الوقت- بعد مرور شهرين على خروج أبناء الشعب العراقي في احتجاجات عارمة في عدد من المدن العراقية وذلك من أجل المطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشة، وافقت الأحزاب والتيارات السياسية في البرلمان على منح الحكومة العراقية مهلة 45 يوماُ لتنفيذ الإصلاحات التي أعلنت عنها في وقت سابق ولكن وفي خطوة مفاجئة أعلن رئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي" يوم أمس الجمعة استقالته من منصب رئيس الوزراء ودعا البرلمان قائلاً: " لقد قمت باتخاذ مثل هذا القرار تجنّباً لانزلاق العراق في دوامة العنف والفوضى"، كما دعا "عبد المهدي" مجلس النواب لإعادة النظر في خياراته، في هذا الصدد، قام موقع الوقت الإخباري بإجراء مقابلة صحفية مع الخبير في الشؤون الدولية الدكتور "سعد الله زارعي" لمناقشة آخر التطورات الميدانية على الساحة العراقية.
"موقع الوقت": لماذا قرّر "عبد المهدي" الاستقالة من منصبه رغم أن البرلمان العراقي قدّم له فرصة مدتها 45 يوماً لتنفيذ الإصلاحات التي أعلن عنها في وقت سابق؟
الدكتور "زارعي": إن استقالة السيد "عبد المهدي" ترتبط ارتباطاً مباشراً ببيان أصدره "آية الله السيستاني" تطرّق فيه إلى عدد من النقاط المهمة والتي منها أنه أشار إلى ضرورة تشكيل حكومة عراقية جديدة ولهذا وعلى أساس هذه القضية فلقد قام "عبد المهدي" بالامتثال إلى هذه الدعوة وقام بتقديم استقالته إلى البرلمان وهذا الأمر يعني أن الحكومة السابقة انتهى عملها.
"موقع الوقت": ما هو تقييمك لتأثير هذه الاستقالة على الوضع السياسي الحالي في العراق؟
الدكتور "زارعي": الآن العراق يعيش في وضع حرج للغاية بحيث يمكن القول إن هذه الاستقالة قد تكون فرصة للمضي قدماً في تنفيذ الكثير من الإصلاحات الاقتصادية وقد تكون تهديداً يمكن أن تستغله بعض القوى الغربية والإقليمية لزيادة الشرخ داخل الشارع العراقي. كما أن استقالة السيد "عبد المهدي" من منصبه قد تشكّل فرصة لبعض التيارات والأحزاب السياسية في العراق وخاصة الشيعة والجماعات والقادة الشيعة في البرلمان وذلك لأنهم يشكلون الأغلبية في الهيكل السياسي العراقي ولهذا فإن هذه الاستقالة وفّرت الفرصة لتلك الجماعات والأحزاب الشيعية للوصول إلى منصب رئاسة الوزراء. ولكن إذا تشكّلت خلافات وفجوات بين تلك الجماعات والأحزاب السياسية الشيعية، فإن عملية انتخاب رئيس للوزراء في العراق ستطول بشكل طبيعي، وسيكون هذا تهديد للعراق ولبنيته السياسية، لذلك، في رأيي، العراق اليوم يعيش في منعطف حرج وخطير وفي مفترق الطرق، أحدهما يتمثل في حماية استقلاله ومواجهة التدخلات الأجنبية والاقليمية وخاصة تدخلات أمريكا وبعض الدول العربية، وثانيهما حماية الهيكل السياسي للعراق من الانهيار.
