطينية في الظهر والتي يسمونها "سلام" مع عدو شرد الملايين وقتل الآلاف ولا يزال.
في الأمس أقدمت كل من الإمارات والبحرين على توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد كبير من الحضور، وصرح ترامب بأن هناك دول أخرى ستنضم لقافلة التطبيع.
ما حدث في البيت الأبيض هو "خيانة" موصوفة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية والاسلامية التي ترفض هذا التطبيع ومنها الشعوب الخليجية أيضاً، وما يجري هو مرحلة مؤقتة لن يكتب لها الاستمرار في ظل تفاقم الغضب الشعبي تجاه هذا التطبيع، وما حصل لن يزيد المقاومة الا ثباتاً وقوة وستكون الأيام المقبلة شاهدة على انجازات المقاومة وقدرتها على قلب الطاولة على هؤلاء.
موقف المقاومة واضح وقد جدده رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، خلال زيارته الأخيرة للبنان، عندما قال: إن "إسرائيل" ليست جارة ولا صديقاً ولا حليفاً، مؤكداً أنها عدو وستظل كذلك.
وأكد هنية، خلال زيارته مقبرة شهداء صبرا وشاتيلا في لبنان، إن دماء صبرا وشاتيلا "ستظل لعنة تطارد المحتلين والكيان"، وأضاف قائلاً: "لن نغفر للعدو ولن يغفر لهم الشعبان الفلسطيني واللبناني"، وتابع: "نجدد العهد لشهداء صبرا وشاتيلا حين امتزج الدم اللبناني والفلسطيني في مجزرة صبرا وشاتيلا".
هذه الدماء الذكية لن تذهب هباء منثورا، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية لن تجد سبيلا للنجاح، وما يحاول الاسرائيليون والأمريكيون ايصاله من خلال هذه الصفقات مع بعض الأنظمة العربية أن فلسطين لم تعد تملك حاضنة عربية، وان الدول العربية تخلت عنها وجعلتها كبش فداء لمصالحها الشخصية، وبالتالي ينتظر هؤلاء أن يرضخ الفلسطينيون ويقبلوا بالشروط الاسرائيلية، التي ستضعهم أمام خيارين، إمّا استمرار الواقع الاحتلالي القائم مع أثمان متصاعدة اقتصادية وأمنية وسياسية، أو القبول بالسقف الذي يضعه كيان العدو، والمتمثّل في تكريس الاحتلال وشرعنته مع بعض التسهيلات الاقتصادية المضبوطة التي تعزّز بقاءهم في إطار الأسر الصهيوني.
الإسرائيليون في حروبهم لم يستهدفوا الفلسطينيين فقط، فهم يعتبرون جميع العرب والمسلمين أعداء لهم ويفاخرون بذلك، والأغرب أن بعض الانظمة العربية قدمت لهم أثمن هدية غير منتظرة دون مقابل، وعوضا عن ذلك هاجموا الشعوب العربية ومقاومتها ووصف هذه المقاومة بأنها "مقاومة ملتوية"، هذه المقاومة الملتوية التي يتحدثون عنها هي من رفع رأس الأمة العربية عالياً وهي من سطرت أعظم البطولات وان كان هناك اعتبار لهذه الأنظمة فبسبب هذه المقاومة التي أوقفت الاحتلال الاسرائيلي عن التمادي.
الاسرائيليون لا يتركون مناسبة إلا ويستغلونها لإظهار حقدهم وكراهيتهم لنا والبقية يقفون يتفرجون ويصفقون لهم. صحيح أن نتنياهو وترامب لديهما مصالح سياسية من هذه الاتفاقيات ولكن انظروا إلى الأسماء والتواقيت التي يختارونها للقيام بمثل هذه الصفقات، اتفاقية السلام الأخيرة في ذكرى "صبرا وشاتيلا" وهذا ليس من باب المصادفة، حتى إن طائرة التطبيع التي أقلعت من "تل أبيب" إلى أبو ظبي في 31 من الشهر الماضي، حملت اسم "كريات جات"، وهي مستوطنة صهيونية أقيمت على أنقاض بلدتي "عراق المنشية" و"الفالوجا" بعد احتلالهما إثر مجازر دموية. إضافة إلى أن المطار الذي أقلعت منه الطائرة اسمه "بن غريون" وهو قائد عصابات الهاجاناة الصهيونية المسؤولة عن مجازر الإبادة ضد الفلسطينيين، وأول رئيس وزراء في تاريخ الكيان.
