الوقت-عبرت السفارة الفرنسية في طهران يوم امس (الثلاثاء) عن قلقها إزاء عملية الجيش السوري لتحرير إدلب، مدعية أن "البنية التحتية الصحية ومخيم النازحين يتعرضان للهجوم بشكل متكرر، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي". "
ان الأمر الهام الذي نست السفارة الفرنسية الاشارة اليه، هو الوجود الواسع النطاق للجماعات الإرهابية في سوريا، بدءا من تنظيم القاعدة إلى تنظيم داعش الارهابي والجماعات التي يسميها الغرب بالجماعات "المعتدلة". كما ان دور هذه الجماعات ونشاطها في إدلب واضح للغاية ولا يمكن إنكاره لدرجة أن ممثل الرئيس الأمريكي السابق في التحالف الدولي ضد داعش، روبرت ماك غورك لم يستطع انكاره. وقال الأخير في يوليو / تموز عام 2018: "ان محافظة إدلب هي أكبر ملجأ آمن لتنظيم القاعدة منذ الحادي عشر من سبتمبر، والتي ترتبط مباشرة بأيمن الظواهري وهذه مشكلة كبيرة. "
ومن ناحية أخرى، تدعي السفارة الفرنسية أنها تشعر بالقلق إزاء تدمير البنية التحتية السورية وانتهاك القانون الدولي في إدلب، في الوقت الذي لم تلتزم سلطاتها الصمت فقط مقابل الجرائم الواسعة والبشعة للمملكة العربية السعودية في اليمن، بل انها دعمت ايضا قرارات الرياض تجاه اليمن علانيةً، ومن خلال ذلك كسب العديد من شركات الأسلحة الفرنسية ارباح طائلة عن طريق قتل الشعب اليمني. كما نشرت احدى المواقع التسريبية على شبكة الانترنيت في عام 2019 معلومات سرية تشير الى استخدام المعدات الفرنسية في الحرب اليمنية
وعلى الرغم من انتهاكات المملكة العربية السعودية الإنسانية والدولية لحقوق الإنسان في اليمن، فإن الفرنسيين لم يتوقفوا عن بيع أسلحتهم للسعودية فحسب، بل قاموا أيضًا بالضغط على ألمانيا والبريطانيين، لرفع القيود عن بيع الأسلحة للسعودية. هذا في حين منعت برلين بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية بعد اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا. واتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يدافع عن "العالم الحر" وحقوق الإنسان، القادة الألمان "بالتحجر" فيما يتعلق بمنعهم بيع بعض الأسلحة للسعودية. وكانت هذه الأسلحة تُنتج بشكل مشروع مشترك بين ثلاث دول، ومع خروج المانيا من هذا المشروع، انخفضت ارباح مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وبالتالي انخفاض وتيرة قتل الشعب اليمني. ومع ذلك، رفعت برلين الحظر في وقت لاحق بسبب ضغوط لندن وباريس.
يُظهر أداء الغرب، وخاصة الفرنسيين في اليمن، أن كل ما لا يهم رجال الدولة الغربيين هو حقوق الإنسان والقانون الدولي. ويجب ان نستذكر الدليل الرئيسي لقلق الغرب بشأن تطورات إدلب في التصريح الذي أدلى به ماكرون في مقابلة مع مجلة الإيكونومست في نوفمبر الماضي قائلا: "ان الهزيمة في سوريا هي اشارة الى انهيار المعسكر الغربي".
والآن مع تقدم قوى محور المقاومة باتجاه إدلب، أصبحت هذه الإشارة واضحة بشكل متزايد بالنسبة للغرب. حيث يدرك المسؤولون الغربيون جيدًا تداعيات الحرب السورية على العلاقات الدولية، وإذا نجحت دمشق في تدمير الملاذ الأخير للجماعات الإرهابية في إدلب، فلن يكون لديهم وسائل جدية لتنفيذ أهدافهم في سوريا. وكما يتضح من تصريحات ماكرون، فقد أقر المسؤولون الغربيون بهزيمتهم في سوريا، لكنهم يحاولون رفع تكاليف النصر للحكومة السورية وحلفائها من خلال دعم الجماعات الإرهابية بالإضافة إلى نشر القوات بشكل مباشر في شرق الفرات.
يعلم الغربيون أن تحرير إدلب سيجعل استمرار وجود القوات الفرنسية والأمريكية في الفرات امام تحديات كبيرة، وسيكون عليهم مغادرة سوريا في وقت أقرب. وبالإضافة إلى ان الغربيين يشعرون بالقلق من الهزيمة الكاملة للمعسكر الغربي في القضية السورية المعقدة والحادة، فإن تقدم الجيش السوري في إدلب يمكن أن يكلفهم كثيرا من الناحية الأمنية والاقتصادية والسياسية داخل أوروبا لأن سيطرة الجيش السوري على هذه المناطق سوف يجعل بعض الإرهابيين "الذين لدى بعضهم أصول غربية" يدخلون إلى الدول الأوروبية باعتبارهم لاجئين وتزداد امكانية شن هجمات إرهابية. كما أن التكاليف الاقتصادية لاستضافة النازحين تخيف أوروبا، خاصة وأن تدفق اللاجئين جعل الأحزاب المتطرفة والشعبوية في القارة الأوروبية أكثر قوة وشعبية، وهي قضية يمكن أن تزيد من تقويض تماسك الاتحاد الأوروبي ومستقبله.