"موقع الوقت": هل من الممكن أن يرفض البرلمان العراقي استقالة "عبد المهدي"؟
الدكتور "زارعي": وفقاً للدستور العراقي، إذا قدّم رئيس الوزراء فعلياً استقالته، فإنه لن تكون هناك حاجة لموافقة البرلمان على هذه الاستقالة وبتعبير أدق، إن الموافقة على تعيين رئيس وزراء في العراق يحتاج إلى تصويتاً من البرلمان، لكن إقالة واستقالة رئيس الوزراء لا تحتاج بالضرورة إلى موافقة البرلمان، حيث يمكن لرئيس الوزراء أن يقُيل نفسه من منصبه دون الرجوع إلى البرلمان وأيضاً يمكن للبرلمان عزل رئيس الوزراء وإقالته من منصبه إذا لم يلتزم بالقسم الدستوري أو قام بانتهاك القانون، ووفقاً للقانون العراقي أيضاً يمكن لـ"عبد المهدي" الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للوزراء لمدة أسبوعين، يقوم خلالها البرلمان العراقي بانتخاب رئيس وزراء جديد من فصيل الأغلبية وهذه العملية بدأت منذ يوم أمس في العراق.
"موقع الوقت": كيف تقيم دور الجهات الفاعلة الأجنبية والاقليمية في التطورات التي أدّت إلى استقالة "عبد المهدي"؟
الدكتور "زارعي": ينبغي النظر والتمعّن في الدور الذي لعبته بعض الجهات الاجنبية والاقليمية في الاضطرابات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من المدن العراقية، ولكن استقالة السيد "عبد المهدي" كانت بمثابة قرار شخصي صدر عقب بيان المرجعية الدينية، ومن المؤكد أن "عبد المهدي" كان سيواصل عمله كرئيس للوزراء لو لم تقم المرجعية الدينية بإصدار ذلك البيان قبل عدة أيام وكان من المؤكد أن يقوم "عبد المهدي" بالإعلان عن المزيد من المبادرات الحكومية للتعامل مع الاضطرابات الشعبية، كما يمكن القول أن العراق اليوم يعيش في وضع لا يحسد عليه وذلك لأن أمريكا والسعودية والإمارات على مدار الأيام القليلة الماضية كانت تحاول تأجيج الشارع العراقي وخلق ظروف جديدة عن طريق إرسال المزيد من المرتزقة لمهاجمة المراكز الدينية والمؤسسات الحكومية ولقد رأينا عدداً من المتظاهرين قاموا خلال الأيام الماضية بالهجوم على جامعة دينية، وعلى قبر "آية الله الحكيم والهجوم على قبر "محمد بن سعيد"، أحد النواب الخاصين للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وحتى إنهم هاجموا الكثير من بيوت رجال الدين الشيعة، في الواقع، لقد تمكّنت تلك الجهات الأجنبية من خلق جوٍّ جديدٍ داخل الشارع العراق، رأى فيه "آية الله السيستاني" أنه من الضروري تغيير الحكومة، ولهذا فلقد استقال السيد "عبد المهدي" عقب بيان المرجعية الدينية، وليس بسبب ضغوط أمريكية، ونأمل أن تسير عملية التشاور بين البرلمان العراقي والزعماء الشيعة بسرعة وذلك من أجل انتخاب شخص مناسب لملء الفراغ الذي أحدثه منصب رئيس الوزراء في العراق.
"موقع الوقت": كيف تتوقعون تأثير استقالة "عبد المهدي" على الاحتجاجات الشعبية والاضطرابات؟
الدكتور "زارعي": في رأيي، إذا لم يتخذ البرلمان مبادرة مناسبة للبدء في تنفيذ مطالب المحتجين والبدء بتنفيذ الإصلاحات التي تم الإعلان عنها مؤخراً، فإن هذه الاستقالة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع والاضطرابات في هذا البلد الشقيق، ولكن إذا تمكّن البرلمان من أخذ زمام المبادرة، فإن سوف يتمكّن من المضي قدماً في مسير تنفيذ الكثير من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية وبهذا الأمر سوف نشهد انخفاض حدّة الاحتجاجات والمظاهرات في العديد من المدن العراقية. ولكن هناك شيء يجب أخذه في الاعتبار وهو أنه من المحتمل أن يتم انتخاب رئيس الوزراء العراقي الجديد على أساس مطالب المحتجين وذلك من أجل إنهاء تلك الاضطرابات، ولهذا يمكن القول هنا بأن العراق يحتاج اليوم إلى رئيس وزراء قوي، وليس إلى رئيس وزراء متردد في تنفيذ سياسات حكومته.