الوقت – يقوم الکيان الإسرائيلي بتطوير سياسة جديدة للتقارب مع دول الساحل الإفريقي. وفي هذا السياق، عقب زيارة نتنياهو الأخيرة إلى أوغندا، قال مكتبه في بيان إن رئيس الوزراء الإسرائيلي التقى خلال هذه الزيارة بوفد من السودان برئاسة رئيس مجلس السيادة السوداني "عبد الفتاح البرهان"، واتفقا على بدء عملية تطبيع العلاقات بين الجانبين. كما وصف نتنياهو اللقاء بأنه تاريخي.
وأضاف بيان مكتب نتنياهو: "البرهان يريد مساعدة بلاده على المضي في طريق التنمية بإنهاء عزلة السودان".
ثم قالت وزارة الخارجية الأمريكية من جانبها في بيان، إن بومبيو تحدّث أيضًا مع عبد الفتاح البرهان عبر الهاتف، وشكره على "قيادته تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
في أعقاب بيان تل أبيب، أعلن المتحدث باسم الحكومة السودانية "فيصل محمد صالح" ووزير الثقافة والإعلام في البلاد عدم علمه بوجود اتفاق من هذا القبيل، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
مع ذلك، فإن قمة "إنتيبي" تمثل تغييراً جوهرياً في العلاقات بين البلدين، والتي كانت من الناحية النظرية على خلاف حتى الآن. وإذا تم تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب بالكامل، فإن السودان سيكون ثالث دولة عربية تعترف بالکيان الإسرائيلي بعد مصر والأردن.
التدخل الإسرائيلي التاريخي في التطورات السودانية
التعاون مع جنوب السودان هو المصدر الرئيس لتدخل الکيان الإسرائيلي التاريخي والدموي في الوضع في السودان.
على الرغم من أن استقلال جنوب السودان عمره أقل من عقد من الزمن، ولکن علاقات الکيان الإسرائيلي الوثيقة مع الجنوبيين تعود إلى الستينيات، عندما دعم الموساد لأول مرة متمردي جنوب السودان الذين کانوا يقاتلون من أجل الاستقلال. حتى بين عامي 1969 و1971، کان الموساد ينفذ دعايةً سياسيةً في جميع أنحاء العالم نيابةً عن الحرکة السودانية المتمردة "أنيانيا".
بدأ الصراع بين شمال وجنوب السودان في أوائل عام 1955، أي قبل عام من استقلال السودان عن مصر وبريطانيا. ونتيجةً لهذه الحرب الطويلة، توفي أكثر من مليوني شخص وتشرد أربعة ملايين منهم كلاجئين أو نازحين من ديارهم.
الجولة الثانية من الحرب الأهلية بدأت في عام 1983 في أعقاب قرار حكومة "النميري" بتطبيق الشريعة في الجنوب. وبعد استئناف الحرب الأهلية، غيرت حركة "أنيانيا" اسمها إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، وعزز الکيان الإسرائيلي ذراعها العسكري أي الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة "جون قرنق دي مابيور".
في عام 2005، قتل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان "قرنق" في حادث تحطم طائرة هليكوبتر عند عودته من أوغندا. وخليفة قرنق أي "سلفاكير ميارديت" عزز العلاقات مع الصهاينة.
بعد استقلال جنوب السودان في 9 يوليو 2011، اعترف الکيان الإسرائيلي باستقلال جنوب السودان في أقل من 24 ساعة، تلته الزيارة الدبلوماسية الرسمية الأولى لرئيس الجنوب إلى الأراضي المحتلة، حيث أسس ميارديت سفارة جنوب السودان في القدس.
بالنسبة للکيان الإسرائيلي، كانت العلاقات مع جنوب السودان تعد وسيلةً للهروب من العزلة الدولية، وكذلك كبح النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي، خاصةً وأن السودان كان في الماضي الحليف الأهم لطهران في المنطقة.
ويتمتع جنوب السودان أيضًا بالوصول إلى النفط والموارد الطبيعية الأخرى التي قد تفيد الکيان الإسرائيلي. من ناحية أخرى، تم اجتذاب اليهود الإثيوبيين عبر جنوب السودان في الثمانينيات، وفتحت تل أبيب أبوابها لجنوب السودان لتوظيف العمال والقوى العاملة لتبرير بناء المستوطنات غير القانونية.
يُعتقد أن 7000 شخص من جنوب السودان يعيشون في الکيان الإسرائيلي. وعلى الرغم من الخلاف حول وجودهم في الکيان، يمكن لهؤلاء الاجئين وطالبي اللجوء العمل بشكل قانوني في "إسرائيل"، بموجب قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر في 13 يناير 2011.
