الوقت - نقلت صحيفة "الوطن" اللبنانية أول أمس عن مصادر دبلوماسية غربية قولها، إن المندوب السعودي في الأمم المتحدة "عبد الله بن يحيى المعلمي" دعا نظيره السوري "بشار الجعفري" للمشاركة في مراسم انتخابات الرياض كرئيس لمجموعة العشرين.
وبحسب الصحيفة، رحب الدبلوماسيون السعوديون في هذا اللقاء بالمندوب السوري لدى الأمم المتحدة، داعين إلی علاقات ودية مع دمشق، لدرجة وصف المندوب السعودي التوترات والنزاعات واسعة النطاق بين البلدين في السنوات الأخيرة والتي أدت إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بينهما وانتزاع مقعد سوريا في الجامعة العربية بضغط من السعوديين، باعتبارها سحابةً عابرةً وغير مستقرة.
بالطبع، ليست هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها الرياض إشارات لإعادة بناء العلاقات السياسية مع دمشق، حيث رحب وزير الخارجية البحريني "خالد بن خليفة" بنظيره السوري "وليد المعلم" خلال اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر 2018، وقام باحتضانه بحرارة. وهي الخطوة التي رآها الخبراء أنها بداية التقارب بين الدول الخليجية وسوريا، ظهرت آثاره بعد وقت قصير عبر إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق في ديسمبر.
إعادة فتح سفارة الإمارات في دمشق، بسبب التقارب الوثيق بين السياسات الإقليمية لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، خلقت دور الإمارات كحلقة غير مباشرة بين سوريا والسعودية. لذلك، قد يُفسَّر إجراء الأمس على أنه استمرار لعملية تغيير نهج الرياض تجاه التطورات في سوريا.
ولكن على الرغم من التظاهر بالصداقة، ينبغي النظر إلى الوجه الآخر للعلاقات بين الرياض ودمشق علی أرض الواقع أيضاً.
أولاً، خلال الأسابيع الماضية وبعد اجتماعات لجنة مراجعة الدستور السوري(في جولتين)، التي بدأت في 30 أكتوبر واستمرت حتى أواخر نوفمبر وانتهت دون جدوى، عقدت السعودية لقاءات مع زعماء المعارضة السياسية في الرياض، وأحدثت تغييرات في ترکيبة المعارضة السياسية من خلال الضغط، وأزالت شخصيات قريبة في الغالب من تركيا من رئاستها.
ولقيت هذه الاجتماعات انتقادات حادة من هيئة التفاوض السورية برئاسة "نصر الحريري"، واعتبرتها الدوائر الإعلامية التابعة للمعارضة السورية بأنها انقلاب الحكومة السعودية على الهيئة العليا للتفاوض.
من ناحية أخرى، في المجال الميداني أيضاً، بدأ تقارب السعودية من الأكراد السوريين لمنع توحيد الأكراد والحكومة المركزية، قبل فترة طويلة ومع إعلان البيت الأبيض المفاجئ الانسحاب العسكري من شمال سوريا.
في 12 يونيو 2019، زار "ثامر السبهان" وزير الدولة السعودي للشؤون الخليجية مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق "جويل روبن" والسفير الأمريكي السابق في البحرين "وليام روباك"، محافظة دير الزور في شرق سوريا، واجتمعوا مع القادة الأكراد والقبائل العربية في المنطقة.
كما استضافت الإمارات مؤخراً "سيبان هامو" قائد قوات حماية الشعب الكردي، ووفقاً لمصادر مطلعة فإن المساعدة العسكرية والمالية وتقديم الدعم لاستقلال الأكراد السوريين کانت من مواضيع الاجتماع. ومن نافلة القول أيضًا إن محاولات تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي تتعارض مع المصالح السورية.
والسؤال المطروح الآن هو، كيف يمكن تحليل هذا التناقض في سلوك السعوديين تجاه دمشق؟
من المؤکد أن جزءاً مهماً من رغبة السعوديين في تحسين العلاقات مع دمشق، ينبع من التوقع الدائم ببقاء بشار الأسد في الهيكل السياسي المستقبلي لسوريا، والذي تحقق من خلال انتصارات الجيش السوري وحلفائه على الإرهابيين وإحباط كل المؤامرات.
وفي الواقع، لم يكن من قبيل الصدفة أن تتزامن استقالة "عادل الجبير" من وزارة الخارجية السعودية، الذي كان قوله الشهير إن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل على أي حال، مع افتتاح سفارة دولة الإمارات في دمشق.
لقد انتهجت الرياض سياسةً خارجيةً هجوميةً ضد محور المقاومة في المنطقة في السنوات الأخيرة بقيادة محمد بن سلمان، ومن خلال التوهُّم بالدعم الأمريكي الكامل، كانت تحاول إعادة المعادلات الإقليمية لصالحها، وفي هذا الصدد شنت عدواناً عسكرياً علی اليمن، وحوَّلت سوريا إلی ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، وعززت موقع داعش على الحدود الغربية والشرقية لإيران، وبدأت حصار قطر.
لکن سياسات محمد بن سلمان المتشددة لم تحقق له أي شيء سوی الفواتير الباهظة، إلی أن عرّض اغتيال خاشقجي ولي العهد السعودي الشاب لخطر انهيار فرصه للجلوس علی کرسي الحکم في البعدين المحلي والدولي. وهو الموقع الذي قام بحملات دعائية واسعة النطاق حول زيادة الحريات الاجتماعية المحلية، من أجل الحفاظ عليه.
من ناحية أخری، فإن تزايد هجمات أنصار الله العنيفة على المراكز العسكرية والاقتصادية الحساسة بالرياض، كانت رسالةً واضحةً من طهران حول تعاون الرياض خلف الکواليس مع واشنطن، بهدف الإضرار بالمصالح الإيرانية. الأمر الذي جعل الرياض تفكر في طريقة للخروج من مستنقع حرب اليمن وإجراء محادثات مسقط. والآن أيضاً يعتبر البعض لقاء الوفد السعودي بالوفد السوري رسالةً رمزيةً من قبل الرياض إلی طهران.
وفقًا لذلك، يجب القول إن فشل السياسات الإقليمية للسعودية قد وضع أمام الملك السعودي وولي العهد ضرورة إجراء تغييرات لتحسين مسار الأخطاء التي ارتکبت حتی الآن.