الوقت- منذ انطلاق مؤتمر "مدريد" عام 1991، كان هناك جماعة فلسطينية انفصلت عن استراتيجية الكفاح المسلح والمقاومة وقامت بالتفاوض بشكل مباشر مع الكيان الصهيوني من أجل تحرير فلسطين وهذا الامر أدى إلى ظهور خلافات أساسية بين كافة الفصائل الفلسطينية. لقد كانت تلك الجماعة الفلسطينية منذ بداية المفاوضات في عام 1991، تحت مظلة الولايات المتحدة وكانوا يتفاوضون حول "عملية السلام في الشرق الأوسط" وبحلول عام 2014 أكملت هذه الجماعة الفلسطنية أكثر من 10 جولات من المفاوضات مع "تل أبيب". يذكر أن هذه الجماعة من الفلسطينيين لديهم مجموعة من المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة تم إنشاؤها بالتنسيق الكامل مع الصهاينة والولايات المتحدة. وهنا يطرح هذا السؤال نفسه، لماذا تعارض هذه الجماعة الفلسطينية ما يسمى بخطة الضّم الإسرائيلية لاجزاء من الضفة الغربية على الرغم من وجود العديد من التفاهم بينها وبين الجانب الصهيوني؟
وعود المتفاوضين الصهاينة للمتفاوضين الفلسطينيين
عندما بدأ المتفاوضون الفلسطينيون، الذين اجتمعوا في شكل منظمة التحرير الفلسطينية، بالتفاوض مع الكيان الصهيوني، ضحوا بالعديد من القضايا المهمة وذلك لتحقيق بعض الأغراض والاهداف الخاصة بهم ومن تلك القضايا الهامة ما يلي.
الاعتراف بالكيان الصهيوني
إن القضية الأولى التي كان على المتفاوضين الفلسطينيين قبولها في بداية مفاوضات التسوية هي الاعتراف بالكيان الصهيوني. ولقد تم الإعلان عن ذلك من كلا الجانبين في اتفاقات "أوسلو" قبل أن تسفر المفاوضات عن الخروج بأقل النتائج. وفي أعقاب المفاوضات السرية بين عامي 1991 و 1993، اعترفت "ياسر عرفات" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني كدولة قبل التوقيع على اتفاقات "أوسلو 1" الشهيرة بين الجانبين وهذا الاعتراف الفلسطيني كان بمثابة إنجاز حصل عليه الصهاينة من قبل عدو كانوا يقاتلونه منذ سنوات. لكن الكيان الصهيوني لم يعترف قط بالدولة الفلسطينية واعترف فقط بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل رسمي للفلسطينيين لدى الأمم المتحدة.
تخفيض مساحة فلسطين إلى خُمس مساحة فلسطين التاريخية
كانت منظمة التحرير الفلسطينية مقتنعة في المرحلة الثانية من التسوية، على أن خطة "حّل الدولتين" التي تقدم بها "بوش الأب"، ستكون هناك دولتان فلسطينية ويهودية في الأراضي الفلسطينية، حيث سوف يكون لدى الحكومة الفلسطينية أقل من 20٪ من مساحة فلسطين التاريخية. وبحسب اتفاقيات "أوسلو ، تشكلت الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وغطت المنطقة حوالي خمس مساحة فلسطين التاريخية. في الواقع ، كان المتفاوضون الفلسطينيون يهدفون إلى إقامة دولة فلسطينية ولهذا فلقد تخلوا عن أربعة أخماس من مساحة أراضيهم.
لقد كان المتفاوضون الفلسطينيون مقتنعين بأنه في مقابل إقامة دولة ذات سيادة ودخول الأراضي الفلسطينية التي لم يتمكنوا من دخولها في ذلك الوقت، فإنه ينبغي عليهم الاعتراف بأن 80٪ من مساحة فلسطين التاريخية من حق الكيان الإسرائيلي، واعتبروا هذا الاعتراف بأنه حل وسط لنزع فتيل النزاع مع "تل أبيب".
تعدي الصهاينة على الدولة الفلسطينية الصغيرة
مع توقيع اتفاقيات "أوسلو"، بدأ القادة الصهاينة بالقيام بالعديد من المؤامرات للقضاء على تلك المفاوضات وبدلاً من التوصل إلى اتفاق نهائي وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، استمروا في الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وفي كل جولة من المفاوضات، كان المتفاوضون الصهاينة يقومون باختلاق الكثير من الأعذار ووضع العديد من العقبات الجديدة، وتأجيل عملية التوصل إلى اتفاق نهائي وتقديم مطالب جديدة.
