الوقت- للمرة الرابعة خلال الأشهر الأخيرة، يجري رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج زيارة إلى تركيا للقاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
السراج الذي سبق أن التقى وزيري الدفاع والخارجية التركيين في قطر ، من المقرر الآن ان يلتقي أردوغان في الساعات الذهبية لوقف اطلاق النار ليستفسر منه على وجهات نظره بشأن المرحلة المقبلة من التطورات.
تغيير نبرة أنقرة
حتى الأيام القليلة الماضية، كانت معظم وسائل الإعلام المرتبطة بحزب العدالة والتنمية في تركيا ، بما في ذلك تلفزيون (آ) الخبري وصحيفة يني شفق ، تصف بانتظام الجنرال خليفة خفتر بأنه عميل السعودية والامارات وبأنه ديكتاتور وجلاد خطير. ويسعى إلى القضاء على الشخصيات البارزة في حكومة الوفاق الوطني الليبية.
لكننا نشهد الآن تطورات وأحداث جديدة في الميدان تشير إلى حدوث تحول نسبي وملموس في نهج تركيا تجاه التطورات في الدولة الليبية العربية - الإفريقية.
هل التغيير جرى في طرابلس أم اسطنبول؟
لم يحدث تغيير ملموس في توترات الميدان الليبي وعلى أرض الواقع، حيث يواجه قطبا حفتر والسراج بعضهما البعض، ولم تدخل قوى جديدة الى الساحة لتتحول التوازنات لمصلحة احدهم او ضده. ولكن كانت هناك تغييرات في تركيا. التغييرات الناجمة عن اتفاقيات أنقرة وموسكو الجديدة والمشاورات مع الآخرين.
والآن يعلم الجميع أن روسيا ليست محايدة في القضية الليبية، لا بل أنها تدعم قوة ضد تركيا. قوة يرأسها جنرال عسكري يدعى حفتر، لا يقبل الخطاب السياسي التركي والقطري ولا يريد أن يستحوذ الاخوان المقربين من تركيا بالسلطة في ليبيا.
وبعبارة واضحة أخرى، تحولت ليبيا الى نقطة لصراعات المصالح ومركز لخلافات جديدة لتركيا وروسيا ، و وسائل الإعلام الاخوانية المتشددة اظهرت لأردوغان صورة أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وقفوا إلى جانب روسيا وحفتر، ويجب أن تتحرك تركيا بسرعة وترسل قوات الى ليبيا.
لكن دهاليز الدبلوماسية للعلاقات التركية الروسية تدفع الوضع نحو تغييرات جديدة ، فلاديمير بوتين ، الذي زار أردوغان بغرض افتتاح خط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا ، اتفق معه وراء الأبواب المغلقة على اعلان وقف إطلاق النار في ليبيا.
في الساعات الأولى ، لم يكن حفتر مستعدا لقبول وقف إطلاق النار المذكور ، لكن الليلة الماضية تغير التوازن في ساحة الصراع إلى حد ما ووافق حفتر على وقف الاشتباكات.
بعض ضيوف الأتراك المهمين وعلاقتهم بالقضية الليبية
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهم ضيوف تركيا الدبلوماسيين لتغيير المعادلات المتعلقة بليبيا، وأظهرت الأدلة أن المصالح الاقتصادية الكبيرة في العلاقات بين أنقرة وموسكو قابلة لتلقي الظل على بعض الاختلافات بين وجهات النظر وتخلق ارضية لتغييرات واتفاقات جديدة.
وعقب لقاء أردوغان وبوتين ، شهدنا أن موقف تركيا لم يتغير تجاه ليبيا إلى حدٍ كبير وملموس فحسب، بل أعلن جاويش أوغلو رسمياً أن أنقرة لا يمكنها تجاهل حفتر بالكامل.
بالإضافة إلى الرئيس الروسي زار رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي تركيا ايضاً للقاء أردوغان. يتمتع الغنوشي ، كزعيم إسلامي مقرب من الخطاب الديني والسياسي لحزب العدالة والتنمية ، بسلطة كبيرة في تونس ويمكن لتونس المجاورة لليبيا أن تلعب دوراً في التطورات المقبلة لصالح تركيا.
وبالإضافة إلى راشد الغنوشي ، كانت وزيرة خارجية غانا السيدة "شيرلي بوتشافاي" ضيفًاً في تركيا ، وخلال لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو دعت تركيا للقيام بدور أكبر في مشاريع التنمية الغانية.
وزير الخارجية التركي بعد لقائه بنظيرته الغانية أعلن رسمياً أن أنقرة قد قيمت بعناية الصورة السياسية والتنافس في ليبيا وتعرف جيداً أنها لا تستطيع تجاهل حفتر بالكامل.
لكن الضيف التالي لأنقرة هو رئيس وزراء ايطاليا جوزيبي كونتي. وسيكون كونتي اليوم ضيفًاً على أردوغان ومن المقرر أن يبحث معه حول القضية الليبية.
وقبل زيارته إلى تركيا ، أعلن لوسائل الإعلام الأوروبية أنه سيحث أردوغان بجدية على عدم إرسال قوات إلى ليبيا وعدم مفاقمة الوضع اكثر مما هو عليه.
والآن تسعى تركيا وإيطاليا إلى التوصل الى اتفاق جديد بشأن هذه القضية والخلافات حول ارسال القوات. لكن النقطة المشتركة لكلا البلدين هي أنهما لا يريدان وصول حفتر الى السلطة.
اتخذت إيطاليا التي لديها خطط لتركيا في قضية قبرص وصفقات النفط ، موقفا في القمة المصرية تشير إلى حسن نية هذا البلد الأوروبي تجاه تركيا. لأن وزير الخارجية الإيطالي رفض التوقيع في مؤتمر صحفي مشترك على بيان اُعد ضد تركيا. أزعجت هذه الخطوة الإيطالية الرئيس المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي وأسعدت مسؤولي أنقرة.
باختصار ، يمكن القول ان تركيا تقترب من أهدافها في القضية الليبية تدريجياً، مع إدراكها لحقيقة أنه في العلاقات الدولية الحالية والمفاهيم التي تحكم العلاقات الدولية ، لا تقحم الدول نفسها عادة في التدخلات العسكرية للآخرين. بل تفكر في مصالحها.
على سبيل المثال، اليوم الذي أرسل فيه أردوغان قواته الى شرق الفرات دعمت إيطاليا الأكراد السوريين واتخذت موقف متشدد ضد تركيا، ولكن منذ تلك المواقف حتى الزيارة المقررة اليوم ان الذي تغير ليس طبيعة الدبلوماسية والعلاقات بين الدول بل مصالحها.