الوقت – اقتراحٌ مؤلف من أربع صفحات ذلك الذي قدّمته السلطة الفلسطينية في رام الله، مُلخصه "أرجوكم أعطونا أيّ شيء لنقول إننا حققنا شيء"، ضاربين بعرض الحائط كل تضحيات الشعب الفلسطيني المُستمرة منذ اثنان وسبعون عاماً، فالمهم لتلك السلطة ليس استرجاع أراضي فلسطين التاريخية، ولا حتى المُحتلة بعد فضيحة حزيران المُسماة بالـ "نكسة"، بل الحفاظ على مكاسبهم الشخصية ولو كان ذلك على حساب عذابات الشعب الفلسطيني، أو على حساب فلسطين التاريخية، ليكون آخر تُرّهات هذه السلطة التنازل عن كل مقوّمات الدولة والقبول بكيانٍ مسخ سيُطلقون عليه وفي حال تنفيذه – ولا أظن أنّ سيجد طريقه للتنفيذ- اسم فلسطين!.
دولة مسخ
في التفاصيل؛ أعلنت السلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس ويرأس وزارتها محمد أشتية، وكعرض مضاد لخطة الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط "صفقة القرن"؛ أعلنت أنها اقترحت إقامة دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية مع تبادل للأراضي مع الكيان الإسرائيلي.
لا أعلم كيف من المُمكن أن يخطر على بال سلطة عباس أن تقوم بتقديم اقتراح كهذا، فماذا يعني دولة منزوعة السلاح؟، وكيف تُدافع عن نفسها؟ أم أنها ستكون عبارة مراكز استخباراتية مهمتها مُلاحقة الفلسطينيين وتقديمهم لقضاء الكيان؟ أم أنّهم سيُحوّلون فلسطين –أو ما بقي منها- إلى سجنٍ كبير للحؤول دون وصول المقاومين إلى عمق الأراضي الفلسطينية المُحتلة؟.
وماذا يعني تبادل للأراضي؟ وهي تعلم جيّداً أنّ المُستوطنات اليهودية قطّعت أوصل تلك الدولة المزعومة، وأنّ أيّ تبادلٍ للأراضي من شأنه تنفيذ صفقة القرن التي كان هذه السلطة قد ادّعت سابقاً أنها ترفضها؟ فالمستوطنات تتغلغل في رام الله والقدس كالسرطان الذي لا ينفع معه سوى الاجتثاث.
وعلى المقبل الآخر؛ دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، قادة الدول العربية والإسلامية، إلى تحرّك عاجل لمواجهة سياسة الضم التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي، معتبراً أنّ الضّم "عدواناً جديداً"، حيث يأمل هنيّة أنّ رسالته إلى التي أرسلها إلى أربعين دولة إسلامية من شأنها أن تُغير من الأمر شيئاً، غير أنّ واقع الحال والتاريخ يُخبرنا أنّ أحداً لن يُقدم المساعدة للفلسطينيين لمواجهة هذه المشاريع سوى ببعض التنديدات أو الاستنكارات التي لا تُسمن ولا تُغني عن جوع.
ما هو الحل
مبدأياً وعلى الرغم من العمالة الواضحة في خطة السلطة الفلسطينية؛ إلّا أنّ الكيان الإسرائيلي ذاته لن يقبل بها، فهو يُريد فلسطين كل فلسطين، ولن يقنع بما تنازلت عنه هذه السلطة، وعلى هذا الأساس فإنّ خطة أشتية لن ترى النور، كما أنّه لن يُصغي إلى أيّ مناشدات من أيِّ دولة في حال عزم على تنفيذ مشاريع الضّم.
ويبدو أنّ الحل هو ما الذي اعتاده الشعب الفلسطيني طيلة سني الاحتلال، فمقاومة مشاريعه عسكرياً يرافقها مقاومة سياسية هي الأجدى لثني الكيان الإسرائيلي عن تنفيذ مشاريعه، أولاً، ومن ثمّ تحرير كافة الأراضي الفلسطينية، ولربما خيرُ دليلٍ على هذا هو ما أظهر استطلاع للرأي أجراه الكيان الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي حول مشاريع الضم، ليأتي هذا الاستطلاع بنتائج كارثية لم يتوقعها ساسة الكيان، فمعظم المُستطلعة آرائهم يخشون من أن يؤدي الضم إلى انتفاضة فلسطينية، فبعد ما خبره اليهود خلال الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة، المعروفة باسم الانتفاضة الثانية، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وتضمنت موجات من العمليات الاستشهادية، فإنّهم اليوم يخشون موجةً شبيه بتلك لا تبقي ولا تذر، خصوصاً إذا علمنا أنّ أكثر من 450،000 مستوطن يعيشون في مستوطنات يعتبرها القانون الدولي غير قانونية في الضفة الغربية التي يقطنها 2.7 مليون فلسطيني.
وخلاصة القول نستذكر ما يقول المُتنبي "سوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيكِ تميل"، وها هي فلسطين اليوم من أمامها الكيان الإسرائيلي الذي التهمها في غفلةٍ من الزمن، ولم يُبقِ إلّا على الفُتاتِ منها، ومن خلفها أبنائها الذي ارتضوا الذُلَّ والهوان على أنفسهم، وأبا بعضهم إلّا أنّ يكون مطيّةً للكيان المُغتصِب، بل إنهم يُريدون من الجميع أن يستمرئ هذا الهوان حتى لا يُقال أنّهم وحدهم من سكت اغتصاب فلسطين، وهذا ديدن الخونة على مدار الأزمان يُحاولون أن يجعلوا من الجميع خونة حتى لا يُصابوا بالعار وحدهم، وتبقى فلسطين تنتظر فاتحاً جديداً علّه يُخلصها مما وقع بها طيلة سبعون عاماً.