كيف وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا؟
جرت المذبحة تحت أعين الجيش الإسرائيلي – المسيطرة على غرب بيروت وقتها والمسؤولة عن حراسة مداخل المخيمات – فقد أشعلت الأضواء ليلاً لترشد حلفائها من الكتائب اللبنانية، إلى الطريق، وارتكاب الجريمة.
في السادسة من مساء الخميس وفي أولى الهجمات دخلت 30 قاطرة محملة بـ 320 شخصًا، أربع عصابات تنقض من الأربع اتجاهات، كانوا من أكثر الميليشيات دموية ووحشية، رجال لا تثير مشاعرهم المتبلدة سوى العنف والجريمة، وفق موقع (ويكيبيديا).
تمت محاصرة المخيمان بشكلٍ كامل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة أرئيل شارون، ورفائيل إيتان، أما بالنسبة لقيادة القوات المحتلة فقد كانت تحت إمرة إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي المتنفذ، حيث دخلت القوات الانعزالية إلى المخيم ونفذت هذه المجزرة من خلال قتل السكان بدمٍ بارد ودون أية نوع من أنواع الرحمة والشفقة، ويشار إلى استخدام الأسلحة البيضاء وغيرها من الأسلحة الأخرى في عمليات القتل لسكان المخيم العُزَّل، وقد تمثّلت مهمة قوات الاحتلال الإسرائيلي في محاصرة المخيم وإنارته بالقنابل المضيئة في الليل المظلم، وكذلك منع هروب أهالي المخيم عن العالم، وقد تم قتل الأبرياء الفلسطينيين دون خسارة رصاصة واحدة.
وفي الجمعة اشتدت المذبحة وبلغت ذروة الوحشية في المنطقة المحيطة بمستشفى غزة، ثم هدأت حتى توقفت أخيراً في الثامنة من صباح اليوم التالي، بعد أكثر من 36 ساعة من القتل.
وفي الأول من تشرين الثاني من عام 1982م أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة من اجل التحقيق في هذه المجزرة، وقد قرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهان، أن يرأس برئاسة اللجنة بنفسه، وهذا ما يفسّر تسميتها بلجنة كاهان.
وفي السابع من شباط من عام 1983 أعلنت هذه اللجنة نتائج البحث، وقد تم الإقرار أنّ وزير الحرب الإسرائيلي أريئل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن هذه المذبحة بالإضافة إلى ذلك فقد انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وكذلك وزير الخارجية إسحاق شامير، ورئيس أركان قوات الاحتلال رفائيل إيتان وقادة المخابرات، من خلال القول بإنّهم لم يعملوا ما يمكن أن يؤدي إلى الحيلولة دون حدوث هذه المذبحة أو حتى إيقافها.
ورفض أريئيل شارون قرار هذه اللجنة، ما دفعه للاستقالة من منصب وزير الحرب بسبب الضغوط الواقعة عليه. فيما بعد وتحديداً بعد استقالة ارون عُيِّن أرئيل شارون وزيراً بلا حقيبة وزاريّة، حيث إنّه كان عضواً في مجلس الوزراء دون وزارة معينة لإسرائيل، وأيضاً تم انتخابه فيما بعد ليشغل منصب رئيس للحكومة الاسرائيلية، وقد قام بالعديد من المجازر الأخرى في الأراضي الفلسطينية ولم يتم محاكمته على أي من هذه المجازر على الرغم من ثبوت التهم الموجهة إليه.
ولم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا أول المجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين، ولن تكون آخرها، فقد سبقتها مجازر قبية ودير ياسين والطنطورة، وتلتها مجزرة مخيم جنين، ومجازر غزة وغيرها، ورغم بشاعة ما جرى من قتل وتدمير في صبرا وشاتيلا، وهو ما شهده العالم أجمع، لا يزال الفاعلون طلقاء.