الوقت- مع انتشار فيروس "كورونا" هذه الأيام بشكل كبير أكثر من أي وقت مضى في العديد من بلدان العالم، أثيرت قضية التضامن والتعاون العالمي لمكافحة هذا الفيروس الخطير وهذه الأزمة العالمية بشكل جدي. وفي غضون ذلك، ازداد الضغط الدولي على أمريكا لرفع العقوبات عن إيران خلال الأسابيع القليلة الماضية ورفع الضغوط المالية والاتصالات التي قد تساعد طهران على التعامل مع هذا الفيروس الخطير ومنع انتشاره في البلاد. وفي هذا الصدد، دعا مسؤولون في دول مثل الصين وروسيا والهند وباكستان واليابان وفرنسا وألمانيا وحتى بريطانيا، واشنطن لرفع العقوبات القاسية التي فرضتها في وقت سابق على إيران وفي خطوة ملحوظة، بعث بعض نواب الكونغرس الامريكي رسالة إلى الرئيس الامريكي "دونالد ترامب"، طالبوه فيها برفع بعض العقوبات الاقتصادية التي فرضها خلال الاشهر الماضية على طهران. في الواقع، لقد استيقظت ضمائر العديد من الدول والكثير من المسؤولين الغربيين وأدركوا أن إيران تعيش في وقتنا الحالي في وضع صعب جداً وذلك بسبب العقوبات التي لا تزال مفروضه عليها والتي منعتها من توفير المعدات الطبية والموارد المالية وتأمين المنتجات الصحية اللازمة لمواجهة فيروس "كورونا" الذي انتشر في العديد من المدن والمحافظات الإيرانية خلال الاسابيع القليلة الماضية.
وعلى صعيد متصل، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن طهران رفضت يوم الاثنين، مقترحاً أمريكياً بتقديم مساعدة لها في مكافحة الفيروس ونقلت الوكالة الرسمية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، "عباس موسوي"، قوله إن السلطات هناك "تشكك في نوايا الأمريكيين ولا تعول على مساعداتهم". واتهم "موسوي" واشنطن إعلان هذا المقترح لأغراض الدعاية. وعلى الرغم من جميع المطالب الدولية، لم ترفع الحكومة الأمريكية أي شيء يُذكر من العقوبات حتى الآن، بل إنها أعلنت أيضًا بصراحةً عن استمرار سياسة الضغط الأقصى على طهران، بل أيضا فرضت عقوبات جديدة على إيران وبالتزامن مع ذلك، زعمت واشنطن بشكل مضحك للغاية أنها مستعدة لمساعدة إيران في حربها ضد فيروس كورونا وأنها سوف ترسل لها مساعدات طبية.
لماذا رفضت إيران المساعدات الأمريكية؟
لماذا رفضت إيران قبول المساعدات الأمريكية لمكافحة فيروس "كورونا" الذي انتشر في عدد كبير من المدن والمحافظات الإيرانية؟ وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذه الخطوة هي التي دفعت وزيرة الخارجية الأمريكية لاستغلال الفضاء السياسي ضد طهران من خلال التظاهر بأن البيت الأبيض قلق من انتشار هذا الوباء في إيران في حين أنه لا يعرف شيئاً عن الآثار السلبية التي تسببت بها عقوبات بلاده على حياة المواطنين الإيرانيين، لذلك يمكن القول أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة دفعت طهران لرفض مساعدات "ترامب" وهي كالتالي:
عجز أمريكا عن إدارة أزمة فيروس كورونا في الداخل الامريكي: لقد أثارت قضية المساعدات الأمريكية لإيران في الوقت الذي كشف فيه عدد من المسؤولين الحكوميين وأعضاء مجلس الشيوخ والمشرعين وحتى رؤساء الولايات الأمريكية مرارًا بعدم وجود مرافق كافية داخل أمريكا لمواجهة فيروس "كورونا". وعلى سبيل المثال، ذكر نائب الرئيس الامريكي "مايك بنس" أن البلاد تعاني من نقص حاد في أجهزة الكشف عن الحالات المصابة وفي الأيام القليلة الماضية، ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية ووكالات الأنباء داخل أمريكا مرارًا وتكرارًا عدم وجود كمامات ومواد تطهير ومعقمات كافية وهذا الامر أدى إلى خلق سوق سوداء في عدد من الولايات الامريكية لبيع هذه السلع الطبية. وبالإضافة إلى ذلك، انتقد السناتور الأمريكي البارز "بيرني ساندرز" أحد أخطر الديمقراطيين الذين سوف يشاركون في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، نقص الرعاية الصحية في أمريكا وضعف أداء الحكومة وفي سياق متصل، اشتكى عدد من المحافظين في ولايات أمريكية مختلفة مرارًا وتكرارًا من تجاهل البيت الأبيض وعدم قيامه بتقديم المساعدات الضرورية لمواجهة فيروس "كورونا". وفي مثل هذه الظروف، يبدو أن ادعاءات أمريكا المتمثلة في إرسالها مساعدات طبية لطهران مضحكة للغاية وذلك لأن هذه الادعاءات جاءت من بلد غير قادر في الاصل على مواجهة هذا الفيروس الخطير، فكيف يمكنه مساعدة بقية العالم.