إن عودة الحرب الأهلية في السودان في عام 2013، والتي عرّضت ملايين الناس إلى المجاعة والدمار، كانت مرةً أخرى سبباً للتدخل الإسرائيلي. في عام 2015، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يحظر مبيعات الأسلحة إلى الأطراف المتصارعة، ومع ذلك في يوليو 2015، انتشرت تقارير حول إرسال ما لا يقل عن 140 مليون دولار من الأسلحة الإسرائيلية إلى جنوب السودان.
في الواقع، على مدى العقود الماضية، كانت صادرات الأسلحة إلى البلدان الإفريقية ودعم الأنظمة القمعية والحركات العنيفة والفوضوية، عنصراً أساسياً في الدبلوماسية الإسرائيلية في هذه القارة، بهدف مواجهة انتشار الاهتمامات والانتقادات الدولية لمسألة القمع القاسي بحق الفلسطينيين.
على سبيل المثال، انتهك الکيان الإسرائيلي في التسعينيات الحظر التسليحي الدولي علی قوات الحكومة الرواندية المتهمة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب. كما درَّب الوحدات العسكرية للأنظمة القمعية في الكاميرون وتوغو وغينيا الاستوائية.
خلال حكم عمر البشير، كان السودان إحدی الدول العربية التي قاطعت الکيان الإسرائيلي لعقود من الزمن لاحتلال فلسطين. وهكذا، مع ظهور الأزمة في هذا البلد خلال العام الماضي، كان الکيان الإسرائيلي أحد الجهات الفاعلة الرئيسية خلف الکواليس لتفاقم الأزمة في هذا البلد.
وفي العقد الماضي، بالإضافة إلى دور الصهاينة الخفي في التطورات السودانية، هناك أيضاً تقارير حول أعمال عسكرية إسرائيلية مباشرة في السودان. على سبيل المثال، تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريکية في عام 2009 عن غارة جوية صهيونية في السودان، وذكرت رويترز أيضاً أن غارةً واحدةً وقعت في عام 2012. وفي عام 2015 أيضًا، زعمت وسائل الإعلام أن السودان أسقط طائرةً إسرائيليةً بلا طيار.
المحور العبري-العربي-الغربي في تطورات السودان
مع ظهور الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية في السودان، ظهر شكل من أشكال التعاون بين الکيان الإسرائيلي وأمريكا كأعداء لحكومة عمر البشير من جهة، والإمارات والسعودية کحلفاء لها، لتوفير الأرضية للإطاحة بعمر البشير وبقاء الظروف لاستمرار الوجود العسكري في رأس السلطة، وبقاء الهيکل الرئيسي للنظام.
السودان بلد مهم لأنه جزء من جامعة الدول العربية، وكان في قلب تنافس الرياض وأنقرة. وكانت تركيا تأمل في زيادة الاستثمار في السودان واستئجار جزيرة هناك. علی هذا الأساس، فإن السعودية والإمارات اللتين قطعتا علاقاتهما مع قطر عام 2017 كحليف لتركيا في المنطقة، رحبتا بالتغييرات في الخرطوم. ومع ذلك، بسبب القلق إزاء وقف دعم الحكومة الجديدة لحضور القوات السودانية في الحرب اليمنية، ساعدتا الجيش في الحفاظ على السلطة من خلال السيطرة على مجلس السيادة السوداني.
يشار إلی أن مجلس السيادة السوداني هو هيئة تشريعية تتألف من مسؤولين عسكريين ومدنيين، بقيادة الجنرال البرهان، والذي يشرف على نقل السلطة إلى الحكم المدني.
من ناحية أخرى، فإن أمريكا التي أدرجت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993، الأمر الذي حرم السودان من تلقّي المساعدات والقروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لا تزال تبقي علی العقوبات لمواءمة حكومة الخرطوم الجديدة مع سياساتها.
وفي ديسمبر/كانون الأول، أزالت أمريكا السودان من القائمة السوداء لانتهاكات الحرية الدينية، لكنها ما زالت تصنّفها كدولة راعية للإرهاب.
ووفقًا لمصادر صهيونية، فإن أحد مطالب الوفد السوداني من "إسرائيل"، کان فتح أبواب واشنطن أمامهم لإزالة السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، حيث ناقش نتنياهو الموضوع مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
يری الصهاينة أن أحد الطرق الرئيسية لنقل الأسلحة إلى المقاومة الإسلامية الفلسطينية في قطاع غزة، کان من شمال إفريقيا، وجزء منها يمر عبر السودان وليبيا. لذلك، فإن التقارب بين مسؤولي تل أبيب والخرطوم، يمكن أن يؤثر على نقل الأسلحة إلى غزة.
من ناحية أخرى، تسعى تل أبيب إلى التأثير على تطورات ليبيا من خلال العلاقات مع السودان. کما تسعى إلى الإطاحة بحكومة طرابلس، لأنه بهذه الطريقة ستلغی الاتفاقية الموقعة بين تركيا وحكومة طرابلس، والتي تهدد قدرة الکيان الإسرائيلي على تصدير الغاز.