وكانت أهم خطوة اتخذها الصهاينة خلال تلك الفترة، هي كسب الوقت من خلال إجراء مفاوضات جديدة وتطوير المستوطنات في الضفة الغربية. ومع بناء مستوطنات جديدة، تم التنازل تدريجيا عن جزء كبير من الضفة الغربية للصهاينة. والسبب هو أن عملية الاستيلاء لم تركز فقط على أراضي المستوطنات التي تم إنشاؤها، ولكن بعد احتلال تلك الأراضي وإقامة المستوطنات، أنشأت حكومة الكيان الصهيوني بنية تحتية لها وبنت الطرق لهذه المستوطنات، وجميع الطرق التي تم إنشاؤها والطرق تم اغتصابها أيضا من قبل الجيش الإسرائيلي وقد تم ذلك بحجة الحفاظ على أمن المستوطنات. ونتيجة لذلك، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من المفاوضات التوافقية، أصبح جزء كبير من الضفة الغربية الآن في أيدي الصهاينة.
ضم الضفة الغربية يعتبر تعديا رسميا على الدولة الفلسطينية
عندما نراجع جميع عمليات المفاوضات السابقة بين المتفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال العقود الثلاثة الماضية، نرى أن الصهاينة تفاوضوا فقط من أجل كسب الوقت وليس من أجل الخروج بنتائج ترضي جميع الاطراف. لذلك، يعتقد المتفاوضون الفلسطينيون، الذين كانوا يأملون في إقامة دولة فلسطينية في منطقة صغيرة من أراضي فلسطين التاريخية، أن خطة ضّم أجزاء من الضفة الغربية لن يصب في صالح القضية والشعب الفلسطيني. ولهذا فلقد جدد "محمود عباس" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، يوم الأربعاء الماضي، رفضه المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية. وقال "عباس" في كلمة له خلال مشاركته في الجلسة الختامية "الافتراضية" لاجتماع البرلمان العربي، التي عقدت برئاسة مشعل بن فهم السلمي (سعودي) إنه "يرفض ضم أي شبر من الأرض الفلسطينية". وقال إن "القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بالتحلل من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، لا يعني أننا لا نريد السلام، بل أننا نمد أيدينا للسلام وعلى استعداد للذهاب لمؤتمر دولي، والعمل من خلال آلية متعددة الأطراف هي الرباعية الدولية (الاتحاد الأوروبي، روسيا، الولايات المتحدة، والأمم المتحدة) لرعاية المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية". ودعا "عباس"، البرلمان العربي إلى "مواصلة الجهود لحشد المزيد من الاتصالات والطاقات لإيصال الرسالة للإدارة الأميركية ودولة الاحتلال بالرفض القاطع، لأي خطط أو إجراءات تقوم بها، لضم الأراضي الفلسطينية".
الخلاصة
لقد قدم المتفاوضون الفلسطينيون الكثير من التنازلات للكيان الصهيوني الغاصب، فبالإضافة إلى الاعتراف بهذا الكيان الصهيوني في بداية مفاوضات أوسلو عام 1993، أعطوهم أيضا مجموعة من التنازلات خلال العقود الثلاثة الماضية وذلك لكي تحصل الحكومة الفلسطينية على 20٪ فقط من مساحة فلسطين التاريخية. لكنهم اليوم يرون أنه يجب عليهم نسيان هذا الشيء وتوصلوا إلى هذه النتيجة المنطقية التي تفيد بأنهم لو قدم خلال الفترة القادمة تنازلات لهذا الكيان الغاصب، فلن يمر وقت طويل قبل أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بطردهم من الأراضي الفلسطينية المتبقية لهم ولن يبقى من فلسطين التاريخية سوى أسمها.
ولكن في الوقت نفسه، لم يقم قطاع غزة، الذي يعتبر جزءًا صغيرًا من أراضي الدولة الفلسطينية، بالتنازل عن جزء من أراضيه لهذا الكيان الغاصب وذلك لأنه تحت حكم المقاومة، بل أن هذا القطاع الفلسطيني المقاوم قام خلال السنوات الماضية بالوقوف في وجه الصهاينة. وفي وقتنا الحالي يشعر العدو الإسرائيلي بالخوف من رجال المقاومة في قطاع "غزة"، الذين حوّلوا احلامهم إلى كوابيس تؤرق نومهم.
يذكر أن المئات من الإسرائيليين خرجوا قبل عدة أسابيع وسط "تل أبيب"، في أول تظاهرة من نوعها ضدّ مخطط ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية لسيادتها، واعتبرت حركة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية أن "هذه الأعمال تفسد الديمقراطية، ويجب أن تُمنع". ومن جانبه حذّر الاتحاد الأوروبي، إسرائيل من مساعيها لضم أراض من الضفة الغربية، واصفاً الأمر بأنه انتهاك للقوانين الدولية، ومحذراً إسرائيل من سياستها الاستيطانية. وقال الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد "جوزيب بوريل"، إن موقف الاتحاد الأوروبي من سياسة الاستيطان التي تتبعها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967، "واضح ولم يتغير". وحذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط "نيكولاي ملادينوف"، سلطات الاحتلال الإسرائيلي من ضم أجزاء من الضفة الغربية، قائلاً إن "مثل هذه الخطوة تشكل تهديداً متزايداً، وتنتهك القانون الدولي وستوجه ضربة مدمرة لحل الدولتين، وتغلق الباب أمام استئناف المفاوضات، وتهدد جهود دفع السلام الإقليمي".