عدم الثقة في نوايا الرئيس "ترامب": على مستوى آخر وفي الوقت الحاضر، يبدو أن البلدان لن تلجأ بعد الآن إلى الدخول في حروب عسكرية مباشرة لمواجهة منافسيها، بل إن تلك الدول سوف تفضّل الاستعانة بالحرب الناعمة والبيولوجية في الساحة الجديدة من الحرب وذلك لاستهداف منافسيها في السر والعلن. وخلال فترة رئاسة "دونالد ترامب"، ازدادت حدة هذه القضية أكثر من أي وقت مضى، وهنا يعتقد العديد من السياسيين أن هذا الفيروس الخطير صناعة أمريكية ويعتقدون أنه سلاح بيولوجي استعانت به أمريكا لمواجهة الاقتصاد المزدهر في الصين.
وفي هذا السياق، اتهمت الحكومة الصينية، ومن خِلال حقائق جديدة متوافرة لديها، أمريكا بأنها هي المصدر الأساسيّ لفيروس كورونا الجديد وأنها تعمّدت نشره في الصين من خلال عملاء وكالة المخابرات الأمريكية المركزية وتمسك "تشاو لي جيان"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، براويته الأولى وأعلن قبل عدة أسابيع عن وجود إثباتات تؤكد أن هذا الفيروس تمّ اختراعه وتطويره من قبل علماء أمريكيين عام 2015، وقال إن جنودًا أمريكيين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية العالمية التي جرت في مدينة "ووهان" التي تنافس فيها 10 آلاف عسكري من مُختلف أنحاء العالم في تشرين أول (أكتوبر) الماضي، هم الذين نقلوا الفيروس إلى هذه المدينة. وفي مثل هذه الحالة التي أصبح فيها الرئيس "ترامب" عدوًا بارزاً لإيران بسبب فرضه للكثير من العقوبات القاسية على طهران، فمن المنطقي لطهران أن تشك في سياسة المساعدات التي أعلنت أمريكا بأنها سوف تقوم بإرسالها إلى إيران ونظرا إلى أنه حتى ولو كان هناك أدنى احتمال بأن يسمح الأطباء الأمريكيون بانتشار مرض كورونا بشكل واسع وكبير في إيران، فلن يقبل أي منطق قبول إيران لتلك المساعدات الامريكية المشبوهة.
إثبات شرعية مواجهة إيران لأمريكا: لو أن طهران قبلت المساعدات المشبوهة التي قدمتها أمريكا لمواجهة فيروس "كورونا"، لتمكّن الرئيس الأمريكي "ترامب" من استغلال هذه القضية وتبرير الكثير من قسوته اللا إنسانية في معاقبة الشعب الإيراني وبعبارة أخرى، يعتزم الرئيس "ترامب" التستر على حجم جرائمه من خلال الاستمرار في فرض عقوبات على إيران في شكل سياسة الضغط الأقصى وهنا تجدر الاشارة إلى أن رفض طهران لهذه المساعدات سيساعدها على تأكيد شرعيتها في مواجهة العقوبات الأمريكية القاسية. لذلك، يمكن تقييم سياسة مسؤولي جمهورية إيران الإسلامية لرفض المساعدة الأمريكية على أساس المصالح الوطنية والواقعية السياسية.