الوقت- يواجه بنيامين نتنياهو هذه الأيام واحدة من أصعب الظروف التي مرّ بها منذ تشكيله لأول حكومة قبل حوالي ربع قرن، فحتى اتهامات الفساد التي تلاحقه لم تكن بذات الضرر الذي أحدثته قراراته المُتسرعة، فمنذ تأسيس الكيان قلّما نجد إجماعًا أوروبيًّا على الوقوف بوجه الكيان الإسرائيلي، وذلك بعد أن ضاقت القارة العجوز بالإجراءات التعسفيّة التي ترتكبها حكومة الكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين أولًا، وبحق الأوروبيين ثانيًا، وهم –أي الأوروبيين- طالما اعتقدوا بجديّة حكومات الكيان المُتعاقبة في تطبيق حل الدولتين، غير أنّ إجراءات تلك الحكومات عملت دائمًا على وأد الحل السياسي، وبعد وصول المُتطرف ترمب إلى البيت الأبيض وجدت حكومة الكيان أن الفرصة باتت مواتية لوضع العالم كلّه تحت سلطة الأمر الواقع، والبدء بتنفيذ صفقة القرن التي أعلن عنها ترمب بصحبة رئيس وزراء الكيان.
انزعاج أوروبي
تجد أوروبا اليوم نفسها كالزوج المخدوع، بعد تصرفات الكيان الإسرائيلي أُحادية الجانب، وهم اللذين دعمه بهدف إنهاء الصراع في الشرق الأوسط على مبدأ حل الدولتين، غير أنّ سلوك الكيان لا توحي بأنّ إنهاء هذا النزاع على جدول أولوياته، ولهذا السبب يعمل مع راعيه الأمريكي على تنفيذ مشروع الضم، وهنا لم تجد أوروبا مجتمعة بُدًّا من تهديد الكيان بفرض إجراءات عقابيّة ضدّه.
وبعد مطالبة البرلمان الإنكليزي مطلع الشهر الجاري لبوريس جونسون بالضغط على الكيان لوقف عمليات الضمّ، واليوم خرجت فرنسا أيضًا لتحث شركاءها في الاتحاد الأوروبي على التفكير في تهديد الكيان الإسرائيلي برد صارم إذا مضى قدما في مشروع الضم لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
أكثر من ذلك؛ من الواضح أنّ دولًا أوروبيّة أخرى بصدد الضغط على الكيان إذا ما واصل السير في مشروعه، فبلجيكا وإيرلندا ولوكسمبورج طالب مناقشة قرار يقضي باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد الكيان، وهذه الدول بانتظار موافقة بقيّة الأعضاء للبدء بعمل جماعي ضد الكيان.
حتى الآن من غير المعروف على وجه التحديد ماهيّة الإجراءات العقابيّة التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي، ومن المُفترض أنّ حكومات الاتحاد الأوروبي ستطالب مفوضية الاتحاد الأوروبي وقسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بالإضافة لهيئة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي بوضع قائمة بالخيارات اللازمة لمعاقبة الكيان الإسرائيلي.
وبهدف الوقوف بوجه خطط الكيان الإسرائيلي؛ قدم مبعوثي بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيرلندا، هولندا، إيطاليا، إسبانيا، السويد، بلجيكا، الدنمارك، وفنلندا اعتراضًا رسميًا لوزارة الخارجية الأمريكية ضد الخطوة المُرتقبة للكيان، وحمل الاعتراض الفرنسي لهجة التهديد، حيث أكدت باريس أنّ خطوة الكيان لن تمر دون اعتراض ولن يتم تجاهلها في العلاقات بين فرنسا والكيان الإسرائيلي.
دول أخرى على رأسها تركيا وروسيا والصين وبلجيكا وإسبانيا وإيرلندا وإيطاليا والنرويج، بيانات مماثلة برفضها لخطوة الكيان، حيث أكدت أنقرة أنّها لا تعترف بسيادة الكيان على الأراضي المحتلة منذ عام 1967.
أكثر من ذلك؛ معظم المجتمع الدولي يعتبر أن المستوطنات في الضفة الغربية غير قانونية وذلك وفقًا للقانون الدولي وعقبة أساسيّة أمام حل الدولتين، حيث يؤكد الفلسطينيون أنّ الضفة الغربية والقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين المستقلة، وعلى هذا فإنّ ضم مستوطنات الضفة الغربية سيقضي على أيَّ آمالٍ باقية لإقامة دولة جديدة.. وقابلة للحياة.
عقبات أوروبيّة
جميلةٌ تلك الطوباوية الأوروبيّة، غير أنّ الواقع وقوانين الاتحاد الأوروبي ذاته تفترض موافقة كافة دول الاتحاد على أيِّ عقوباتٍ مفترضة ضد الكيان الإسرائيلي، وهنا يبرز اللوبي الصهيوني في أوروبا والمُتمثِّل بالمجر والتشيك، حيث تعتبر هاتان الدولتان العقبة الأساسيّة أمام أيّة عقوبات أوروبية.
حكومتي المجر والتشيك والمحكومتان من اليمين المُتطرف تتبنيان وبشكلٍ فج رواية الكيان الإسرائيلي في الصراع مع الفلسطينيين، وأكثر من مرّة خرج سياسيو الدولتين ليؤكدوا أنّ مشكلة الصراع الفلسطيني مع الكيان تتمحور في "تطرف الفلسطينيين" وتبنيهم مواقف متشددة في التعامل مع "الحمل الإسرائيلي"، ومردُّ هذا الموقف فعليًّا هو العلاقات الاقتصادية، حيث أنّ شركات الأسلحة الإسرائيلية تُعدُّ أبرز مصادر السلاح للدولتين، ناهيك عن رغبة الكيان بالاستفادة من وجود اليمين المُتطرف على رأس الدولتين لإجهاض أي تحرك أوروبي لفرض عقوبات على الكيان، خصوصًا وأنّ الكيان يعرف مُسبقًا موقف بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) من الصراع الفلسطيني مع الكيان، وهو هنا يسعى جاهدًا لتوظيف خلاف المجر والتشيك للوقوف بوجه أيّ عقوباتٍ أوروبية.