الوقت- من يراقب حماسة رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، يعتقد أن تنفيذ بنود "صفقة القرن" ستتم خلال أيام قليلة، متجاهلاً جميع تبعات تنفيذ هذه الصفقة لأن ما يهمه في الحقيقة هو البقاء في السلطة لدورة جديدة وبالتالي فإن اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان بمثابة "ورقة رابحة" لنتنياهو لكسب المزيد من الأصوات، إلا أن الادارة الامريكية تدرك جيداً تعقيدات تنفيذ هذه "الصفقة"، وأولى الصفعات التي تلقاها نتنياهو كانت تأجيل ضم غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية إلى ما بعد انتخابات الكنيست المقررة في الثاني من آذار/ مارس المقبل.
رفض الضم جاء خلافا لما ينتظره نتنياهو وأنصاره، وسيكون بمثابة صفعة قوية لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، وينمّ تأجيل الضم عن مدى الخلافات التي تجري في كواليس البيت الأبيض حول توقيت اعلان بدء ضم غور الاردن ومستوطنات الضفة الغربية.
أنصار نتنياهو غاضبون جدا من صهر رئيس أمريكا جاريد كوشنر، ويعتزم ما يسمى مجلس "يشع" (يضم زعماء المستوطنات) نصب خيمة خارج مكتب نتنياهو، للمطالبة بـ "السيادة الآن".
وتُلقي مصادر من مجموعات المستوطنين الإسرائيليين ومن المقربين من رئيس الوزراء باللوم على كوشنر في حدوث انقسام في الإدارة، وتصور السفير الأمريكي ديفيد فريدمان أنه أكثر ميلاً لضم إسرائيل للمستوطنات في وقت قصير، وأن كوشنر يرفض التحرك السريع.، بحسب صحيفة واشنطن بوست الامريكية.
ويقول مراقبون إن هذه الخطوة ستمكّن نتنياهو من تعزيز دعم التيار اليميني له قبل الانتخابات الوطنية، في مارس/آذار المقبل، إلا أن رفض الادارة الامريكية أجبر نتنياهو على الاعلان بأنه لا ينوي ضم غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية إلا بعد انتخابات الكنيست المقرر تنظيمها أوائل مارس.
ودعا نتنياهو، أثناء حفل انتخابي أقيم أمس الثلاثاء في مدينة بيت شيمش، الحاضرين إلى مساعدة حزبه "الليكود" على الفوز في الانتخابات القادمة، وهي الثالثة على التوالي، كي يدعم الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن" والتي تقضي بفرض سيادة إسرائيل على تلك الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال: "إذا حققنا فوزا، وعندما سنحقق فوزا، سوف نستمر في صنع التاريخ. وعقب فوزنا سنفرض القانون الإسرائيلي على جميع المجتمعات اليهودية في غور الأردن ويهودا والسامرة (مصطلح عبري يستخدم للإشارة إلى الضفة الغربية) ".
وشدد نتنياهو على أن حزبه لن يضيع هذه "الفرصة العظيمة"، مناشداً جميع أعضاء "الليكود" المشاركة في الانتخابات بغية "ضمان مستقبل إسرائيل". وتتضارب هذه التصريحات مع وعود رئيس الوزراء الإسرائيلي السابقة التي تعهد فيها بضم الأراضي الفلسطينية المذكورة عقب نشر البيت الأبيض خطته للسلام في 28 يناير.
ووجد نتنياهو الذي يواجه اتهامات جنائية في ثلاث قضايا فساد قبيل الانتخابات نفسه في موقف صعب بعد إعلان "صفقة القرن"، إذ اتخذت واشنطن موقفاً متحفّظاً إزاء خطط تل أبيب فرض سيادتها فورا على الأراضي الفلسطينية المذكورة في الخطة، ودعا كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، حكومة إسرائيل إلى الامتناع عن هذه الخطوة قبل الانتخابات.
في الوقت نفسه، يواجه نتنياهو ضغوطا متزايدة من قبل جماعات المستوطنين، أحد أبرز حلفائه السياسيين، ووزير الدفاع نفتالي بينيت، وهم يطالبونه بالمضي قدما فورا في خطط الضم، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان المدعي العام، أفيخاي مندلبليت، سيسمح للحكومة الانتقالية بتمرير مثل هذا الإجراء.
وحول ذلك، ذكرت صحيفة "هآرتس"، أنّ تصريحات نتنياهو تتناقض مع تصريحات سابقة له ولمسؤولين في حزب الليكود الذي يتزعمه، قالوا فيها إن "فرض السيادة الإسرائيلية سيتم قبل الانتخابات". ولفتت الصحيفة إلى أن نتنياهو قرر تأجيل الضم خضوعاً لضغوط أمريكية وأوروبية.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية "كان"، قد نقلت عن مسؤولين في الليكود، أن الحزب يدرس الحصول على مصادقة الحكومة على "صفقة القرن" الأمريكية كاملة، وليس فقط على خطوة ضم المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، قبل انتخابات الكنيست الـ23.
ونقلت القناة الرسمية عن مصادر (لم تسمها) داخل الليكود، أن هذا التوجّه يهدف إلى وقف معارضة الإدارة الأمريكية لتنفيذ الحكومة الإسرائيلية خطوة ضم المستوطنات قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
وقدّرت المصادر ذاتها أن تنفيذ هذه الخطوة سيوقف المعارضة الأمريكية على خطوات الضم الأحادية الفورية، كون الحديث لا يدور فقط عن مصادقة الحكومة على ضم المستوطنات بل على الخطة بأكملها.
وكخطوة تالية بعد مصادقة الحكومة على "صفقة القرن"، سيتم طرح قرار فرض السيادة على مستوطنات الضفة الغربية للتصويت أمام الكنيست، قبل الانتخابات المقررة في الثاني من آذار/ مارس المقبل، بحسب المصدر ذاته.
أسباب تاجيل الضم
أولاً: ما قام به ترامب خلال المؤتمر الذي اعلن فيه عن توقيع "صفقة القرن" كان يشبه إلى حد كبير الاستعراض "السياسي" وكانت غايته واضحه، وتتمحور حول تحقيق دعاية جيدة لترامب قبيل الانتخابات وكذلك لنتنياهو على اعتبار أن الاثنين يواجهان مشكلات مختلفة ويواجهون المحاكمة، ولا نعتقد أن الأمر بالنسبة لترامب حالياً يتعدّى ذلك.
ثانياً: الإدارة الأمريكية تدرك جيداً أن مناخ تنفيذ بنود "صفقة القرن" على أرض الواقع غير متوافر حالياً، وهناك احتمال كبير أن تفشل هذه الخطة، لذلك أن يضعوا جماهيرهم في بوتقة "الأمل الوهمي" أفضل بكثير من أن يقدموا على عمل أحمق يكلّفهم الكثير، ومن هنا بدؤوا يعملون عبر بعض الحكومات العربية الخائنة على تمرير مسألة "التطبيع" مع العدو الصهيوني تمهيداً لتنفيذ هذه الصفقة وما عدا ذلك لن يستطيعوا البدء بتنفيذها حتى لو بعد قرن من الآن.